بين الجزرة الصينية والعصا الأمريكية.. هل نشهد انقسام الدول الخليجية
مع تصاعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في مجالات عديدة منها السياسة والاقتصاد والأمن، وتسلّل هذا التنافس إلى الشرق الأوسط من أجل استقطاب المزيد من القوى والأنظمة التي من شأنها أن تعزز نفوذ أي من الدولتين، يتزايد الحدث عن موقف الدول الحليجية الغنية، وعلى رأسها “السعودية”، من هذا التنافس، وفي أي معسكر من المعسكرين قد تلجأ، خصوصاً في ظل الفوضى العالمية الحاصلة، وحاجة كل دول إلى الاستناد على حليف قوي وموثوق.
وهنا، تساءلت مجلة أمريكية حول مدى تنافس القوى الكبرى على منطقة الخليج، وما الذي قد يؤدي إليه ذلك، وهل يصل إلى انقسام دول الخليج بين واشنطن وبكين؟ وفي مقال كتبه موردخاي شازيزا في مجلة “ناشونال إنترست”، قال إن على دول الخليج تطوير إطار يؤدي لمنع تحول الخليج لساحة تنافس بين الصين والولايات المتحدة.
ويشير الكاتب إلى أنه في منطقة الخليج ظلت الولايات المتحدة اللاعب الخارجي المهيمن لعدة عقود، فيما تحاول الصين توثيق علاقات سياسية مع القوى الصاعدة، وتأمين منفذ لمصادر الطاقة، كما وسعت مداها التجاري، وعززت من تأثيرها الاستراتيجي.
ولفتت الصحيفة إلى أن الصين طورت شراكات مع دول مجلس التعاون الرئيسية، التي قد يؤدي دعمها إلى تعزيز قوتها، ويسمح لها بإظهار التأثير في مجالات جديدة.
تراجع الهيمنة الأمريكية؟ ويرى الكاتب أن الصين تدير علاقاتها مع دول الخليج من خلال الشراكات الدبلوماسية بدلاً من التحالفات السياسية، وهذه العلاقات ليست تحالفات، لأن بكين تتردد في إقامة تحالفات رسمية.
ويؤكد أن تراجع هيمنة أمريكا في الخليج، الذي يحصل في وقت توسع التأثير الصيني، “قد يؤدي إلى زعزعة مستوى القوة في المنطقة”.
وتابع: “في الوقت الذي تحاول فيه دول الخليج الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، فإن هناك بعضاً من دول مجلس التعاون (الإمارات والسعودية) تحاول إحاطة نفسها ضد التهديدات والتغير المتواصل في ميزان القوة، من خلال بناء علاقات مع القوى الأخرى.
وتهدف سياسة التحوّط هذه لاستخدام الصين كدعم إضافي سياسي واقتصادي، وكوسيلة للضغط على واشنطن لتعديل سياستها”. وقسّم المقال دول الخليج إلى ثلاث مجموعات: الأولى “الدول المتحوطة”، وتضم “السعودية” والإمارات، حيث تحاول كلتاهما التحوط، وبشكل مفتوح، ضد انسحاب أمريكا من الخليج، ولكنهما دمجتا عنصراً في الشراكة الاستراتيجية في التعامل مع الصين، وتريد كل من أبوظبي والرياض تنويع مصادر السلاح.
والمجموعة الثانية هي “دول التوازن”، وهما قطر وعمان، اللتان قال إن كلتيهما بنت علاقات قوية مع الصين من خلال فتح البنى التحتية الوطنية أمام الاستثمار الصيني، لكنهما اتسمتا بالحذر تجاه التنافس بين القوى العظمى، فهما تحتفظان بعلاقات عسكرية مع واشنطن.
أما المجموعة الثالثة فهي “الدول الحذرة”، الكويت والبحرين، مشيراً إلى أن كلتيهما فتحت أبوابها للاستثمار الصيني، لكن مع الابتعاد عن تحويل الشراكة إلى علاقة أمنية، وكلتاهما ترى في الحماية الأمريكية ضرورة لأمنها.
ويخلص الكاتب إلى أن دول الخليج “ما بين واشنطن القلقة وبكين الحازمة”، ووجدت نفسها أمام خيارين بين حليفتها الاستراتيجية وحليفتها الاقتصادية. أين مصلحة دول الخليج؟ في المقلب الآخر، يتحدث خبراء حول مستقبل العلاقات الخليجية – الأمريكية، فيقولون إنه ليس من مصلحة دول الخليج أن تنحاز إلى جانب ضد آخر في التنافس بين الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، وعلى رأسها الصين.
ففي الوقت الذي تتطلع فيه الولايات المتحدة لإضعاف النفوذ المتزايد لروسيا والصين، نجد أن بعض دول الشرق الأوسط وعلى رأسها الدول الخليجية في تقارب مع الدولتين.
وعلى الرغم من طمأنة الرئيس الأمريكي جو بايدن، للقادة العرب أثناء زيارته لـ”السعودية” الصيف الماضي، بالتزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، فإن دول الخليج لا تتسرع في الوقوف إلى جانب واشنطن، في محاولة لمواءمة المصالح. وتظل قضيتا النفط وحقوق الإنسان، من أهم القضايا الرئيسية التي تؤثر على العلاقات الأمريكية الخليجية، وفقا لصحيفة “NPR”الأمريكية، فضلاً عن قضايا أخرى تتعلق بأمن المنطقة وإيران والكيان الصهيوني والحرب على اليمن.
وبخصوص ملف حقوق الإنسان، فعلى الرغم من الثناء على محمد بن سلمان لدفعه تغييرات اجتماعية جذرية في المملكة، لكنه أشرف أيضاً على حملة قمع غير مسبوقة ضد المنتقدين.
