عودة الإمارات من اليمن حصيلة مضرجة بالدماء والهزائم
على أعتاب الذكرى التاسعة لانتفاضة الشعب اليمني ضد نظام علي عبد الله صالح، والذكرى الخامسة للتدخل العسكري الذي قادته السعودية والإمارات في اليمن تحت مسمّى «عاصفة الحزم»، تبدو حصيلة هذا البلد ملأى بالآلام على أصعدة الموت والدمار والتجويع والأوبئة وانسداد آفاق الحلول السلمية والتقسيم المناطقي، وحافلة في المقابل بالكثير من المدّ والجزر الذي لم يغيّر الكثير على الصعيد الميداني في جبهات القتال بين الحوثيين من جهة، والتحالف السعودي ــ الإماراتي والميليشيات التابعة من جهة ثانية بذريعة اعادة عبدزربه منصور هادي للحكم.
ولم يكن مفاجئاً أن تعلن الإمارات، بلسان قائد العمليات المشتركة، عن «عودة» قواتها التي شاركت في الحرب على اليمن، بعد أن كانت قد زجت بأكثر من 15 ألف جندي إماراتي قاتلوا في مختلف مدن وبلدات وقرى اليمن، وبطلعات قصف جوي تجاوزت 130 ألف طلعة ونصف مليون ساعة طيران على أراضي العمليات، وأكثر من 50 قطعة بحرية حملت أكثر من 3000 بحار مقاتل. وأما الحصيلة، باعتراف الضابط الإماراتي ذي الرتبة الرفيعة ذاته، فهي «تجنيد وتدريب وتجهيز أكثر من 200 ألف جندي يمني»، خجل مع ذلك من توصيفهم بالاسم الحقيقي الذي باتت تُعرف به، أي قوات المجلس الانتقالي، أو الميليشيا المسلحة التي زرعتها أبو ظبي في قلب اليمن، والجنوب بصفة خاصة.
غياب المفاجأة مصدره أن الإمارات أعلنت في السابق عن خطوات مماثلة، لكنها واصلت في كل مرة الالتفاف على فكرة الانسحاب الفعلي الميداني، وتابعت في الآن ذاته دفع الميليشيات التابعة لها إلى التمدد المنهجي والتوسع التدريجي وقضم الأراضي، وصولاً إلى الانقلاب المباشر على الشرعية في عدن يوم 10 آب/ أغسطس الماضي، وبسط السيطرة على مؤسسات الدولة في المدينة واحتلال القصر الرئاسي. وبالأمس أيضاً، وقبل أن تنقضي ساعات قليلة على إعلان «عودة» القوات الإماراتية، عطلت كتائب المجلس الانتقالي ترجمة مخرجات اتفاق الرياض الذي وقعته مع الحكومة الشرعية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فمنعت قيام سرية دفاع ساحلية من الجيش اليمني ترافقها قوات سعودية من تنفيذ أحد بنود الاتفاق.
وليست هذه سوى الواقعة الأحدث المعبرة عن مأزق أبو ظبي المتفاقم في اليمن، فهي تعلن ما يشبه الانسحاب من المستنقع الذي جرّت نفسها إليه، وفي الآن ذاته تمارس تعطيل اتفاق رعته الرياض شريكتها في الحرب على اليمن، كما تتابع مفاوضاتها السرية أو العلنية مع إيران كي تتجنب ضربات الحوثي الصاروخية ضد ناقلاتها ومنشآتها وأبراجها، ولا تتعظ بأي درس من هذه النكسات المتعاقبة فتواصل الغرق أكثر فأكثر في مستنقع آخر في ليبيا. ومن المفارقات الصارخة أن قائد العمليات المشتركة الإماراتي يتفاخر اليوم بمحاربة الإخوان المسلمين في اليمن، متجاهلاً أن سيده ولي عهد أبو ظبي كان قد استقبل اثنين من كبار قادة الحركة الإخوانية في اليمن، رئيس حزب الإصلاح اليمني وأمينه العام، وذلك في خريف 2018، بعد أن كان قد شارك مع ولي عهد السعودية في الاجتماع بقيادات الحزب ذاته في الرياض، أواخر 2017.
اليمنيون من جانبهم يعرفون أن الأرقام العسكرية التي تباهى بها الضابط الإماراتي الرفيع، والتي تطمس الحصيلة الفعلية المضرجة بالدماء والهزائم، تقابلها أرقام أخرى عن آلاف القتلى وملايين المهجرين والجوعى والمرضى والمشردين.
ويشهد اليمن منذ 2014 حرباً مدمرة بين الحوثيين الشيعة من جهة، والتحالف السعودي ـ الإماراتي والميليشيات التابعة له، من جهة ثانية، بذريعة اعادة عبد زربه منصور هادي للحكم، حيث تسببت هذه الحرب بمقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين بحسب منظمات إنسانية ناهيك عن المجاعة والأمراض المزمنة التي خلفها الحصار الذي فرضه التحالف السعودي على الشعب اليمن الفقير.
ارسال التعليق