ما الذي يخيف آل سعود من المطالبين بالملكية الدستورية؟
التغيير
المطالبة بإقامة ملكية دستورية هي إحدى التهم التي دفعت رموز إصلاحية إلى الفرار خارج الجزيرة العربية هربا من بطش نظام آل سعود، فيما قبع بسببها رموز وطنية إصلاحية داخل سجون آل سعود.
آخر من طالهم العقاب، كانت الأميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود (55 عاما)، التي كشفت صحيفة دويتشه فيله الألمانية عن اختفائها، لافتة إلى تبنيها المطالبة بإصلاحات دستورية من شأنها أن تحد من سلطات الشرطة الدينية وتكرس من حقوق المرأة.
الأميرة ظهرت في العديد من المنابر الإعلامية والمنتديات الدولية التي تسلط الضوء على الفساد، والقضايا الإنسانية، وعدم المساواة في توزيع الثروة، أبرزه ما قالته لمحطة بي بي سي البريطانية في 2012 إنها حزينة لأن المملكة لم تتابع خططها لإقامة نظام ملكي دستوري، يتم فيه فصل منصب الملك عن منصب رئيس الوزراء.
سبق الأميرة بسمة في المطالبة بالملكية الدستورية آخرون، أبرزهم الدكتور عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني، وكلهم قيد السجن بسبب هذه التهمة بالإضافة إلى تهم أخرى منها التمرد على الحاكم وإصدار بيانات سياسية والسعي لجمع توقيعات إلى جانب انتقاد السلطة القضائية والتواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية وغيرها.
الرواية التاريخية
حسب الرواية التاريخية، فإن الملكية الدستورية أسسها ووضعها الملك سعود الذي تولى الحكم في الفترة من 9 نوفمبر/تشرين ثاني 1935 حتى عزله شقيقه الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في 2 نوفمبر/تشرين ثاني 1964، وأسقطه بمساعدة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي أصدر فتوى أيد فيها خلع الملك من منصبه، ودعا إلى مبايعة شقيقه فيصل ملكا جديدا للبلاد.
إلا أن القرائن على تأسيس الملك سعود للملكية الدستورية ضعيفة خاصة أن حركة الأمراء الأحرار التي تبنت الدعوة إلى إنشاء حكم دستوري وبرلماني في المملكة تأسست إبان حكم الملك سعود في الفترة من 1958 وحتى 1964، أي في آخر 6 سنوات من حكمه، إثر التوترات التي نشبت بين الملك سعود والأمير فيصل في ذلك الوقت، ونادت بفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، والمساواة بين الرجال والنساء وإلغاء العبودية.
حركة الأمراء الأحرار فشلت في الدعوة للإصلاح واضطر أعضاؤها إلى مغادرة المملكة واللجوء إلى لبنان ومصر إبان الحقبة الناصرية، وسحبت منهم الجنسية وتنازلوا طواعية عن لقب أمير قبل عودتهم من المنفى في منتصف الستينيات، وتم العفو عنهم.
الرواية المتداولة بشأن تأسيس الملك سعود لنظام ملكي دستوري استندت إلى إعلان إذاعة مكة في 25 ديسمبر/كانون الأول 1960 أن مجلس الوزراء وافق على تشكيل مجلس وطني منتخب جزئيا، ووضع مسودة دستور، إلا أنها عادت بعد 3 أيام لتنفي الخبر.
ونشرت صحف لبنانية آنذاك نص مسودة الدستور المؤلفة من 200 مادة والتي وضعها حقوقيون مصريون بتكليف من الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود وزملائه من مجموعة الأمراء الأحرار.
إلا أنها بقيت مجرد مشروع دستور تم إجهاضه نتيجة للصراع على السلطة بين الملك سعود وفيصل.
الملكية الدستورية
تعد الملكية الدستورية نظام يحكم فيه أبناء الملك على سلطات يحددها دستور وهو عكس نظام الملكية المطلقة، التي يتولى فيها الملك الحكم عن طريق الوراثة.
الملكية الدستورية يكون فيها الشعب هو صاحب السلطة، وله وحده السيادة، ولا يكون للملك السيادة ولا حتى أي جزء منها، ولا يمارس أية سلطة فعلية.
ووفقا للملكية الدستورية تتركز السلطة الفعلية في أيدي الهيئة المنتخبة من الشعب صاحب السلطان الأصيل، ويلاحظ أن النظام السياسي البرلماني هو المجال الأصيل لتطبيق نظام الملكية الدستورية.
