دور ال سعود في إقامة دولة اليهود
نشر مركز الجزيرة للدراسات والتوثيق بالتعاون مع مركز الحرمين للإعلام الإسلامي كتابا يحمل عنوان دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة (الإسرائيلية).
وبناء على ما تقدم، سيتم نشر الكتاب على حلقات فصول الكتاب، في مبادرة منها لوصول محتوى الكتاب إلى أكبر فئة من القرّاء المهتمين بتاريخ التطبيع بين آل سعود والكيان الصهيوني.
الكتاب مكوّن من مقدمة وإحدى عشر فصلاً.
عناوين الفصول: الوطن العربي في عيون الغرب، ظهور الأسر العربية، قناة السويس البوابة السرية لأفريقيا، اليهود من التيه إلى أرض الميعاد، أول تدخل غربي لتنفيذ وعد بلفور، الثورة العربية، الدور الخفي لآل سعود، شهادات تاريخية بالصور والوثائق.
في الحلقة الأولى، تم نشر مقدمة الكتاب، على أن يتم نشر فصوله تباعا.
وجاء في المقدمة:
المساهمة في أي جريمة تعنى القيام بدور في تنفيذها، والمساهم يُسأل عن الجريمة بصفته فاعلاً أصيلاً فيها، والمساهمة تفترض سبق وجود اتفاق، قوامه اتحاد الإرادات بين الذين قاموا بأدوار في تنفيذها سواء كانت أدواراً رئيسية أو ثانوية.
فالفاعل في الجريمة ليس هو المنفذ فقط بل كل من يقف على مسرحها ليؤدى دوراً طبقا للخطة المرسومة فهو فاعل أصيل فيها.
وقيام إسرائيل جريمة مسرحها كان أرض فلسطين، ووقف على ذلك المسرح العديد من الدول والأسر والشخصيات، ومن بين هذه الأسر أسرة آل سعود التي ساهمت في قيام إسرائيل، وإن كان دورها قد بدا غير مباشر إلا أنه انتهى من حالة السرية إلى حالة العلانية، وتضمنت المرحلة السرية قيام اسرة آل سعود بدور الأداة في يد بريطانيا للقضاء على الثورة العربية وجيوش الشريف حسين، وقد انتقلت الأسرة من مرحلة السرية إلى مرحلة العلانية وذلك بتحويل منابر الأماكن المقدسة إلى إذاعة للدعوة إلى بريطانيا وتبرير تواجد جيوشها في البلاد الإسلامية، بالإضافة إلى إجهاض أي محاولة للقضاء على إسرائيل والتي بدأت مراحل الشروع في زراعتها منذ أواخر القرن التاسع عشر داخل أروقة القصر الملكي ببريطانيا، وتحديداً منذ أن لفت الوطن العربي وموقعه المتميز والاستراتيجي نظر العسكريين الإنجليز إلى خطورة البقعة على مستعمراتها وإمكانية اتخاذها قاعدة للانقضاض على المستعمرة البريطانية في الهند عقب انتهاء حرب السنوات السبع بين بريطانيا وفرنسا واستيلاء الإنجليز على كامل التركة الفرنسية وتحرك نابليون إلى الشرق قاصدا مصر واحتلالها. وقتها اكتشف الساسة الإنجليز مدى خطورة هذا الموقع إذا ما وقع تحت يد الفرنسيين ولجأت بريطانيا إلى تأمين جميع المنافذ المؤدية إلى مستعمراتها في الهند.
ولم تكد تنتهى من فرنسا وطردها من مصر والقضاء على قوة محمد على وتحجيمها، إلا واستيقظت بريطانيا على نبأ تمرد المستعمرة الأمريكية عندما فرضت بريطانيا قانون الضرائب على المستعمرات الأمريكية لتعويض خسائرها في الحروب. وقد تطور الأمر ليصل إلى حد الثورة وإعلان الاستقلال لإنشاء دولة جديدة بعيدة عن العالم القديم بكل مشاكله، وقد تزامن ذلك مع قيام الثورة الصناعية وحدوث نوع من الدارونية الاجتماعية وحراك اجتماعي صاعد بين طبقات المجتمع الإنجليزي، وأصبح الصعود والترقي في المجتمع طريقه سهل بعد أن أصبح الانتقال للعمل في إحدى المستعمرات وسيلة لتحقيق الطموح وتحول العديد من المواطنين للعمل الصناعي وترك الزراعة، الأمر الذي ساعد على وجود طبقة برجوازية جديدة استخدمت الطبقات الدنيا في صراعها مع الإقطاع وأصبح رأس المال الجديد يضغط على القصر الملكي للبحث عن سوق جديدة لتصريف الإنتاج الصناعي بعد أن تراكم المخزون عقب غلق المستعمرة الأمريكية.
