حدث وتحليل
بعد تسليم السلطات السعودية ملف غزة.. هل تنصفها
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
أعتقد بأن اقدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وقف العدوان الصهيوني في غزة، بموجب مشروع وقف إطلاق النار الذي اقترحه، وخلافاً لرغبة نتنياهو، هو لإنقاذ العدو من الانهيار المحتوم الذي بات يمضي إليه، بسبب إصرار نتنياهو على استمرار العدوان على غزة، ظناً منه أن ذلك سوف يحقق له أهدافه، مثل (القضاء على حركة حماس)، والافراج عن الاسرى الصهاينة لدى حماس، فيما وقائع الميدان ورغم ان نتنياهو أخذ فرصته الكافية وأكثر لتحقيق هذه الأهداف! تؤشر بوضوح الى عكس ما كان ينتظره نتنياهو نفسه ومن وراءه الأمريكي أيضا، بل على العكس تماماً، حيث أيقن الأمريكي، إن الكيان الصهيوني يمضي وبسرعة الى الانهيار لا محالة، ولذلك اتخذ ترامب هذه الخطوة من أجل بدء مرحلة جديدة، يستطيع الأمريكي من خلالها تحقيق الأهداف الصهيونية في غزة بأساليب أخرى غير أساليب العدوان الدموي على أهالي غزة، عبر تسخير أطراف إقليمية ودولية وإسلامية، ليكون ذلك غطاءً وتسويقاً لأطروحة ترامب، وذلك ما عكسته قمة شرم الشيخ المصرية، والتي حضرتها أكثر من 20 دولة، من بينها السعودية، وبأمر من ترامب نفسه!!
وبدعم من هذا الغطاء الدولي والإقليمي، أناط ترامب مهمة الوساطة وتحقيق أهدافها الى قطر وتركيا، ولعل اجبار ترامب نتنياهو على الاعتذار علناً لرئيس الوزراء القطري، هو تمهيد وتمكين قطر من القيام بهذا الدور... لكن المشكلة إن الصهاينة منزعجون من اتكاء قطر على الاتراك، فيما القطريون لا يمكنهم الاستغناء عنهم، في ضوء الدور الذي تلعبه على الصعيدين الإقليمي والدولي، لأن تركيا قوة عسكرية في المنطقة، ولأنها الأقرب لقطر من الناحية الأيديولوجية... يضاف الى ذلك، إن ثمة صراع خفي بين تركيا والكيان الصهيوني في سوريا على النفوذ ومحاولات العدو الصهيوني الاستحواذ الكامل والاستفراد بالساحة السورية، فيما تشكل تركيا عقبة كبيرة أمام هذا الطموح الصهيوني! وهناك الى جانب تلك الحساسية الصهيونية، حساسية أخرى وهي ان العدو يعتبر حركة حماس، وحزب اردوغان يشتركان او ينتميان الى نفس الجذور الفكرية (لحركة الاخوان المسلمين) كل هذا وذلك دفع بترامب الى إناطة الوضع في غزة الى السلطات السعودية ومصر وتحميلها مسؤولية تنفيذ المراحل الأخرى من اتفاق غزة!!
وفيما تواصل السلطات السعودية التحرك على صعيد هذا الملف والملف اللبناني كذلك، بات المراقب العربي يتساءل حول هل ينصف السعوديون المقاومة الفلسطينية وحركة حماس بالذات!؟ فأمل أن تصب تلك التحركات في مصلحة الفلسطينيين، ولكن الكثر من المراقبين ومن الفلسطينيين أنفسهم لا يأملون خيراً من وراء تحرك السلطات السعودية، بل من تحرك كل الأهداف العربية وحتى من تحرك بعض الأطراف الإسلامية كتركيا في ضوء المواقف السابقة لهذه الأطراف من حرب غزة، أي العدوان الصهيوني عليها، ومن أشكال التعاون والدعم الذي قدمته تركيا الى العدو، خلال عدوانه على الأخير على أهل غزة، بدلاً من اسناد أهالي غزة والدفاع عنهم ولو في المحافل الدولية، وفي الأمم المتحدة، ويمكن أن نشير الى الكثير من المعطيات التي تؤكد أن هذا التشاؤم في محله، حول ما سيقدمه السعوديون الى أهل غزة، فهم سيكتفون بتوفير الغطاء العربي لتنفيذ وتسويق خطة ترامب في غزة!! ومن هذه المعطيات ما يلي:
1ـ نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية وثائق سرية للقيادة المركزية (سنتكام) تؤكد إن العدو وسع من تعاونه الأمني مع 6 دول عربية خلال عدوانه على أهالي غزة، وعلى رأسها السلطات السعودية... وذكرت الصحيفة الأمريكية، إن عسكريين رفيعي المستوى من إسرائيل والدول 6 عقدوا خلال الثلاث سنوات الأخيرة عددا من اللقاءات بوساطة واشنطن!! واشارة الصحيفة الى ان المشاورات كانت سرية وجرى بعضها في مواقع عسكرية أمريكية... كما جرى الحديث خلال أحد اللقاءات عن (التصدي للتهديدات المرتبطة بالأنفاق تحت الأرض) وقالت الصحيفة إن الوثائق كانت متعلقة بالقضايا الأمنية في المنطقة!! ولعل ما يؤكد وجود هذا التعاون، ما نشرته الصحف الأمريكية والصهيونية حول ما نقله مسؤولون صهاينة وأمريكيون إن بعض حلفائهم العرب في الخليج غاضبون جداً لأن إسرائيل أخفقت في القضاء على حركة حماس!! والى ذلك فأن تقرير المحلل الصهيوني في صحيفة معاريف بن كسبيت، حول التعاون العربي مع كيانه، هذا التقرير يؤكد ما ذكرته صحيفة واشنطن بوست فهذا المحلل تحدث في تقريره او أشار بالتفصيل الى التعاون العسكري بين تل ابيب ودويلات الخليج!! ويرى محللون إن إقدام الأمريكيين على نشر تلك المعلومات الخطيرة، إنما لتوفير غطاء عربي للعدوان الصهيوني وكرسالة للحكومات الأوروبية التي يتزايد اعداد الذين يقاطعون العدو ويطالبون بمنعه عن السلاح الأوروبي، ذلك فضلا عن محاولتهم ترويض الشارع العربي!! عبر تعويده على فكرة التعاون الأمني والعسكري مع العدو، تمهيداً للانتقال الى مراحل متقدمة من هذا التعاون فالتطبيع والتحالف العلني!! وتقول قناة اليمنية في تقرير لها بثته في 15 أكتوبر 2025 حول التعاون العسكري والأمني بين دول ابراهام العربية وبالتفصيل... تقول: "بين هذه الأطراف كشفت عن واقع بالغة الخطورة، حيث تجتمع مصالح واشنطن والعدو الصهيوني مع هذه الدول، التي تخلت عن قضايا الأمة لتتحول الى أدوات في مشروع الهيمنة الأمريكية الصهيونية".
2ـ شهادة ترامب بأن حلفاء واشنطن من العرب ومن غيرهم، كانوا قد أبدوا له استعدادهم لدخول غزة بقوة عسكرية (لتأديب حماس)... إن هي استمرت في التصرف (السيء) وقال بالحرف الواحد "أبلغني العديد من حلفاءنا العظماء الآن في الشرق الأوسط والمناطق المحيطة به، صراحة وبقوة، وبحماس كبير، إنهم سيرحبون بقوة، بناءً على طلبي لدخول غزة بقوة (عسكرية) كبيرة (لتأديب حماس)، إن هي استمرت في التصرف بشكل سيء، في انتهاك اتفاقهم معنا" وتابع أنه أبلغ هذه الدول بأن الوقت لم يحن بعد لذلك!! واثنى ترامب على مواقف هذه الدول قائلا: "لم نشهد مثل هذا الحب بالشرق الأوسط منذ ألف عام! إنه لأمر رائع أن نراه!" مبيناً أنه "لا يزال هناك أمل في أن تفعل حماس الصواب، وأن لم تفعل فستكون نهايتها سريعة ووحشية، أود أن أشكر جميع الدول التي اتصلت للمساعدة"!! وقال ترامب أيضا اذا تطلب الأمر فسوف نتدخل ولكن القوات الأمريكية لن تشارك في أي قتال متجدد، مؤكداً "إن قوات أخرى موجودة ومستعدة لتنفيذ الأوامر اذا قرر إن حماس انتهكت اتفاق وقف اطلاق النار" وكرر ترامب القول للصحفيين في البيت الأبيض "اتصلت بي دول عندما شاهدت بعض أعمال القتل من حماس، وقالت إنها ترغب في التدخل ومعالجة الوضع بنفسها هناك"!!
وكعادته، ترامب لم يخف الهدف النهائي من اطروحته بشأن غزة قائلا: "لقد أحببت غزة كمكان يمكن أن نطلق عليه مكان الحرية، سنعمل على ان يحصل جميع الأشخاص الذين يعيشون هناك على منازل لائقة في مختلف أنحاء المنطقة، فمصر لديها الكثير من الأراضي، والأردن لديها الكثير من الأراضي"!!
وفي الحقيقة صحيح أن ترامب رجل كذاب ويمكن ان يختلق مثل هذه الأكاذيب، لكن هناك الكثير من المؤشرات تؤكد مصداقية كلامه المشار اليه، فكانت كل من السعودية ووقطر والامارات أعلنت استعدادها لأرسال قوات عسكرية لحفظ الأمن في غزة او بالأحرى لحماية الكيان الصهيوني! ثم إن تقارير صحفية كشفت عن رسالة غاضبة وجهتها كل من السعودية والامارات والبحرين الى واشنطن ليس احتجاجاً على المجازر في غزة، بل لأن المقاومة لم تهزم!! وعلق بعض المحللين العرب على هذه الرسالة قائلاً: "هكذا تحولت بعض العواصم العربية من حماة للعروبة الى كلاب حراسة لأمن إسرائيل)!!