ويواصل النظام السعودي إسكات منتقديه، في وقت شهد العام الماضي أكبر عملية إعدام جماعي في الذاكرة الحديثة في المملكة وذلك لـ81 سجيناً أدينوا في مجموعة من الجرائم.
ويقول النشطاء إن نصفهم تقريباً من الأقلية الشيعية المنخرطة في احتجاجات عنيفة. يشار إلى أنه في الفترة التي سبقت انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، تعهد بايدن المرشح الديمقراطي حينها حال دخوله البيت الأبيض بجعل “السعودية دولة منبوذة”؛ رداً على مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
لكن بدلاً من ذلك، سافر بايدن إلى “السعودية” والتقى بن سلمان المتهم بإصدار أمر بقتل خاشقجي، واقتصر تعهد بايدن السابق بالانتقام من ولي العهد على مصافحته بـ”قبضة اليد”. ولاحقا، استضاف ابن سلمان الرئيس الصيني شي جين بينج في زيارة تاريخية، عقد خلالها قمتين مع دول الخليج والعرب، وذلك بالتزامن مع جهود وساطة سعودية إماراتية في الحرب الروسية الأوكرانية نجحت في عمليتين لتبادل الأسرى.
كما تساعد سلطنة عمان وقطر منذ فترة طويلة في تسهيل المحادثات بين الخصوم في الصراعات الممتدة من أفغانستان إلى اليمن، حيث تحافظ قطر على علاقات وثيقة مع قيادة “طالبان”، وبعضها يقيم في الدوحة.
كما تستضيف قطر محادثات بين مسؤولين أمريكيين و”طالبان”، التي سيطرت على أفغانستان عام 2021. ولعقود من الزمان، تركزت العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج بشكل وثيق حول الأمن.
زيارة بينج مفتاح أساسي في هذا السياق، يبرز السؤال عمّا إذا كانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج الأخيرة لـ”السعودية” تؤشر إلى تغير نوعي بموازين الشرق الأوسط والمنافسة عليه عالمياً.
سؤال أجاب عليه عضو “منتدى المحيط الهادئ” أخيل راميش، في ضوء تصاعد العلاقات العربية مع الصين وتراجع نظيرتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر راميش، في مقال نشره موقع “ذا هيل”، القريب من الكونغرس الأمريكي، أن زيارة الرئيس الصيني الأخيرة جاءت بعدما وصلت العلاقات بين واشنطن والرياض إلى أدنى مستوياتها منذ قتل خاشقجي، حيث أعربت إدارة بايدن علنًا عن استيائها من النظام السعودي، سواء بشأن مقتل خاشقجي أو بشأن دعمه خفض تكتل “أوبك+” لإنتاج النفط.
ويعود الاستياء الأمريكي إلى تقدير مفاده أن السياسة السعودية تتماشى مع روسيا أكثر من الولايات المتحدة، ما يعني تقويضا للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
وقدم ذلك مؤشراً على تصدعات في ما كان يعتبر أكثر شراكة غير قابلة للتحدي في الولايات المتحدة، وهي العلاقة مع النظام السعودي، خاصة أن المملكة أبدت اهتماماً بالانضمام إلى مجموعة “بريكس” الاقتصادية، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في وقت سابق من العام الماضي.
ونتيجة للصراع بين روسيا وأوكرانيا، والاضطراب الاقتصادي اللاحق، وجدت فكرة تشكل نظام عالمي متعدد الأقطاب انبعاثاً جديداً، في ظل سعي الدول، وخاصة في الجنوب العالمي، إلى إقامة تحالفات اقتصادية.
وفي السياق، ناقشت اجتماعات “بريكس” الأخيرة، إضافة إلى قضايا الطاقة والأمن الغذائي، بدائل التجارة بالدولار الأمريكي وزيادة احتياطيات السلع. وهنا يشير راميش إلى أن القمتين: الصينية العربية، والصينية الخليجية تطرقتا إلى الموضوعات ذاتها، حيث سعت الصين بوضوح للترويج لعملتها وتأمين الأسواق والاستثمارات لشركاتها.
وحثّ الرئيس شي جين بينج نظراءه الخليجيين على الاستفادة من بورصة شنجهاي للبترول والغاز لإجراء مبيعات النفط والغاز، متحديا بشكل أساسي هيمنة الدولار البترولي، بينما تواصل إدارة بايدن سياسة الاهتمام بالداخل الأمريكي وتقليل الانخراط في شؤون الشرق الأوسط، وهي السياسية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
الجزرة الصينية والعصا الأمريكية وفي ضوء هذا التطور، قد يفكر شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بترتيبات اقتصادية بديلة، على أن تتركز علاقاتهم بالولايات المتحدة على المجال الأمني، “لأن علاقاتهم مع واشنطن لم تكن ترتكز بالكامل على قيم الديمقراطية وقواعد النظام الدولي”، بل على المصلحة، حسبما يرى راميش.
وهنا يلفت راميش إلى أن تركيز الصين على العلاقات الاقتصادية دون السياسية يجعلها قادرة على تحقيق توازن في علاقاتها مع كافة دول الشرق الأوسط، مستدلاً بمبادرة الحزام والطريق، التي مكنت الصين من الاستثمار والتجارة مع إيران و”السعودية” و”إسرائيل”.
وتبدو هذه الاستراتيجية، في ظل عالم ممزق سياسياً، فعالة أكثر من النهج الأمريكي القائم على ثنائية “نحن في مقابل هم” و”الديمقراطية مقابل الأوتوقراطية”. ولذا يرى راميش أن مواصلة الولايات المتحدة الضغط على حلفائها، في عام 2023، دون تقديم عرض ذي قيمة إقتصادية قوية، سيفضي إلى تفوق الجزرة الصينية على العصا الأمريكية.
ارسال التعليق