فكان لابد من البحث عن سوق جديدة وأرض جديدة لاستيعاب الطموح الإنجليزي فكانت أفريقيا هي الوسيلة الجديدة لتخفيف الضغط على القصر الإنجليزي، بعد أن ظلت مهملة ولم تكن تمثل أدنى اهتمام للإنجليز سوى کونها محطات تموين للسفن الإنجليزية بالإضافة إلى مناخها الذي لا يتلاءم مع الطبيعة الأوربية، وطبيعتها المغلقة ووجود منفذ وحيد لها عبارة عن بوابة سرية لابد من التحكم فيها والسيطرة علیها لإمكان احتلال أفريقيا، تلك البوابة هي شبه جزيرة سيناء وتحديدا منذ قناة السويس، لذا كان لابد للإنجليز من احتلال مصر لإمكان التحكم في البوابة السرية لأفريقيا، ولكن احتلال مصر ليس بالأمر الهين فهي دولة لها جیشها وأسطولها وسبق أن هددت الخلافة العثمانية ذاتها، لكن هذا الأمر يهون أمام الخروج من المأزق الموجود داخل بريطانيا وضغط رأس المال ولكن المغامرة باحتلال مصر للقفز على أفريقيا يتطلب هذه المرة تأمینها، خوفا نم أن تواجه نفس مصير المستعمرة الأمريكية، وقد لاحت في الأفق إشارات تبرر لها احتلال مصر أهمها أزمة الديون التي نشأت نتيجة حفلة افتتاح قناة السويس وانخفاض أسعار القطن. وقتها تخلى الإنجليز عن مبدئهم الذي كان يقتضي عدم التدخل لحماية أي مستثمر أراد الاستثمار خارج بريطانيا.
واتخذت بريطانيا من مطالبة الرعايا الإنجليز مبرراً لاحتلال مصر بحجة حماية أموال رعاياها وتحصيلها، ولكن هذا الاحتلال كان يلزمه حماية من نوع خاص، حماية تأمن فيها بريطانيا ثورات المصريين لحماية البوابة السرية لأفريقيا، فكان لابد من زرع قاعدة بشرية تفصل العربي الأفريقي عن العربي الآسيوي بعد أن أكسبت الحروب الصليبية الغرب خبرة ودراية بجغرافيا الوطن العربي وأن أمن مصر يبدأ من الشام وتهديدها يبدأ من هناك أيضاً، ومن هنا كان الحل هو البحث عن أناس يقبلون القيام بدور الحاجز البشري وتزامن البحث الإنجليزي مع ثورة المسيحيين على اليهود ومطالبتهم بضرورة تخليص أوربا منهم بعد أن زادت ظاهرة الإحياء الديني وعدم نسيان المسيحيين أن اليهود هم قتلة المسيح، وجاء حادث مقتل القيصر في روسيا وحادث المدفعية في فرنسيا ليكون الشرارة الأولى لثورة المسيحيين على اليهود.
وقد أرادت بريطانيا أن تستغل ثورة المسيحيين وتظهر بمظهر مُخَلِّص أوربا من شرود اليهود وفي الوقت ذاته تظهر أمام اليهود بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان، ولكي تستفيد أيضاً من ثروات اليهود واستغلالهم ليقوموا بدور الحاجز البشري على جانبي قناة السويس والإقامة على أرض فلسطين لحماية البوابة السرية لأفريقيا.
وإذا كانت بريطانيا قد وجدت في اليهود من يقوم بدور الحاجز البشري إلا أن زراعة هذا الحاجز في وسط تكوين إسلامي عربي ضرب من ضروب المستحيل، فكافة الدول العربية ومنها مصر كانت خاضعة للخلافة العثمانية ومصر تحديدا دولة صعبة المنال واحتلالها ليس بالأمر الهين، فكان لابد من ظروف قاهرة تبرر إقدام بريطانيا على احتلال مصر.
وجاءت الفرصة مع افتتاح قناة السويس وأزمة الديون التي أصابت مصر وقتها، اتخذتها بريطانيا ذريعة لاحتلال مصر ولكن هذا الاحتلال إن كان سهَّل للإنجليز استعمار مصر إلا أنه لم يكن يُسَهَّل زرع الدولة اليهودية على أرض فلسطين لفصل الشام عن مصر وحماية قناة السويس، فكان الحل هو القضاء على الخلافة الإسلامية أولاً تحت دعاوى يقبلها المسلمون في بقاع الأرض خوفا من أن يعلن الخليفة العثماني الجهاد فتهب كل الشعوب الإسلامية للاستجابة للنداء.
