سياسات واشنطن تدفع "إسرائيل" باتجاه الحلفاء السنّة
اعتبرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية في تقرير لها أن "إيران ليست الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تختلفان حولها. كما أن المسؤولين الإسرائيليين وكبار المشرعين الديمقراطيين على خلاف بشأن علاقات البيت الأبيض التي لا تزال فاترة مع السعودية".
فمنذ تولي جو بايدن السلطة في يناير/كانون الثاني 2021، لم تف إدارته بوعود الحملة الانتخابية في جعل "السعودية" منبوذة عالميا. ومع ذلك، تدهورت العلاقات الأمريكية "السعودية" في ذلك الوقت " خاصة في أعقاب تقرير الإدارة الاستخباراتي الصادر في فبراير/شباط 2021 والذي انتقد محمد بن سلمان على خلفية عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية "السعودية" في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وبحسب الصحيفة، تجد إدارة بايدن علاقتها مع الرياض أمام نقطة تحوّل بسبب محادثات الاتفاق النووي الإيراني الجارية والغزو الروسي لأوكرانيا. والأمر الأكثر إلحاحا، وفقا للصحيفة، يتمثل في طلب الأميركيين من "السعودية" زيادة إنتاج النفط بشكل كبير لقمع ارتفاع الأسعار وسط العقوبات الروسية والتضخم المحلي.
وتشير الصحيفة في تقريرها إلى رفض "السعودية" تلبية رغبات واشنطن يعود إلى اتفاقها الحالي مع أوبك وحلفاء آخرين. وتضيف بأن التقارير التي أفادت برفض محمد بن سلمان التحدث مع جو بايدن الشهر الماضي ساهمت في تعقيد الأمور. وعلى الرغم من دحض البيت الأبيض لما ورد، فإن الوضع الحالي للشؤون الأمريكية "السعودية" يشي بالتوتر ربطا بموقف "المملكة" من الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات العالمية المفروضة على روسيا.
ونقلت الصحيفة عن مصادر بأن حالة من القلق تسود المسؤولين الصهاينة بعد تعثر التقارب الأمريكي السعودي مما يؤدي إلى فك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وخلق فراغ في السلطة لإيران لملئه. كما يشعر آخرون بالقلق من أن "السعودية" قد تنحو باتجاه التحالف الاستراتيجي مع الصين وروسيا.
وتؤكد "هآرتس" أن النظام السعودي يتبادل وإسرائيل بشكل علني المعلومات الاستخباراتية حول إيران، ومن شأن إعادة الاصطفاف "السعودي" المحتمل أن يضع "إسرائيل" في موقف ضعيف مع حلفائها الاستراتيجيين من القوى العظمى.
الأهمية الإقليمية:
وتستشهد الصحيفة بما كان قد عبّر عنه السفير "الإسرائيلي" لدى الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ عن مخاوف "إسرائيل"، مشددا على ضرورة قيام الولايات المتحدة بتحسين علاقاتها مع "السعوديين" من أجل الأمن الإقليمي " خاصة في مواجهة عودة الولايات المتحدة المحتملة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
حيث قال في حفل إفطار نظمه موقع "المونيتور""أتفهم مخاوف الولايات المتحدة، لكنني أعتقد أن السعودية لاعب مهم للغاية في منطقتنا من العالم والعالم الإسلامي ككل. ومن المهم، في رأيي – إلى أقصى حد ممكن – إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية".
وتابع هرتسوغ: "بالتأكيد إذا كنت ستبرم صفقة مع إيران، أعتقد أنه من المهم للغاية بالنسبة لمنطقتنا من العالم أن يتم ذلك"، مضيفا أنه "من الناحية الاستراتيجية " وأنا لا أتجاهل كل الصعوبات " أعتقد أن تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية مهم جدا لمنطقتنا".
وأضاف "هناك عامل آخر في دعم إسرائيل للمصالحة، وهو أمل أن توقع السعودية رسميا على اتفاقات إبراهام، وتنضم إلى الدول الموقعة السابقة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
"تواصل إسرائيل السعي إلى تطبيع العلاقات في جميع أنحاء المنطقة " والسعودية هي جوهرة التاج"، بحسب ما تنقل الصحيفة عن كارميل أربيت، "الزميلة" غير المقيمة في المجلس الأطلسي.
