تصدع علاقات الأردن والسعودية.. هل من صراعات خفية
على المستوى الرسمي، يحرص الأردن والسعودية على تأكيد متانة واستقرار العلاقات بين البلدين، وحتى إن طفت على سطح الإعلام أحاديث عن ملفات خلافية، مثل قضية "الفتنة" والوصاية الهاشمية على مقدسات القدس، يحرص البلدان على تطويقها بتصريح دبلوماسي أو قتلها بصمت رسمي.
لكن على مستويات أخرى، منها ما تكشفه مصادر مطلعة وخبراء، ثمة أحاديث كثيرة عن صراعات وخلافات تحت الطاولة تصاعدت منذ أن أصبح الأمير "محمد بن سلمان" وليا للعهد في السعودية عام 2017.
وطالما لا توجد قضايا خلافية مثارة علنا على مستوى واسع، تحرص عمّان والرياض كعادتهما على عدم الإدلاء بأي تصريحات بشأن العلاقات بين المملكتين.
نشاط السديري:
لكن مصادر مطلعة في عمّان، طلبت عدم الكشف عن هويتها، قالت لـ"الخليج الجديد" إن "ثمة انزعاج كبير داخل المنظومة الأمنية الأردنية من نشاطات متكررة للسفير السعودي لدى عمّان (منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019) نايف بن بندر السديري".
هذا "الانزعاج الكبير" يرتبط، وفق خبراء تحدثوا لـ"الخليج الجديد"، بمخاوف تزداد في الأردن يوما بعد آخر من محاولات السعودية إنشاء "لوبي ضاغط" داخل مفاصل الدولة الأردنية، لاسيما عبر حاضنة شعبية في الجنوب الأردني المجاور للسعودية؛ مما يوفر للرياض نفوذا سياسيا وأمنيا واجتماعيا.
ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، زار السديري محافظة مأدبا (جنوب)، وتحديدا مضارب قبيلة "بني حميدة" في بلدة مليح، حيث شارك في مأدبة حضرتها شخصيات سياسية ونيابية واقتصادية وعشائرية وإعلامية، بدعوة من أحد وجهاء القبيلة، وهو وزير الشباب الأردني الأسبق الدكتور فارس بريزات.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي الشهر التالي، وبالتزامن مع حركة احتجاجات شهدها الجنوب الأردني رفضا لارتفاع أسعار الوقود، زار السديري مقر عزاء أقامته قبيلة "بني حسن" في عمّان للتعزية في "شهداء" من رجال الشرطة قُتلوا خلال الاحتجاجات.
ولفت أنظار العديد من الحضور، وفق تقارير إعلامية، أن السديري قدّم واجب العزاء لأكبر قبيلة أردنية في الشهيد العقيد عبدالرزاق الدلابيح، ولم يقدم العزاء للحكومة.
وبشكل مباشر، وفق مصادر آنذاك، خاطب السيدري مشايخ قبيلة "بني حسن" وشدد على أن السعودية جاهزة للمشاركة في تداعيات المُصاب والتضامن بكل الأشكال.
ذلك التصرف من السفير السعودي اعتبر سياسيون أردنيون، في تصريحات صحفية، أنه لا ينسجم مع التقاليد الدبلوماسية.
صفقة القرن:
ووفق المحلل السياسي الأردني شلاش خريشة، في حديث مع "الخليج الجديد"، فإن "العلاقات الأردنية-السعودية في السنوات الخمس الأخيرة لا تبدو عليها معالم الاستقرار".
وأوضح أن "إرهاصات التوتر بدأت تظهر بشكل واضح بعد الإعلان عن صفقة القرن (في يناير/ كانون الثاني 2020) التي عكفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (2017-2021) على إعدادها منذ 2017 كخطة للسلام في الشرق الأوسط تنهي الصراع العربي الإسرائيلي".
ورفض الفلسطينيون تلك الخطة لأنها كانت منحازة لإسرائيل ومجحفة بحقوقهم التاريخية المعترف بها عبر قرارات الشرعية الدولية في ظل الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم.
و"صفقة القرن"، بحسب "خريشة"، "أتبعتها تسريبات إعلامية عن محاولات السعودية سحب الوصاية الهاشمية الأردنية من على مقدسات مدينة القدس الشرقية المحتلة؛ مما أدى إلى توتر العلاقات بشكل كبير".
ودائرة أوقاف القدس، التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية بالأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس، بموجب القانون الدولي، الذي يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.
واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية "وادي عربة" للسلام مع إسرائيل في 1994، كما وقّع ملك الأردن عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مارس/ آذار 2013، اتفاقية تعطي المملكة حق "الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات" في فلسطين.
ورسميا، لم يصدر عن الرياض أي بيان أو تصريح برغبتها في سحب الوصاية على مقدسات القدس من الأردن، بل إن "إعلان الرياض" الصادر عن القمة العربية الصينية بالمملكة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد دور الوصاية الهاشمية الأردنية في حماية تلك المقدسات.
وجانب من المسؤولية عن التوترات المبطنة في العلاقات بين السعودية والأردن، بحسب "خريشة"، تتحمله "المساعي الإسرائيلية للتغلغل في منطقة الخليج وإحداث اختراقات لخلط الأوراق في العلاقات العربية-العربية، وإحداث تباينات في القرار العربي، وهذا ما تمثل بعد إعلان العديد من الدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وعلى رأسها الإمارات والبحرين والمغرب (عام 2022)".
ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم ست دول فقط، هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، علاقات علنية مع إسرائيل التي تحتل أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967.
رواتب لزعامات عشائرية:
وأثناء قوة العلاقات مع الأردن، وتحديدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بحسب "خريشة"، "كانت السعودية تخصص رواتب للزعامات المجتمعية والرموز العشائرية في الجنوب الأردني".
وأضاف أن هدف هذه الرواتب هو "الحفاظ على حدودها (السعودية) وتأمينها من محاولات التهريب المتكررة للأسلحة والمخدرات، باعتبار أن منطقة الجنوب الأردني إحدى المناطق الأساسية التي تقطنها العشائر والقبائل الأردنية العريقة وعلى رأسها الحويطات والحمايدة والحجايا".
واستدرك: "لكن مع الموقف الأردني الرسمي والشعبي الذي انحاز للعراق بعد احتلاله لدولة الكويت (1990)، تراجع مستوى العلاقات بين الرياض وعمّان وأوقفت السعودية دفع الأموال للرموز والزعامات الأردنية".
وأردف أن "السعودية أدركت مؤخرا أهمية استعادة العلاقات مع الرموز والمشيخات العشائرية؛ لأنها تحقق من خلالهم مكاسب أمنية واجتماعية بل وحتى سياسية".
واعتبر "خريشة" أن "السعودية تسعى من خلال تحركاتها الحالية عبر سفيرها إلى إيجاد نفوذ وموطئ قدم في الدولة الأردنية؛ لأن شكل الدولة سيتغير بعد عام 2024، لذا تريد الرياض تهيئة الأرضية المناسبة لامتلاك نفوذ سياسي واجتماعي".
وفي يناير/ كانون الثاني 2022، بدأ في الأردن سريان تعديلات دستورية تقول السلطات إنها تؤسس لمرحلة جديدة لتشكيل حكومات بناء على أغلبية حزبية في البرلمان وليس بتكليف من الملك كالمعتاد في دولة نظامها السياسي "نيابي ملكي" وفق دستور 1952.
قضية "الفتنة":
"تاريخيا، العلاقات الأردنية السعودية من تحت الطاولة هي علاقات صراعية بالمعنى الأفقي والطولي"، بحسب ما ذهب إليه عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية بالأردن محمد الروسان، في حديثه مع "الخليج الجديد".
وأوضح أن "هناك تنافس كبير تاريخيا بين الهاشميين في الأردن والعائلة المالكة في السعودية (آل سعود) على النفوذ في المنطقة، لكن فوق الطاولة تظهر العلاقات على أنها ذات صفة تعاونية".
وفي سبتمبر/ أيلول 2021، أيدت محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية في الأردن، الحكم الصادر بسجن الرئيس الأسبق للديوان الملكي باسم عوض الله، 15 عاما؛ بتهمة "التحريض ضد الدولة وإثارة الفتنة".
وذكرت تقارير صحفية أمريكية، آنذاك، أن السعودية حاولت الضغط على الأردن للإفراج عن عوض الله، المقرب من الرياض، مع تلميحات باحتمال وجود دور سعودي خلفه.
وعلى خلفية "قضية الفتنة"، أعرب الروسان عن اعتقاده بأن "العلاقات بين الطرفين لا تزال في غاية السوء، خاصة بعد أحداث الجنوب الأردني (احتجاجات على زيارة أسعار الوقود) فهي بطريقة أو بأخرى بدافع سعودي".
واستطرد: "الأردن يخضع لصراع أمريكي-بريطاني عبر أدواته السعودية والإمارات.. الصراع على الأردن بين السعودية والإمارات هو انعكاس للصراع الأمريكي-البريطاني على الأردن والمنطقة برمتها".
وتابع: "من هنا فإنّ العلاقات بين عمّان والرياض تأخذ شكل الصراع من الناحية الخفية ولن تتطور في القريب العاجل في ظل تغير السياسات السعودية تجاه الأردن (الذي يعتمد على مساعدات خليجية وغربية)".
وحاليا، ينظر البرلمان الأردني في مشروع الموازنة العامة للمملكة لعام 2023، وتبلغ 11.4 مليار دينار (16 مليار دولار) بعجز حوالي 1.862 مليار دينار (2.625 مليار دولار) بعد المنح الخارجية، وفق تقدير الحكومة.
ولفت الروسان إلى تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي (يناير/ كانون الثاني الماضي) بأن المساعدات التي ستقدمها السعودية للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، والمملكة تغير طريقة المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.
اليمين الإسرائيلي:
ومتفقا مع خريشة، اعتبر الروسان أن "هناك محاولات من حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، بالتزامن مع التوجهات السعودية، لترتيب أدوار للرياض في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية لغايات شطب الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمسجد الأقصى".
وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، منح الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الثقة لحكومة ائتلافية برئاسة بنيامين نتنياهو توصف بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل".
وتابع "الروسان" أن "السعودية تسعى إلى إنشاء مجموعة "لوبي" في داخل مفاصل الدولة الأردنية تحقق من خلالها نفوذا سياسيا وتكون حاضنته الجنوب الأردني حتى على الصعيد الأمني".
واعتبر أن "تحركات السفير السعودي في الداخل الأردني وإقامته لمآدب الطعام مع السياسيين والإعلاميين ورجال الاقتصاد تأتي في سياقات مشروع تغلل حقيقي داخل الدولة الأردنية".
ارسال التعليق