عدم الارتياح والتبرم لدى هذه الأنظمة من بقاء حماس وعدم القضاء عليها تعكسه أبواق هذه الأنظمة وكتابها وإعلاميها، فما يصرح به هؤلاء يمثل رأي هذه الأنظمة، ولذلك فان ما صرح به الإعلامي المصري عماد الدين أديب "بأن استمرار حماس بعد اتفاق وقف اطلاق النار في غزة أصابه بالاكتئاب"!! فذلك يعني صحة ما قيل عن غضب هذه الأنظمة من إخفاق العدو في القضاء على حماس!!
3ـ بشهادة وتأكيد الصهاينة أنفسهم إن السلطات السعودية وبقية دول ابراهام الخليجية لم تكتف بالتعاون العسكري والأمني السري والعلني مع العدو خلال عدوانه على غزة، بل وشاركت في الحرب أيضا على مواقع المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن وحتى ايران!! وقد كشفت صحيفة (إسرائيل هيوم) في تقرير موسع لها "إن السعودية قدمت دعماً ميدانياً لإسرائيل خلال المواجهة مع ايران في حزيران يونيو الماضي في إطار سعي محمد بن سلمان لتشكيل تحالف مع واشنطن وتل أبيب وفتح جبهة ضد طهران"!! ووفق تقرير الصحيفة فأن جهات اكاديمية وتجارية إسرائيلية واصلت نشاطها في السعودية خلال الأعوام الأخيرة، في سياق ما وصفته الصحيفة العبرية بالتعاون التدريجي غير المعلن"!! وأوضح التقرير إن ابن سلمان يسعى الى تحالف دفاعي مع واشنطن وتشارك فيه تل ابيب ضمن محور إقليمي موجه ضد ايران ووكلائها في المنطقة!!
وفي الوقت الذي يواصل فيه العدو مذبحته الدموية بحق أهالي غزة كشفت صحيفة (The Ditch) الاستقصائية الايرلندية إن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في صدارة مشهد الدعم اللوجستي والعسكري لإسرائيل في واحدة من أكثر المراحل دموية للصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي... وقالت الصحيفة إن "75 حزمة من الفولاذ العسكري منشأها الهند أرسلت على متن السفينة (Ever Golden) التي رست في ميناء (بيرايوس) اليوناني، ومن هناك نقلت الحمولة الى سفينة سعودية تدعى فلك الدمام (Folk Dammam) حيث نقلتها الى ميناء حيفا وسلمتها للصهاينة هناك!! وسفينة فلك الدمام مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات السعودي، الذي يرأسه محمد بن سلمان شخصيا!! والفولاذ العسكري ليس مجرد مادة خام، بل يدخل مباشرة في صناعة المعدات والآليات العسكرية من الدبابات الى منصات الصواريخ وكلها أسلحة استخدمت في سحق البنى التحتية المدنية في قطاع غزة وقتل المدنيين بلا تمييز!! وقد علق بعض الصحفيين قائلاً: "إن ما كشفته الصحيفة الايرلندية ربما يكون جبل الجليد فقط اذ تظهر التفاصيل إن العلاقة السعودية اليهودية تخطت منذ زمن حدود التطبيع غير المعلن، الى مرحلة المشاركة العملية في تأمين احتياجات إسرائيل العسكرية ولو عبر أطراف تجارية او عمليات لوجستية تبدو للوهلة الأولى تجارية بحتة..."!
هذا وتحدثت صحف أمريكية وغربية بشكل مفصل عن التعاون السري عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً واقتصادياً وعلى كل الأصعدة ومالياً أيضاً، وأشارت هذه الصحف الى إن هذه الدول مثل السعودية تنتقد إسرائيل علنا وتدين الإبادة لأهل غزة لكنها في السر تقدم الدعم بكل اشكاله للعدو باعتراف وبشهادة ترامب وصاحبه نتنياهو.
تمكين السلطة الفلسطينية! رؤية تتطابق تماماً مع رؤية نتنياهو مع فارق في الخطاب والتعبيرات التي لا تلامس الجوهر وبحسب الوثيقة التي حصلت عليها جريدة الأخبار اللبنانية فأن الرؤية السعودية التي أعلنت عنها في 2 أيلول 2025، تعتبر إن "علاج حماس يجب أن يكون خطوة أساسية لبناء بيئة آمنة تسهم في إعادة الأعمار وتحقيق الازدهار"!
إذن الرؤية السعودية تستهدف نزع سلاح حماس عبر اتفاقيات إقليمية ودولية وتسليم حكم غزة لسلطة محمود عباس، تحت اشراف إقليمي ودولي ومن ثم إقامة الدولة الفلسطينية على مناطق غزة والضفة الغربية، وهذا ما يتطابق مع رؤية نتنياهو وترامب مع فارق، إن ذكر الدولة الفلسطينية هو للتسويق والخداع الفلسطيني ولتبرير التحرك السعودي المتماهي مع العدو وواشنطن، والساعي الى تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، فالهدف الأساسي من كل هذا التحرك هو القضاء على المقاومة وإقامة تحالف صهيوني أمريكي سعودي رجعي يهيمن على المنطقة، وينهي المسألة الفلسطينية!!
ارسال التعليق