طريق ابن سلمان نحو الحصانة شائك: ما الجديد
بقلم: منصور العلي...
مع اقتراب الموعد النهائي الجديد في 17 نوفمبر الجاري لتتخذ الأإدارة الأميركية قرارها النهائي بشأن منح محمد بن سلمان الحصانة الدولية بصفته رئيس السلطة التنفيذية العليا في النظام السعودي، عاد الحديث من جديد عمّا إذا كان الرجل يستحق الحصانة، أم أنه لجأ إلى تعيين نفسه رئيساً للوزراء هرباً من الملاحقات القانونية بالدعاوى المرفوعة في حقه في الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً الدعوى المتعلقة باتهامه بقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقالت السعودية إن الأمر الملكي بتعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في منصب رئيس مجلس الوزراء، في أواخر سبتمبر الماضي، منحه التمتع بكافة صلاحيات رئيس الحكومة المساوية لصلاحيات الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبالتالي فهو مستحق منحه حصانة دولية أمام المحاكم الأميركية وغيرها.
جاء ذلك في إفادة قدمها رئيس ما يسمى مجلس الخبراء بالنظام السعودية محمد سليمان العجاجي، لمحكمة أميركية، والتي تنظر قضايا ضد ولي العهد، بما فيها قضية قدمتها خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، تتهم فيها بن سلمان باغتياله البشع داخل قنصلية المملكة في إسطنبول التركية، في أكتوبر 2018.
وشدد العجاجي على أن ترؤس الملك جلسات مجلس الوزراء اثناء حضوره لها تأتي بسبب ترتيبه في الحكم ولا يعني أنها تحرم ولي العهد السعودي من صلاحيات رئيس الحكومة. وأكد أن صلاحيات بن سلمان في مجلس الوزراء محكومة بقانون خاص بها وليست محكومة بالقانون الأساسي. وقال المسؤول السعودي للمحكمة إن “محمد بن سلمان يمارس السلطة التنفيذية بصفته رئيس السلطة التنفيذية العليا فيها بما في ذلك سلطة إصدار الأوامر العليا للوزراء و رؤساء الوكالات ولا تتطلب موافقة الملك”.
وفي أوائل أكتوبر الماضي، اعتبر محامون يمثلون بن سلمان، في مذكرة نقلتها وكالة “فرانس برس”، أن تعيينه رئيسًا للوزراء يؤهله للحصانة من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأميركية. واعتبر المحاومون أن المرسوم الملكي الصادر “لا يترك مجالًا للشك في أن ولي العهد يستحق حصانة”. وكان قاض قد أعطى المحامين الأميركيين مهلة حتى 3 أكتوبر الماضي لتقديم “بيان بالمصالح” بشأن هذه القضية.
لكن بعد تولي ولي العهد المنصب الجديد، طلبت الإدارة 45 يوماً إضافياً لاتخاذ قرار. والموعد النهائي الجديد هو 17 نوفمبر الجاري. وتتجاوز المساءلات القانونية للأمير بن سلمان في المحاكم الأميركية قضية خاشقجي. فقد ورد اسمه أيضًا في دعوى رفعها سعد الجبري، وهو مسؤول سابق رفيع المستوى في جهاز الاستخبارات فقد سلطته عندما كان بن سلمان يعمل على أن يتولى منصب ولي العهد في عام 2017.
وتتهم الشكوى بن سلمان بمحاولة إغراء الجبري بالعودة إلى المملكة من المنفى في كندا، ثم عندما لم ينجح ذلك “نشر فرقة اغتيال” لقتله على الأراضي الكندية، وهي عملية تم إحباطها بعدما رُفض دخول بعض عناصر الفرقة إلى كندا. وفي 27 سبتمبر الماضي، أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز، أوامر ملكية بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، تضمن أبرزها تعيين ولي العهد رئيسا للوزراء بعدما كان هذا المنصب من صلاحيات الملك، بموجب المادة 56 من النظام الأساسي للحكم.
وتقول المادة السادسة والخمسين من نظام الحكم الأساسي للنظام السعودي، إن “الملك هو رئيس مجلس الوزراء، ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء، وذلك وفقا لأحكام هذا النظام وغيره من الأنظمة، ويبين نظام مجلس الوزراء صلاحيات المجلس فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية، وتنظيم الأجهزة الحكومية، والتنسيق بينها، كما يبين الشروط اللازم توافرها في الوزراء، وصلاحياتهم، وأسلوب مساءلتهم، وكافة شئونهم، ويعدل نظام مجلس الوزراء واختصاصاته، وفقا لهذا النظام”.
إلتماس سعودي الشهر الماضي، قدّم محامو ابن سلمان إلتماساً إلى المحكمة الفدرالية الأميركية بواشنطن يطلب إسقاط الدعوى، مستشهدين بقضايا أخرى أقرت فيها الولايات المتحدة بحصانة زعماء دول أجنبية “المرسوم الملكي لا يترك مجالاً للشك في أن ولي العهد تحق له الحصانة بناء على منصبه”.
