انفتاح وانحلال
لجنة أولمبية تلغي اتفاقها مع السلطات السعودية
في خطوة وُصفت بأنها ضربة جديدة لطموحات "السعودية" في سعيها لاحتلال موقع عالمي في قطاع الرياضات الإلكترونية، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية إلغاء اتفاقها مع السعودية لاستضافة أول ألعاب أولمبية للرياضات الإلكترونية، التي كان من المقرر إقامتها في الرياض عام 2027 ضمن صفقة تمتد 12 عامًا. وجاء في بيان اللجنة أن القرار تم “بشكل متبادل”، لكن الجانبين قررا متابعة طموحاتهما في هذا المجال “بمسارات منفصلة”، ما يشير بوضوح إلى فشل الشراكة رغم محاولات التغطية على أسباب الإلغاء.
الاتفاق كان يفترض أن يُطلق هذا العام، غير أن تقارير سابقة تحدثت عن تأجيله بسبب عدم جاهزية "السعودية" لتنظيم حدث بهذا الحجم، ما زاد الشكوك حول قدرة النظام على تحويل طموحاته الضخمة في مجال الترفيه إلى واقع فعلي.
حاولت "السعودية" خلال العامين الماضيين ترسيخ نفسها كلاعب رئيسي في مجال الألعاب التنافسية، مستضيفة ما يسمى بـ“كأس العالم للرياضات الإلكترونية” ومستخدمة أموال صندوق الاستثمارات العامة لتمويل الفعاليات، في إطار ما تصفه الحكومة بـ"تنويع مصادر الدخل" بعيدًا عن النفط. لكن منتقدين يرون في هذه الاستثمارات استمرارًا لسياسة “الغسيل الرياضي” التي تهدف إلى تلميع صورة النظام وصرف الأنظار عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان والقوانين القمعية ضد المعارضين والمثليين.
ورغم إلغاء الاتفاق مع اللجنة الأولمبية الدولية، أعلنت الرياض عن نيتها إطلاق “بطولة كأس الأمم للرياضات الإلكترونية” في نوفمبر 2026، في محاولة لمواصلة الحضور في هذا المجال، عبر حدث يُفترض أن يسمح للمتنافسين بالمشاركة تحت أعلامهم الوطنية.
اللجنة الأولمبية الدولية أكدت بدورها أنها ستستمر في خطتها لإنشاء دورة أولمبية خاصة بالرياضات الإلكترونية، بالتوازي مع الدورات الصيفية والشتوية التقليدية، بعد أن نظمت سابقًا فعاليات تجريبية تضمنت ألعابًا قتالية وسباقات سيارات.
يأتي ذلك فيما توسّع "السعودية" استثماراتها في كبرى شركات الألعاب العالمية. فقد قادت مؤخرًا عرضًا لشراء شركة “إلكترونيك آرتس” مقابل 55 مليار دولار، في صفقة اعتُبرت محاولة أخرى لبسط نفوذها على الصناعة. وقد أثار الخبر موجة غضب بين صانعي المحتوى المرتبطين بسلسلة الألعاب الشهيرة “The Sims”، الذين أعلنوا توقفهم عن العمل على اللعبة احتجاجًا على الصفقة المحتملة.
تمتلك "السعودية" أيضًا حصصًا في شركات ألعاب كبرى مثل Take Two وCapcom وNintendo، ما يعزز نفوذها المالي في قطاع يدرّ مليارات الدولارات سنويًا، لكنه يثير في المقابل تساؤلات حول دوافع هذه الاستثمارات التي يرى كثيرون أنها جزء من استراتيجية لتبييض سجلٍّ مثقل بالقمع والتجسس وانتهاكات حقوق الإنسان.
تهدف الرياض، من خلال استثمارات ضخمة في مختلف الألعاب والبطولات العالمية، إلى تقديم نفسها كدولة حديثة ومنفتحة، في محاولة لطمس حقيقة القمع وغياب الحريات التي يعيشها شعب شبه الجزيرة العربية. هذه الظاهرة، المعروفة بـ”التلميع الرياضي” باتت تثير قلق المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي، التي ترى فيها غطاءً لمحاولات الرياض الالتفاف على الانتقادات الموجهة لانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان.
تدفّق الأموال السعودية على الألعاب الإلكترونية قد أدى إلى انقسام مجتمع لعبة “ليج أوف ليجندز”، إحدى أشهر الألعاب المشاركة في كأس العالم للرياضات الإلكترونية. ذلك نظرا لكون الكثيرين يعترضون على سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان، ويشعرون بعدم الارتياح لتلقي أموال من صندوق الاستثمارات العامة لاستضافة فعاليات البث المباشر المرتبطة بكأس العالم للرياضات الإلكترونية.
البذخ السعودي على عالم الرياضة، سواء تلك التقليدية أم الإلكترونية، إلى جانب كونه لا يعود بالفائدة البتة على واقع اقتصادي واجتماعي صعب يعايشه أبناء شبه الجزيرة العربية، هو أيضا يستنزف من خزينة البلاد مبالغ طائلة كان يمكن استثمارها في ما ينفع، لكن سلطات آل سعود اختارت أن تدفع الملايين لاستقطاب بضعة لاعبين دوليين، هم أنفسهم مستعدين للتخلي عن فرصة المال الوافر في أي منعطف. فقد استثمر الصندوق مبالغ غير مسبوقة في مجموعة واسعة من الرياضات، من الملاكمة إلى شراء نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، وتأمين حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم 2034. هذه التحركات، وإن بدت استثمارات تجارية بحتة، تحمل في طياتها أهدافًا سياسية واجتماعية أعمق.
ارسال التعليق