لا يوجد إجماع بين أطياف المعارضة السعودية بالخارج على الملكية الدستورية، فهناك مجموعة تطالب بإسقاط النظام السعودي الملكي برمته، وأخرى ترى في وجود آل سعود ضرورة لكن مع الاستحقاقات الشعبية التي يمكن بها محاسبة الملك ورموز النظام وتقنين العلاقة بين العائلة المالكة والدولة.
عريضة 2003
كانت البداية بتقديم الرموز السعودية عرائض للمطالبة بالإصلاح والتغيير، المتمثل بالانتخاب الحر وفصل السلطات واستقلالية القضاء والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية وتقوية مؤسسات المجتمع المدني المستقلة.
وفي 16 ديسمبر/كانون الثاني 2003، تقدم الدكتور عبد الله الحامد ومتروك الفالح وعلي الدميني، بعريضة تحمل توقيع 116 شخصا إصلاحيا من المثقفين والأكاديميين، لولي العهد آنداك عبدالله بن عبدالعزيز، تطالب بالتحول إلى "ملكية دستورية إسلامية" وتنادي بتطبيق إصلاحات دستورية في المملكة تسمح بهامش للمشاركة الشعبية في القرار السياسي.
لكن رد السلطة الحاكمة كان الاعتقال ومنع باقي محركي فكرة الملكية الدستورية ومنظريها من السفر ومصادرة جوازاتهم وتغيبهم عن الإعلام العالمي والمحلي، ثم حصلوا على عفو ملكي بعد اعتلاء الملك عبدالله سدة الحكم في أغسطس/آب 2005 ووعده بإجراء إصلاحات، إلا أنهم عادوا إلى السجن مرة أخرى بأحكام تعسفية لتمسكهم بمطالبهم.
في أبريل/نيسان 2007، أرسل الثلاثة ومعهم 99 إصلاحيا آخرين ببيان إلى العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي العهد آنذالك الأمير سلطان بن عبدالعزيز ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، و15 عضوا آخرين في العائلة المالكة، مطالبين بإنشاء ملكية دستورية في السعودية ترتكز على دستور إسلامي.
وطالبوا بإنشاء "مجلس نواب للشعب يشترك في انتخابه جميع الراشدين رجالا ونساء"، مطالبين بسن قوانين "تضمن مكافحة الفقر، والعدل في قسمة المال والأراضي".
واقترح موقعو البيان الذين وصفوا أنفسهم بأنهم من "دعاة المجتمع المدني" وبينهم 5 نساء، كخطوة أولى في هذا الاتجاه، "انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى" الذي يضم 150 عضوا يعينهم الملك وجميعهم من الرجال.
وأشاروا إلى وجود "تفاوت فاحش في قسمة الثروة"، مطالبين بإصدار نظام مدونة تعترف بالحقوق التي قررتها الشريعة والتي كفلت حرية الرأي والتعبير والتجمع.
حركة أميرية
في سبتمبر/أيلول 2019، أعلن الأمير السعودي المعارض المنشق عن العائلة المالكة واللاجئ في ألمانيا، خالد بن فرحان آل سعود، "إنشاء حركة سياسية سعودية معارضة لتكون نواة للتحول السياسي إلى الملكية الدستورية الحرة التي يملك فيها الملك ولا يحكم".
وفسر موقفه هذا، بأن السعودية تشهد "نظاما دكتاتوريا بوليسيا رجعيا، يتمسك كله بشخص الملك، وقد سرّع النظام في انهيار المملكة".
وتطرق إلى معاناته كأمير مع النظام السعودي، وقال: "عانيت بشكل كبير من ظلم النظام السعودي من الصغر، واستخدمت معي ومع آخرين وسائل شرعية وغير مشروعة ولا تمت بأي شكل إلى دين أو إنسانية بصلة".
الأمير المنشق أعلن مرارا مطالبه بتطبيق الملكية الدستورية، أبرزها مطالبته في برنامج بلا قيود في أكتوبر/تشرين الأول 2018، بتطبيقها بحيث يظل أحد أفراد الأسرة الحاكمة منتخبا من مجلس الأسرة الحاكمة ويكون رئيس الوزراء منتخبا من برلمان منتخب.
