خلافات ابن سلمان وابن زايد تطفو على السطح
لطالما كانت هناك شراكة اقتصادية وسياسية واستراتيجية بين الإمارات والسعودية جاءت كنتيجة طبيعية لموقع الجارتين الخليجيتين وتقاطع مصالحهما، فضلا عن التحديات المشتركة التي مرت بها المنطقة، والتي جعلت منهما حليفتين تنسقان في العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
ولكن كون الدولتين هما أكبر دولتين في مجلس التعاون الخليجي من حيث حجم الاقتصاد وعدد السكان، ربما كان من الطبيعي أيضا أن تكون هناك منافسة بينهما حتى جغرافيا .
وعلى الرغم من انتشار أخبار عن وجود خلافات بين السعودية والإمارات ولكن تحاول الدولتان الجارتان أن يبدو التحالف عضويا، ليتم تبديد تلك الأخبار عبر لقاءات رسمية بين الطرفين، او تصريحات علنية تنفي وجودها، او توجيهات إعلامية تظهر حالة معاكسة لتلك الأخبار، وتبرز عمق التعاون بينهما .
إلا أن ما حدث مؤخرا كشف حقيقة الخلافات بين السعودية والإمارات حيث جاءت خطوة السعودية في هذا السياق بتقديم شكوى ضد دولة الإمارات بشأن إعلان أبوظبي لمنطقة الياسات منطقة بحرية محمية.
واتهمت الرياض في خطاب موجه للأمم المتحدة أبوظبي بالتعدّي على حدود المملكة، عبر إصدار السلطات الإماراتية مرسوما أميريا عام 2019، يعلن الياسات “منطقة بحرية محمية”.
وأشارت الشكوى إلى أن السعودية لا تعترف بأي إجراءات أو ممارسات يتم اتخاذها، أو ما يترتب عليها من حكومة الإمارات في المنطقة قبالة الساحل السعودي “منطقة الياسات”، بما في ذلك البحر الإقليمي للمملكة ومنطقة السيادة المشتركة في جزيرتي مكاسب.
وطالبت الإمارات باستكمال تنفيذ المادة الخامسة من اتفاقية تعيّن الحدود البرية والبحرية المؤرخة بين البلدين في العام 1974.
وعدّت الرياض المذكرة رسمية، كما طالبت الأمم المتحدة بتعميمها على أعضاء الأمم المتحدة، وفق الإجراءات المتبعة.
لتنقل هذه الخطوة الحديث حول الصراع بين الدولتين من التكهنات والتقارير والتسريبات وحديث الصالونات إلى العلن بشكل واضح لا يمكن نفيه أو التخفيف من مستواه.
حيث كشفت وثيقة رسمية نشرها موقع الأمم المتحدة عن "رفض" السعودية لإعلان الإمارات أن "الياسات" منطقة بحرية محمية، معتبرة أن ذلك "يتعارض مع القانون الدولي".
وحسب وثيقة رسمية نشرها موقع الأمم المتحدة مؤرخة في الـ28 من آذار 2024، تقول رسالة من وزارة الخارجية السعودية موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة إنها "لا تعتد ولا تعترف بأي أثر قانوني" لإعلان الإمارات أن "الياسات" منطقة بحرية محمية وذلك حسب المرسوم الأميري رقم 4 الصادر عام 2019.
وقالت الخارجية السعودية، وفقا للمذكرة الأممية، إن المملكة "لا تعترف ... بأي إجراءات أو ممارسات يتم اتخاذها أو ما يترتب عليها من حكومة الإمارات في المنطقة البحرية قبالة الساحل السعودي".
وأضافت إن السعودية "تتمسك بكل حقوقها ومصالحها، وفقا لاتفاقية الحدود المبرمة بين البلدين في الـ21 من آب 1974 الملزمة للطرفين وفقا للقانون الدولي العام"، حسب المذكرة التي تعتبرها الحكومة السعودية "وثيقة رسمية" وطالب الأمم المتحدة بتعميمها.
ومن القضايا الأخرى التي تؤثر على العلاقات هو قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية بخفض إنتاج النفط العالمي، وتنتقد الإمارات القرار الذي يهدف إلى الحفاظ على ارتفاع الأسعار في السوق وجلب المزيد من الفوائد لروسيا، روسيا التي تعرضت للعقوبات في وقت كانت الإمارات ترغب بشدة في زيادة حجم صادرات النفط بالتحديد، لكنها لا تحصل على إذن فعلي للقيام بذلك.
ومن الأمور التي تشكل خلافا بين البلدين أيضا هي السودان حيث يمثل السودان أهمية كبيرة لكل من الإمارات والسعودية نظرا لموقعه الاستراتيجي المهم، فهو يطل على البحر الأحمر ويعتبر حلقة وصل بين الشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، فضلا عن غناه بالموارد الطبيعية مثل الذهب والفضة والزنك والحديد والنحاس والنفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى ثرواته الزراعية والحيوانية الكبيرة.
وعلى الصعيد السياسي أيضا، بدا التباين الأول في العلاقة واضحا، في منتصف عام 2019، عندما خرجت الإمارات على عجل من "النزاع الكارثي في اليمن"، بعدما لعبت مع السعودية الدور الأبرز في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة في هذا البلد ضد حركة أنصار الله وجدت الرياض نفسها غارقة في مستنقع لا تزال تكافح للخروج منه بأقل الأضرار وفقا لوكالة فرانس برس.
وتتنافس الرياض مع أبوظبي على "المكانة العالمية"، حيث تنشطان في استضافة حدث سنوي بشكل منفصل لاستضافة شخصيات بارزة في عالم السياسة والاقتصاد، وبعد أن نظمت الإمارات معرض إكسبو في 2020، حصلت الرياض على حقوق استضافة إكسبو 2030، ناهيك عن مساع من كلاهما لإعادة "تشكيل صورتهما الدولية، وتعزيز الصورة الإيجابية عنهما".
يذكر أن السعودية رفضت الاعتراف بدولة الإمارات حتى تمت تسوية النزاع وغيره من القضايا الحدودية العالقة في نهاية المطاف عام 1974، حسب ورقة بحثية نشرها عام 2020 موقع "تشاتام هاوس"، وهو مركز أبحاث يتخذ من العاصمة البريطانية، لندن، مقرا له.
كثيرا ما يسعى المسؤولون السعوديون والإماراتيون إلى التقليل من شأن ما يقال عن وجود خلافات بين بلديهما، وإلى الإشارة إلى أن التنافس بين الجارتين الخليجيتين أمر عادي وليس بجديد ولا يؤثر على العلاقات القوية بينهما.
لكن ما يثير مخاوف البعض هو أن يؤدي هذا التنافس إلى عرقلة تحقيق السلام والاستقرار في دول في المنطقة هي في أمس الحاجة إلى السلام والاستقرار.
ارسال التعليق