كيف اشترت الهند صمت السعودية بشأن كشمير
رفضت السعودية مرة أخرى طلب باكستان عقد اجتماع عاجل لمجلس وزراء الخارجية في "منظمة التعاون الإسلامي" بشأن كشمير.
ومنذ أغسطس/آب من العام الماضي، قطعت الهند الإنترنت عن إقليم كشمير المتنازع عليه بعد أن ألغت الوضع الخاص الذي منحته الأمم المتحدة للمنطقة. وحاولت إسلام آباد عقد اجتماع طارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لكنها لم تتمكن من ذلك.
وكونها أكبر دول مجلس التعاون الخليجي، تعد رغبة السعودية ضرورية لاتخاذ منظمة التعاون الإسلامي قرار عقد اجتماع خاص واتخاذ خطوة بشأن كشمير. لكن بدلا من ذلك، توصلت المملكة إلى العديد من الخيارات الأخرى، مثل عقد جلسة مشتركة لمناقشة قضيتي فلسطين وكشمير معا.
ومع ذلك، شعرت إسلام آباد أن عقد اجتماع منفصل حول كشمير سوف يؤدي إلى مزيد من التأثير.
وأثناء اجتماعهم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في واشنطن العام الماضي، اقترح قادة ماليزيا وتركيا على رئيس وزراء باكستان، "عمران خان"، عقد قمة إسلامية مصغرة في كوالالمبور من أجل تسليط الضوء على الأزمات الإسلامية مثل قضية كشمير.ولكن قبل انعقاد الحدث مباشرة، بدأت السعودية في انتقاد قمة كوالا لمبور، مدعية أن منظمة التعاون الإسلامي كانت أنسب منصة لمناقشة القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي.
وبعد إثناء "خان" عن حضور القمة في اللحظة الأخيرة، أرسلت الحكومة السعودية وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، إلى إسلام أباد لمناقشة دور أكبر لمنظمة التعاون الإسلامي في إثارة النقاش حول كشمير.
وبعد أن طمأنت "خان" إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول المنظمة لمناقشة قضية كشمير، بدا أن المملكة كانت جادة وأن الاجتماع سيتم عقده في وقت قريب.
ومع ذلك، فقد أجلت باكستان ذلك لفترة من الوقت.
ومنذ ذلك الحين، عادت الرياض إلى موقفها الأصلي. وفي 9 فبراير/شباط، جرى عقد اجتماع لكبار المسؤولين في منظمة التعاون الإسلامي في جدة، للتحضير لقمة مجلس وزراء الخارجية الـ47 القادم في النيجر، في أبريل/نيسان.
لكن لم ترد أي إشارة من الرياض إلى أن طلب باكستان عقد اجتماع فوري بشأن كشمير سيتم قبوله.
ومع ذلك، قبل يوم واحد فقط من اجتماع كبار المسؤولين في المنظمة، اتصل وزير الخارجية السعودي بنظيره في إسلام آباد ليؤكد من جديد أن قضية كشمير قد يتم تداولها بشكل ثنائي بعيدا عن منصة المنظمة. ويشير هذا إلى أنه لن يتم عقد اجتماع طارئ خاص حول كشمير قبل الاجتماع السنوي.
علاوة على ذلك، جاءت هذه المكالمة الهاتفية بعد أن ألقى رئيس الوزراء الباكستاني حديثا في مركز أبحاث في ماليزيا، عبر فيه عن شعوره بخيبة أمل إزاء تردد منظمة التعاون الإسلامي في موقفها بشأن مسألة كشمير، في إشارة إلى انعدام الوحدة بين الدول الإسلامية.
وصرح "خان" قائلا: "السبب هو أنه ليس لدينا صوت، وهناك انقسام تام بيننا. لا يمكننا أن نجتمع معا في اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي حول كشمير".
