صفقة القرن بين الموقف السعودي الباهت وإبرة التخدير الأمريكية
بقلم: حيدر مصطفىصدرَ القرارُ الأمريكي بتأجيلِ إقرارِ صفقة القرن ممهورة بتوقيع عددٍ من الدول العربية على رأسها السعودية، وللتأجيلِ أسبابه التي تقولُ المصادر الإسرائيلية والأمريكية إنها فرضت نفسها على سلمِ أولوياتِ إدارة البيت الأبيض وكذلك أولويات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.
جملةُ الأسباب تلك مقترنة بجملةٍ من المتغيرات، أبرزها نجاحُ الضغط الشعبي الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة بفرضِ معادلاتٍ جديدة على الأرض، أجبرت الحكومة على القبول بوساطةٍ أممية مصرية لوضعِ حدٍ للمشهد المتأزم في القطاع بعدما أصابَ الأرق الأوساطُ الإسرائيلية من الطائرات والبالونات الحارقة، التي لم تتمكن حكومةُ نتنياهو من وضعٍ حد لها رغم الاستهداف المتكرر للقطاع وجموع المشاركين في مسيراتِ العودة والذي راح ضحيته أكثر من 190 شخص إضافة إلى أكثر من 15 ألف جريح.
ذريعةُ التأجيل الرئيسية التي روجت لها وسائلُ الإعلام الإسرائيلية، ارتباطهُ بحساباتِ الانتخابات المبكرة التي قد تحصلُ داخل الكيان إضافةً إلى مسألةِ انتخاباتِ التجديد النصفية في الكونغرس الأمريكي، إضافة إلى الخشية من تأثيرِ تمرير الصفقة على الداخل الإسرائيلي بشكل سلبيٍ على نتنياهو.
ومن جملة الأسباب التي روجتها تلك الوسائل، تم تمريرُ معلومةٍ هامشية مفادها أن طلباً مصرياً سعودياً رفع إلى البيت الأبيض لتأجيلها، خشيةً من الموقف الشعبي المتأزم في المنطقة العربية والرافض لتمرير الصفقة.
اللافت أن الإعلان عن التأجيل جاء بعد أيامٍ قليلة من مواقفَ نسبت للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أكد فيها رفضُ السعودية لصفقة القرن، ووصفت مواقفه بالصفعةِ للاستراتيجية الأمريكية، وهو ما يبدو مستبعداً في ظلِ التقارب الكبير والشراكة التي تجمع واشنطن بالرياض، وهو رفضٌ فيما لو حصل فعلياً لما كان الردُ الأمريكي عليه متهاوناً، فما من عادة السياسة السعودية أن تخرجَ عن الأطر الأمريكية، فكيف للملك سلمان أن يتجاوزَ الرغبة الأمريكية في هذا التوقيت الحساس وبعد كل الجهود التي بُذلت لتمريرِ الصفقة وإقناع الأطراف العربية والدولية المعنية فيها؟
سؤالٌ يطرح، بعد الاستثمارِ الإعلامي الذي صوّرت فيه السعودية على أنها الحاضنةُ الأم للقضية الفلسطينية والتي لن تتخلى عنها، وهو ما تفندهُ بطبيعة الحال خطواتُ التطبيع التي جرت علناً في الأشهر الماضية وما سُربَ عن لسانِ ولي العهد محمد بن سلمان والمتحكم بزمام الأمور في السعودية خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأكد فيه على أن الفلسطينيين أمام خيارٍ وحيد ألا وهو القبولُ بالتسوية بشكلها المطروح حالياً وعدمُ رفعِ سقف المطالب.
وامام جملةِ المعطيات هذه يمكن طرح المزيد من التساؤلات، هل جاء التبريرُ الأمريكي للتأجيل مقترناً بالحسابات الخاطئة للتوقيت، وهو المرجح؟ وجاء الموقف السعودي للاستثمار الإعلامي ليس إلا! أم أن لقاءَ هلسنكي بين ترامب ونظيره الروسي منتصف الشهر الماضي والذي أعاد رسم مسار جملةٍ من الملفات في المنطقة، كان له تأثيرهُ على جدولِ الأولويات الأمريكي.
أسئلةٌ تثير الشكوك لكنها تبقى بلا أجوب شافية، ويبقى المنتظر الكشفُ عن معطياتِ الحل الذي ستتوصلُ إليه الوساطةُ الأممية والمصرية لوضع حدٍ للموقف المتأزم في غزة، وفيما إذا كان الحصار على القطاع سينتهي فعلياً، إضافةً إلى نتائج عملِ الرباعية الدولية التي تحركت مؤخراً لإيجاد حلولٍ لبعض التباينات أيضاً في الداخل الفلسطيني.
ورغم ذلك يبقى الموقف السعودي باهتاً وفاقداً للفاعلية إذا لم تتمكن الدول العربية وعلى رأسها السعودية من إعادةِ القضية الفلسطينية إلى مسارها، وهو أمرٌ مستبعد بالنظر إلى جملة المصالح والارتباطات التي تتحكم من خلالها إسرائيل والولايات المتحدة بتلك الدول، ويبقى التأجيل الأمريكي كإبرةِ التخدير الموضعي .. التي ستنهتي فاعليتها بعد مدةٍ قد تطولُ أو تقصر، وعندها سيعودُ مستشارو ترامب إلى المنطقة العربية لترتيبِ الأوراق من جديد وفرض المزيدِ من الشروط والقيود، ربما مع ذوبانِ جليد الشتاء القادم.. فلا مؤشراتٌ توحي بوجود رغبةٍ دوليةٍ حقيقةٍ لإنهاءِ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ارسال التعليق