خبير اقتصادي :نتائج عكسية لمشروع السعودة
عبدالحميد العمري
انتهى المطاف بفرص العمل في القطاع الخاص بعد نحو أكثر من ست سنوات من الهرولة خلف برامج التوطين المبتكرة، إلى اصطدام العمالة المواطنة في هذا القطاع بـ:
(1) ارتفاع معدل البطالة من 10.0 في المائة قبل تطبيق تلك البرامج إلى استقراره فوق 12.1 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الماضي.
(2) اقتران ارتفاع توظيف العمالة المواطنة في القطاع الخاص خلال الفترة نفسها بارتفاع معدلات التوطين الوهمي “الوظائف الهامشية”.
(3) ارتفاع معدل الاستقدام السنوي للعمالة الوافدة في القطاع من أدنى من 1.0 مليون عامل وافد سنويا، إلى أعلى من 2.0 مليون عامل وافد سنويا.
(4) ارتفاع عدد العمالة الوافدة في القطاع الخاص من أدنى من 6.2 مليون عامل وافد، إلى أعلى من 8.6 مليون عامل وافد بنهاية العام الماضي.
(5) ارتفاع استحواذ العمالة الوافدة على المناصب القيادية والعليا في القطاع الخاص من نحو 10.4 في المائة، إلى نحو 40 في المائة بنهاية 2015 “حسب آخر البيانات الرسمية المتوافرة”.
(6) انفتاح قنوات النظام المقنن لعقود التعاقد في القطاع الخاص، وزيادة مرونتها تجاه إنهاء عقود العمالة المواطنة متى ما شاء أرباب القطاع، الذي أصبح يدار قراره بنحو النصف من قبل العمالة الوافدة.
هذه أهم النتائج الصادمة حتى الآن لا كل النتائج، التي يحق لنا أن نتساءل في قلق كبير : هل يؤمل بعد تحققها على أرض الواقع، أن ننتظر حلولا حقيقية لإزاحة أو التخفيف من جثوم البطالة بين المواطنين والمواطنات؟ وكيف لنا أن نشق طريقا لزيادة التوظيف في منشآت القطاع الخاص، تحت مرونة قصوى للنظام واللوائح المقننة لعقود التعاقد في القطاع بالتخلص من العمالة المواطنة في أي وقت، وفي الوقت ذاته نرى زحفا متسارعا لسيطرة العمالة الوافدة على مفاتيح اتخاذ القرار في القطاع؟
يتركز الحديث هنا على محاور ينبغي على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية العمل عليها منذ اللحظة، وضرورة استدراك الأوضاع المعقدة التي يواجهها العاملون والعاملات من المواطنين، بدءا من الضرورة القصوى لإعادة مراجعة نظام العمل الجديد، مرورا بتكثيف جولاتها التفتيشية على منشآت القطاع الخاص، والعمل بصورة أكثر عمقا وفحصا تجاه الممارسات التعسفية التي تعانيها العمالة الوطنية، تلك الممارسات التي لا تستطيع كاميرات المراقبة التقاطها، ولا يوجد لإثباتها بطرق ملموسة ما يمكن الاعتداد به قانونيا، إلا أنه يمكن استشفافها من عدد من المؤشرات، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ المستويات الإدارية المقارنة، الأجور الشهرية المقارنة، المكافآت السنوية المقارنة، طول فترة ثبات الأجور دون أية علاوات سنوية، المهام والمسؤوليات العملية المقارنة، وكثير من المؤشرات الرقابية الأخرى.
إن على وزارة العمل القيام بأدوار أكبر مما قامت وتقوم به حتى الآن على مستوى حماية العمالة الوطنية، من العواصف اليومية التي تواجهها دون أن يعلم بها أحد من العالمين، وضرورة ردع أية ممارسات تستهدف “تطفيشهم” من أعمالهم ومصدر دخلهم. ويمكنها في هذا الخصوص ابتكار عديد من البرامج الوقائية قبل أن تكون رقابية؛ بتأسيس مركز اتصال لحماية العمالة الوطنية من أي ممارسات قسرية محتملة، تستقبل من خلاله شكاوى العمالة الوطنية في سرية تامة، تتولى الوزارة فورا الاستجابة لتلك الشكاوى، والعمل على تسويتها في حال ثبوتها، الذي قد يفقده عمله ومصدر دخله، وهذا لا يدخل في نطاق “الدلال الوظيفي” كما قد يعتقد البعض، بقدر ما أنه في المنظور العام، لا يتعدى كونه أداة تستهدف حماية العمالة الوطنية من أية ممارسات تعسفية محتملة، وهو الهدف الرئيس من إيجادها.
لا شك أن بقاء وانتشار وزيادة استحواذ العمالة الوافدة على المناصب العليا في القطاع الخاص، عدا أنه يعكس في حقيقته فشلا بالغ الخطورة لبرامج التوطين، فإنه أيضا يمثل تهديدا صريحا لبرامج التوطين نفسها، وماذا يتوقع ممن يمسك بزمام أهم وأكبر القرارات في كيانات القطاع الخاص على مستوى التوطين، إذا كان أغلب تلك القرارات بيد غير المواطنين؟! وإلا لماذا تفشى التوظيف الوهمي للمواطنين خلال فترة 2011 – 2016؟ ولماذا ازداد استقدام العمالة الوافدة؟ ولماذا لا تزال معدلات البطالة بين المواطنين والمواطنات مرتفعة؟ ولماذا تركز توظيف العمالة المواطنة في الوظائف الهامشية؟ ولماذا تفاقم ترك العمالة المواطنة وظائفها في القطاع الخاص إما بالاستقالة الجبرية أو الفصل الصريح؟ وكثير من الأسئلة التي لا إجابة صريحة عنها حتى تاريخه! نعم قد لا تتحمل تلك القيادات التنفيذية من العمالة الوافدة كامل مسؤولية تلك الفواجع، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن أن تكون أدنى من تموضعها في المرتبة الثانية إن لم تكن الأولى في سلم المسؤولية تجاه تلك الظواهر والتطورات السلبية في وظائف القطاع الخاص.
ارسال التعليق