وتشكل منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر هيئة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم 57 دولة. وللأسف، كان من الممكن أن تلعب دورا أكثر جدوى في إبراز القضايا الإسلامية، خاصة وأن هناك العديد من الأزمات الإنسانية المستمرة مثل "الإيغور" و"الروهينغا" وكشمير وفلسطين.
وبعد إعداد تقرير عن الأزمة الإنسانية في كشمير، كانت اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي أكثر نشاطا، لكن من غير المرجح أن يحدث اجتماع خاص لأجل أزمة كشمير.
ورغم توقف السعودية لوقت قليل عن تجاهل الوضع في كشمير تماما، بعد أن ألغت الحكومة الهندية الوضع الخاص للإقليم، فقد ظلت المملكة بعيدة ومنفصلة عن القضية.
لكن ماذا قد يكون سبب عدم اهتمام السعوديين بمحنة المسلمين الكشميريين، هل تدفعهم استثماراتهم ومصالحهم التجارية في الهند إلى هذا الصمت؟
وبعد زيارته للهند مباشرة بعد رحلة عمل إلى باكستان العام الماضي، وسّع ولي العهد "محمد بن سلمان" التجارة غير النفطية مع نيودلهي، ووقع معها 5 اتفاقيات. كما تم إنشاء مجلس شراكة استراتيجي، وأعرب "بن سلمان" عن أمله في أن تتجاوز قيمة الفرص المستهدفة في الهند 100 مليار دولار خلال العامين المقبلين.
وجدير بالذكر أن الاتفاقيات التجارية المبرمة بين الرياض وإسلام آباد بلغت 20 مليار دولار فقط.
ووصف المبعوث السعودي إلى الهند "سعود بن محمد الساتي" الاستثمارات المقترحة بأنها "إشارة استراتيجية" بين الرياض ونيودلهي، حيث تعكس شراكة "أرامكو" السعودية المقترحة مع ريلاينس للصناعات المحدودة الطبيعة الاستراتيجية لعلاقات الطاقة المتنامية بين البلدين.
ومنذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تسير العلاقات السعودية الهندية في مسار تصاعدي؛ حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 28 مليار دولار، ويعيش 2.7 مليون هندي في المملكة.
وباستثمار 100 مليار دولار في الهند، في قطاعات البتروكيماويات والطاقة والتكرير والزراعة والمعادن والتعدين والبناء، تتطلع المملكة نحو تنمية استثماراتها بالإضافة إلى صادرات النفط.
وليس ذلك فحسب، فالتوسع في العلاقات التجارية مع الهند يعزز "رؤية 2030" السعودية، ويساعد في تنويع الاقتصاد السعودي الذي كان يعتمد بشكل كبير على المنتجات البترولية.
وفي الوقت نفسه، يعتمد أمن الطاقة في الهند على النفط السعودي، حيث تحصل نيودلهي على نحو 17% من احتياجاتها من النفط الخام، و32% من متطلبات غاز البترول المسال من المملكة.
وفي الآونة الأخيرة، كشف الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" "أمين ناصر" أن الاستثمار في الهند يعد أولوية للشركة، وأن هناك خطط لإقامة مصفاة كبيرة هناك، والتي تأخرت فقط بسبب بعض مشكلات الاستحواذ على الأراضي.
وقبل تعزيز الروابط التجارية مع نيودلهي، كانت الرياض تدعم عادة موقف باكستان من قضية كشمير. وحسب تقييم "خالد رحمن"، من معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد، فقد حدث تحول في لغة المملكة والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى في الأعوام الأخيرة.
وفيما يتعلق بباكستان، فإن حل قضية كشمير يعد هدفا مهما لسياستها الخارجية، ولا يزال هذا الاختلاف مع السعودية، أحد أقرب حلفائها، يمثل تحديا كبيرا.
حتى أنه في مارس/آذار 2019، تمت دعوة الهند لحضور جلسة منظمة التعاون الإسلامي كمراقب، وكانت هذه نكسة دبلوماسية كبيرة لباكستان، التي منعت إدراج الهند في المنظمة منذ عام 1969.
ارسال التعليق