وقد ساعدت الظروف وأتاحت الفرصة أمام الإنجليز لبث بذور الخلاف بين العرب المسلمين والخلافة الإسلامية أو هو بمعنى أدق استغلال شعار القومية العربية ضد شعار الخلافة الإسلامية. وقد استخدمته بريطانيا في الوقت المناسب عندما وصلت جمعية الاتحاد والترقى إلى الحكم في تركيا وبدأت في تتريك المستعمرات العثمانية وحلت اللغة التركية محل اللغة العربية وقد خشي العرب من ضياع لغتهم ودينهم.
وقتها بدأت بريطانيا في تأجيج مشاعر الثورة والتمرد لدى الشريف حسين باعتباره رجلاً من نسل الرسول وإعلانه الثورة والتمرد أثناء الحرب العالمية الأولى سوف يساعد بريطانيا في إجبار الجيوش التركية في الإبقاء على قواتها داخل مستعمراتها حتّى تمهد الطريق أمام بريطانيا لإعادة صياغة العالم وفق أهدافها، وبالفعل استطاعت بريطانيا تنفيذ مخططها والقضاء على الخلافة الإسلامية وأصبح الأمر سهلاً في الشروع في إقامة الدولة اليهودية.
وإذا كانت بريطانيا قد استخدمت شعار القومية العربية ضد الخلافة الإسلامية، إلا أنها عادت واستخدمت شعار الخلافة الإسلامية ضد القومية العربية عندما رفض الشريف حسين تنفيذ مطالبها في إقامة دولة اليهود على أرض فلسطين، فكان الحل هو القضاء عليه.
ولكن مثل هذا القضاء لابد أن تكون بريطانيا بعيدة عنه كل البعد لأسباب عديدة، لعل أهمها أن الرجل يدعي من نسل الرسول (ص). ولا تجرؤ بريطانيا على المساس به بالإضافة إلى اشتعال الثورات في العديد من المستعمرات البريطانية، فكان الحل هو خلق صراع عربي خالص تظهر فيه بريطانيا وكأنها بعيدة عنه. ووجدت بريطانيا ضالتها المنشودة في أسرة آل سعود التي كانت تبحث عن دور في الجزيرة العربية أياً كان المقابل الذي تقدمه.
وبالفعل استطاعت بريطانيا أن تجعل من آل سعود دمية في يدها يؤمرون فينفذون وتطور دورها إلى جعلهم يلعبون دور بابا الإسلام فكانت بدايتهم هي القضاء على قوات الشريف حسين باعتباره القوة العربية الوحيدة المؤهلة للحرب والمتحدثة باسم العرب، ومع مرور الأيام حولوا الأماكن المقدسة إلى إذاعة للدعوة إلى بريطانيا وعندما أيقن أهل فلسطين أن عدوهم الحقيقي هو الإنجليز وثاروا عليهم ثورتهم المشهورة في عام 1936.
وبدأت بريطانيا تعيد حساباتها وفكرت في التخلص من مساندة اليهود وتركهم يواجهون مصير الموت نتيجة الضغوط التي هددت مستعمراتها في الهند وأفريقيا.
تدخل عبد العزيز آل سعود ليلعب أخطر دور في التاريخ الحديث وخداع أهل فلسطين من فوق منبر الحرمين، ووجه نداء باعتباره بابا للإسلام وكان فحواه أن أهل فلسطين عليهم أني يصدقوه أنه في حالة إيقاف ثورتهم سوف يساعده ذلك على إلزام بريطانيا بالتخلي عن اليهود وطردهم من الأراضي العربية.
وقد تعهد بتنفيذ كافة المطالب الفلسطينية ومنها طرد اليهود، وعندما استجاب الفلسطينيون للنداء كان رد الفعل البريطاني أنها لم تطلب من أحد التدخل وأن آل سعود تدخلوا طواعية ولم ينته الدور السعودي عند هذا الحد، فعندما قامت الحرب العالمية الثانية وكان هتلر على الأبواب حول آل سعود الأراضي الحجازية إلى محطات تموين لقوات الحلفاء بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية للقوات، وعندما انتهت الحرب وتخلت بريطانيا عن دور الحاكم الأوحد للعالم غيَّر آل سعود قبلتهم إلى ناحية أمريكا ليلعبوا نفس الدور حتّى إعلان قيام دولة اليهود.
ارسال التعليق