ورغم وعوده خلال حملته الانتخابية بجعل المملكة دولة “منبذوة” على خلفية مقتل جمال خاشقجي، التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن الأمير بن سلمان خلال زيارته للسعودية في يوليو الماضي والتي ركزت على مناقشة قضايا الطاقة والأمن. في الأساس، جاء تعيين محمد بن سلمان رئيساً للوزراء، لحمايته مع اقتراب موعد نظر القضاء الأميركي بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
وقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية، إن الدور الجديد لابن سلمان “من المرجح أن يمنح الأمير حصانة سيادية” بمواجهة التحديات القانونية أثناء سفره إلى خارج المملكة. وأوضحت الصحيفة أنه “من غير المرجح أن يغير هذا التطور ميزان القوى في “السعودية”، حيث يُنظر بالفعل إلى الأمير البالغ من العمر 37 عاماً على أنه الحاكم الفعلي للمملكة، ووريث العرش”.
لكن الكثير من الخبراء رأوا أن توقيت القرار مرتبط بشكل شبه مؤكد بالموعد النهائي الذي كان يلوح في الأفق بأمر من المحكمة في الولايات المتحدة الأميركية وتأجل إلى السابع عشر من الشهر الجاي.
اعتراض حقوقي
وتعليقاً على جهود ابن سلمان الحصول على الحصانة، قالت أغنيس كالامار، رئيسة منظمة العفو الدولية، التي حققت في مقتل خاشقجي عندما كانت مقررة خاصة للأمم المتحدة بشأن عمليات القتل خارج نطاق القانون، إن من “المضحك” أن الأمير محمد بن سلمان، الذي وصفته بـ”شبه السيادي”، يمكن أن يستفيد من حصانة رئيس الدولة بعد أن خلصت الولايات المتحدة نفسها علناً إلى أنه على الأرجح وافق على عملية قتل خاشقجي. وأشارت إلى أن الأمير محمد ليس ملكاً، وأضافت: “محمد بن سلمان ليس حاكماً للمملكة العربية السعودية ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تعترف به رئيساً للدولة. القيام بذلك سيمنحه سلطة وشرعية لا يستحقها بالتأكيد ونأمل ألا يحصل عليها أبداً”.
بدوره، قال عبد الله العودة، مدير الأبحاث في منظمة “داون” Dawn ، وهي منظمة غير ربحية تروّج الديمقراطية في الشرق الأوسط أسسها خاشقجي وهي أحد المدعين المشاركين في القضية ضد ولي العهد، إنه “سيكون من غير المعقول وغير المسبوق أن تقوم الإدارة الأميركية بحمايته ابن سلمان”. صورة ابن سلمان البشعة وعلى الرغم من كل الإجراءات التي يتخذها ابن سلمان في سبيل تبييض صورته تمهيداً لاعتلائه العرض، إلا أن الصورة البشعة للرجل والنظام السعودي من خلفه لا تزال ماثلة في أذهان الجميع.
فقد قالت صحيفة “ذا تايمز”، تعلقياً على مساعي ابن سلمان الحصول على الحصانة، إنه على الرغم من أن بن سلمان ينفي تورطه في عملية اغتيال خاشقجي، إلا أنه لم يسافر إلى أميركا منذ اغتياله في اسطنبول. وتضيف الصحيفة أنه على الرغم من أن محمد بن سلمان يُنسب إليه الفضل على نطاق واسع في مجموعة من الإصلاحات مثل السماح للمرأة بالقيادة منذ أن أصبح الحاكم الفعلي في عام 2017 وقيادة بعض أكثر مشاريع التنمية طموحًا في البلاد حيث أنها تنوع اقتصادها بعيدًا عن النفط، إلا أن المملكة لا تزال في مكانها. طليعة انتهاكات حقوق الإنسان.
حيث احتجزت المملكة مئات المنافسين والمنتقدين والناشطين، بينما كانت تشن حملة عسكرية طويلة في اليمن منذ عام 2015. وفي وقت سابق من هذا العام، أُعدم 81 رجلاً في يوم واحد، يُعتقد أن العديد منهم من نشطاء حقوق الإنسان. وهذا يذكرنا بتقرير سري لوكالة المخابرات المركزية الأميركية كان قد صدر العام الماضي أشار إلى أنه لم يكن من الممكن أن يحدث ذلك دون علمه وموافقته. وفي هذا السياق، تقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” إنه منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة، “عانى المواطنون من أسوأ فترة قمع في تاريخهم الحديث. نفذت السلطات موجات من الاعتقالات استهدفت المعارضين السياسيين والمفكرين ونشطاء حقوق الإنسان”. مستشهدة بممارسات من بينها التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي المطول واستخدام تكنولوجيا المراقبة الرقمية لاستهداف المعارضين السلميين.
ارسال التعليق