ترامب وبن سلمان.. صداقة تحطمت على صخرة النفط
التغيير
من الذي يسيطر بالفعل على أسعار النفط العالمية؟ أو -بالأحرى- من ينبغي؟.. إنه السؤال الذي كان الصحفيون والنقاد يثيرونه في الأسابيع الأخيرة، حيث كانت أسعار النفط تتداعى إلى أدنى مستوياتها طوال الوقت؛ ما ذهب ببعض منتجي النفط الصخري الأمريكي إلى الانهيار، في الوقت الذي أرسلت فيه مملكة آل سعود عددا قياسيا من ناقلات النفط إلى شواطئ الولايات المتحدة.
وهدأت الأزمة أخيرا عندما اتفق آل سعود وروسيا على التراجع عن حرب الأسعار، بعد تدخل "ترامب". لكن هناك خرافة تحطمت على الفور خلال ذروة الأزمة؛ حيث عانى العالم من عواقب وصول برميل النفط إلى 25 دولارا، مثل انهيار صناعة النفط الصخري في أمريكا، في ما وصفه عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس بأنه "حرب" بين السعوديين وولاية تكساس. وجدير بالذكر أن منطقة "هيوستن" وحدها في خطر فقدان 300 ألف وظيفة.
أما عن الخرافة التي تحطمت على صخرة حرب أسعار النفط فهي أولا، أن أمريكا، في عهد "ترامب"، تتحكم بشكل أو بآخر في سعر النفط العالمي بمجرد الإشارة.
وثانيا، أن علاقة "ترامب" مع السعوديين، وعلى وجه الخصوص "محمد بن سلمان"، أقوى ما يمكن.
وادعى "ترامب" أن صفقة النفط الجديدة التي أبرمها أعضاء تحالف "أوبك+" كانت خلاصة عبقريته. وفي الواقع كان الأمر كذلك، لكنه تجاهل أصل المشكلة ومن يتحمل تبعاتها.
واتصل "ترامب" بكل من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" وابن سلمان وأقنعهما على الفور بوقف حرب الأسعار، التي أدت إلى ضخ الكثير من النفط الخام في الأسواق؛ لدرجة أنها خلقت مشاكل لوجستية في الولايات المتحدة بخصوص قدرات التخزين.
ومع ذلك، ألقت الأزمة الضوء على صداقة "ترامب" الشخصية مع "بن سلمان"، وأثارت تساؤلات جديدة حول كيف يمكن أن تحدث هذه الأزمة في المقام الأول، وما هو التهديد الجديد الآن بعد انكشاف التوتر في علاقة "ترامب" و"بن سلمان"، وماذا يمكن أن يتوقعه الشرق الأوسط في الأشهر المقبلة؟
وربما الآن يمكننا أن نؤكد أن صداقة "ترامب" الحميمية مع "بن سلمان" قد انتهت. لقد أذل ابن سلمان "ترامب" في مناسبات عديدة؛ حيث لم يخضع بالكامل لمطالب الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بالنفط والأمن الإقليمي.
وفي سيناريو متكرر تقريبا، مثل "بوتين" ورئيس النظام السوري "بشار الأسد"، يشعر "ترامب" بالخيانة من قبل ابن سلمان، بعد كل العمل الذي قام به "جاريد كوشنر"، الذي هندس التعديلات الهيكلية للنظام الملكي السعودي؛ ما مهد الطريق لكي يصبح "بن سلمان" وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017.
يحب "ترامب" الصفقات البسيطة. وتم إغفال المذكرات التي تم تسريبها على نطاق واسع، لكن لم يتم نسيانها في ذلك الوقت، التي تكشف بساطة جميع الصفقات التي أبرمها صهره مع "بن سلمان"، والتي تلخصت في ذلك الوقت في وعد بجعل الأخير وليا للعهد مقابل الاعتراف بدولة (إسرائيل) ودعم "صفقة القرن" في ما يتعلق بالفلسطينيين.
وكهدية على العرض، سرب "كوشنر" حتى بعض المعلومات الاستخباراتية من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي كشفت لـ"بن سلمان" قائمة بجميع أعدائه الذين كانوا يتآمرون ضده.
لكن الصفقة ساءت. وتماما مثلما نسي "الأسد" أن "بوتين" هو الذي أنقذه من الإطاحة به، يبدو أن "بن سلمان" يملك ذاكرة قصيرة، ولا يمكنه تذكر من جعله على رأس السلطة في المملكة. وما نشهده الآن هو أن "ترامب" بدأ يفقد صبره، وأنه سيعلّم ابن سلمان درسا عن السلطة.
ويعرف "ترامب" أنه إذا لم يتمكن من توجيه ابن سلمان في الاتجاه الذي يريده في مواضيع مهمة للغاية مثل إنتاج النفط؛ فسيواجه تمردا في الداخل مع أصحاب النفوذ الجمهوريين، الذين سيدمرونه إذا تأثر قطاع الطاقة في ولايات مثل تكساس.
وأدت حرب النفط الأخيرة هذه في الواقع إلى انهيار شركة طاقة كبيرة، وسببت خسائر كبيرة لعدد من محطات الوقود التي تبيع البنزين.
وكان هذا بمثابة دعوة ليقظة "ترامب" على مدى خطورة بقاء ابن سلمان المتقلب في منصبه، أكثر من أي شيء صدم الخبراء الإقليميين قبله، كمقتل "خاشقجي"، وحصار قطر، أو حتى اختطاف رئيس الوزراء اللبناني السابق "رفيق الحريري".