وأكدت على أن " اتفاقيات السلام لن تكون ممكنة بدون السعودية والولايات المتحدة" وأن "إسرائيل لا تمانع من لعب دور الوسيط بين الجهات الراغبة في تحسين العلاقات مع واشنطن"، في غمز واضح من قناة طهران. واعتبرت أن " خطة العمل الشاملة المشتركة [الاتفاق النووي] ستشجع إيران ووكلائها على المضي في مشروعها وتدفع إسرائيل مرة أخرى للتقرب من حلفائها المسلمين السنة " الذين يشاركونهم المخاوف".
سياسة العصا والجزرة:
وبحسب الصحيفة، تتناقض مناشدات هرتسوغ تناقضا صارخا مع رسالة بعث بها 32 من كبار الديمقراطيين في مجلس النواب إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اليوم السابق لتصريحات السفير. حيث أخبر المشرعون " الذين ينتمون إلى الطيف الأيديولوجي للحزب " الإدارة أن "إعادة معايرة الشراكة الأميركية السعودية طال انتظارها".
وقولهم "إن دعمنا المستمر للنظام الملكي السعودي، الذي يقمع مواطنيه بشكل منهجي وبلا رحمة، ويستهدف المنتقدين في جميع أنحاء العالم، ويشن حربا وحشية في اليمن، ويعزز الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويتعارض مع المصالح الوطنية الأمريكية ويضر بمصداقية الولايات المتحدة في التمسك بقيمنا ".
وأضافوا: "يمكن للولايات المتحدة أن تواصل دعمها الواسع النطاق لشريك استبدادي، أو يمكننا الدفاع عن حقوق الإنسان وإعادة التوازن إلى علاقتنا لتعكس قيمنا ومصالحنا". "إن الطريقة التي نمضي بها قدما سترسل رسالة قوية إلى الديمقراطيات والناشطين الذين يناضلون من أجل الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان وستلعب دورا مهما في كفاحنا ضد الاستبداد في جميع أنحاء العالم".
هذا ويتفق الخبراء من كلا جانبي الطيف السياسي على أن تعليقات هرتسوغ ورسالة الديمقراطيين تتعارض مع بعضها البعض. وتقول نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للمساءلة تريتا بارسي إن هذا الانقسام يعكس التباعد الأوسع بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن المسائل الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
"إن أولوية إسرائيل هي الحفاظ على مشاركة الجيش الأمريكي ووجوده في الشرق الأوسط " وهي مصلحة تتقاسمها مع السعودية والإمارات العربية المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإنها تسعى إلى إقناع السعودية بالانضمام إلى اتفاقات إبراهيم"، بحسب الصحيفة.
وتضيف بارسي: "إن القدرة على تقديم خط أكثر ليونة تجاه السعودية في واشنطن هي واحدة من العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام [ولي عهد محمد] من أجل الحصول على موافقة من الرياض على اتفاقيات أبراهام". وشددت على أن "الولايات المتحدة لا تستفيد إلا قليلا من السعودية التي تواصل التصرف بتهور في المنطقة، وتسخر من سياسة الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان، وتولي اهتماما أكبر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من بايدن".
وفي الوقت نفسه، يعتقد نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جوناثان شانزر أن رسالة الكونغرس تعكس خطا حزبيا من التفكير الرائج حاليا بين الديمقراطيين. ويقول: "إنه أمر غير مفيد على الإطلاق في الوقت الذي تنشب الحرب في أوكرانيا، وتحتاج فيها الولايات المتحدة بشدة إلى شركاء في مجال الطاقة، ناهيك عن الحلفاء".
على النقيض من ذلك، يعكس موقف هرتسوغ فهما دقيقا بأنه" على الرغم من عيوبهم، يمكن للسعوديين أن يكونوا أصدقاء مهمين " خاصة في ضوء الاضطرابات العالمية الأخيرة". ويشير إلى أن "الصفقة الإيرانية التي تلوح في الأفق، والتي يواصل البيت الأبيض في عهد بايدن متابعتها بأي ثمن، تستمر في دفع إسرائيل إلى أحضان السعوديين"، على ما تنقله "هآرتس".
ارسال التعليق