وهكذا تم إجراء المكالمة، وهي مكالمة هاتفية، كانت شائنة جدا. لقد شعر ابن سلمان فيها بالإهانة لدرجة أنه طلب من مساعديه مغادرة الغرفة بينما استمر "ترامب" في الحديث.
وفي 2 أبريل/نيسان، أُفيد بأن "ترامب" قال لـ"بن سلمان" إنه إذا لم يخفض إنتاج النفط، فسيسحب القوات الأمريكية والبنية التحتية التي كانت موجودة في المملكة منذ 75 عاما.
وبالطبع، برر "ترامب" الأمر بأنه سيكون تحت ضغط من قبل الكونجرس الأمريكي لفعل ذلك. لكن التهديد كان واضحا بما فيه الكفاية.
وبشكل ملحوظ، استغرق الأمر 10 أيام كاملة من "بن سلمان" للوصول إلى اتفاق. لكن يجب أن تكون تلك الأيام قد زرعت بذور السخط الآن بين "ترامب" و"بن سلمان".
ويقال إن "بن سلمان" لم يبدأ عمدا حرب الأسعار مع روسيا. وهذا ما صرح به عدد من خبراء النفط. لكن حقيقة أن الأزمة اقتربت للغاية من إسقاط "ترامب" تشير إلى كيف ينبغي أن يتعامل البيت الأبيض في النهاية مع تصرفات "بن سلمان" الخرقاء في هذه الأمور هائلة الخطورة.
وكانت العلاقة الخاصة بين هذين الرجلين دائما مجرد خرافة على أي حال. في الحقيقة كانت الصداقة الحقيقية بين "كوشنر" وابن سلمان وليس مع "ترامب".
وفي الواقع، في الآونة الأخيرة فقط، في أحدث نوبة ذعر تعرض لها "بن سلمان" حول مكانته كوريث للعرش، حيث اعتقل 4 خصوم رئيسيين، يقول المحللون إن هذا كان بسبب تلقيه تقارير تفيد بأن هؤلاء الأفراد كانوا يخططون لانقلاب ضده، بدعم من إدارة "ترامب".
ويشعر كل من "ترامب" و"بن سلمان" بالذعر بشأن منصب كل منهم وسلطته. لكن من غير المرجح أن يجعلهم ذلك أقرب إلى بعضهما البعض.
ومع ذلك، تصل الآن مشكلة جديدة تخص استقرار المنطقة بأكملها، حيث يتابع "بن سلمان" مساره وفقا لتعليمات "ترامب". فهل يحافظ "بن سلمان" على هدوئه الآن ويركز على عدم ارتكاب المزيد من الأخطاء الفادحة في المنطقة بالقدر الذي يثير غضب الإيرانيين، بينما يحاول إقناع ديوانه الملكي بنفسه كملك مستقبلي؟
يعد الخطر الحقيقي الآن هو أن "بن سلمان" يحاول القيام بشيء لاستعادة شيء من المصداقية بين أقرانه، وهو أمر مثير للقلق.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، على بعد أشهر فقط، فإنها تكتسب كامل الزخم، مع احتمال أن تختار إيران الآن أن تلعب دورها وتلقي بأوراقها الرابحة.
واختار "ترامب" سحب 2 من بطاريات "باتريوت" الـ4 الضخمة التي وضعها على أراضي الجزيرة العربية في قاعدة الأمير سلطان الجوية لتعزيز دفاع المملكة ضد الصواريخ التي أصابت المصافي في سبتمبر/أيلول 2019.
فهل يمكن أن يكون هذا إجراء روتينيا لـ"تحديث" البطاريات، كما ورد؟ حسنا، من غير المحتمل أن يعتقد ابن سلمان المصاب بجنون العظمة ذلك، بعد المكالمة الهاتفية التي جرت في 2 أبريل/نيسان، التي قيل له فيها بعبارات لا لبس فيها من هو الزعيم.
ولا يقتصر القلق الرئيسي فقط على أن الصداقة انتهت بين الاثنين، لكن أصبح كلا الرجلين يعرف الآن نقطة ضعف الآخر.
وبالنسبة لـ"ترامب"، تمثل مملكة آل سعود ميزان إنتاج النفط. وبالنسبة لـ"بن سلمان"، فإنه يعتمد على أمريكا لحماية البلاد من التهديد الحقيقي للغاية المتمثل في الضربات الإيرانية.
ولسوء الحظ، يملك "بن سلمان" سجلا حافلا من الحكم المتهور. وبالكاد يمر شهر لا يخطئ فيه في المنطقة.
وفي الآونة الأخيرة، كان يُشتبه في أن ابن سلمان كان وراء هجوم سيبراني ثانٍ على قطر، وهذه المرة عبر فيديو مزيف تم إنشاؤه ليبدو وكأنه انقلاب جار في جارته الصغيرة الغنية بالطاقة.
كما تم الإبلاغ عن الفيديو، وحسابات "البوت" التي نشرته على "تويتر"؛ الأمر الذي دفع شركة "تويتر" بسرعة لحذف الفيديو والحسابات التابعة للسعودية.
ويحتاج "بن سلمان" بشدة إلى نصر ما؛ للحفاظ على مصداقيته، ولتعويض الانتقادات عن سلسلة من الفوضى التي خلفتها قراراته.
ولسوء حظه، فإن تهوره ورغبة "ترامب" على وشك الالتقاء؛ حيث تعد مسألة وقت فقط قبل أن يصل الضغط السياسي على طهران إلى درجة الحاجة لعمل انتقامي لاغتيال الولايات المتحدة الجنرال "قاسم سليماني".
ارسال التعليق