وأشار إلى أن الملكية الدستورية ستسمح للمواطنين السعوديين بحكم أنفسهم وفي ذات الوقت تتم المحافظة على المملكة عن طريق الرمز المنتخب من مجلس الأسرة الحاكمة.
وفي الشهر ذاته، كشف أنه تم استهدافه بخطة لإخفائه قبل 10 أيام من اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، وإن السلطات في السعودية تستدرج المنتقدين باستمرار -بما في ذلك الأمراء- إلى لقاءات لخطفهم.
وقال في حوار حصري مع صحيفة الإندبندنت: إن استدراج المعارضين إلى لقاءات "لإخفائهم" خدعة شائعة تستخدمها السلطات السعودية، قبل أن يكشف أن 5 أفراد على الأقل من العائلة الحاكمة اختفوا للتحدث علنا ضد اختفاء خاشقجي.
واعتبر الأمير المنشق أن هذا الإجراء جزء من حملة تصعيدية منتظمة من قبل ولي العهد لإسكات منتقديه، قائلا: "السلطات السعودية أبلغتني أكثر من 30 مرة أنهم يريدون مقابلتي لكني كنت أرفض كل مرة. فأنا أعرف ما يمكن أن يحدث إذا ذهبت إلى السفارة".
وكان "اابن فرحان" قد ذكر قبل عامين أن سفارة الرياض طلبت منه مرارا وتكرارا أن يقدم اعتذارا للملك، وأن يتنازل عن لجوئه، مؤكدا رفضه القاطع لهذا الأمر.
تكميم الأفواه
المطلع على سياسات المملكة والدعوات التي تخرج بين الحين والأخر للمطالبة بالإصلاحات السياسية من بينها التحول إلى الملكية الدستورية، والتي بدأت في الستينات وارتبطت بحركة التمرد داخل الأسرة المالكة، يتأكد أن السلطة الحاكمة لا تسمح لأي صوت إصلاحي سواء كان من داخل العائلة المالكة أو خارجها أن يعلو.
والقارئ للعرائض والبيانات التي ترفع إلى ولاة الأمر يعلم أن الأسئلة التي طرحتها الوكالة الإعلامية الألمانية بشأن غياب الأمير بسمة بنت سعود، ربما يضعها ضمن قائمة المخفين قسريا ويثبت ما ذهبت إليه الصحيفة بأنها رهن الإقامة الجبرية مع إحدى بناتها في الرياض.
تحقيق الوكالة اعتمد على تتبع التفاصيل وربطها بواقع المملكة، حيث أشار إلى أن الأميرة معروفة بنشاطها في مجال حقوق الإنسان، ولفت إلى أنها شخصية إعلامية، وهذين التوصيفين في حد ذاتهما كفيلين بدفع السلطات السعودية إلى تغيبها عن الساحة وربما التخلص منها مثلما فعلت مع حالات سابقة.
التقارير التي ترصد واقع حقوق الإنسان بالمملكة لا حصر لها، منها ما يتحدث عن التعذيب والاحتجاز غير القانوني والمحاكمات غير العادلة للناشطين والناشطات، ومؤخرا أصبح رصد الوضع الحقوقي بالمملكة مقترنا بالاغتيالات خاصة بعد حادث اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/تشرين أول 2018 والذي كان يكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست".
وأبرز التقارير ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش بأن صعود ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة تزامن مع "تصاعد القمع والممارسات المسيئة"، مشيرة إلى عشرات المعارضين الذين تعرض بعضهم للتعذيب واحتجزوا منذ أن أصبح الأمير محمد وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017.
واستنكرت المنظمة العدد الهائل والطيف الواسع للمستهدفين خلال فترة زمنية قصيرة، مما جعل موجات اعتقال ما بعد 2017 ملحوظة ومختلفة، فضلا عن إطلاق ممارسات قمعية جديدة لم تشهدها المملكة في العهود السابقة".
ولفتت إلى أن "الحملة بدأت في سبتمبر/أيلول 2017 باعتقال عشرات المعارضين، وبينهم مثقفون ورجال دين"، مشيرة إلى اعتقال السلطات مئات الأمراء ورجال الأعمال في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 لعدة أسابيع، في فندق ريتزكارلتون في الرياض، في ما وصف بأنه حملة ضد الفساد.
النشاط الإعلامي
الأميرة بسمة كانت منظرة وكاتبة وناشطة إعلامية وأول منظرة في الجزيرة العربية، فقد بدأت الأميرة بسمة نشاطها الإعلامي والكتابة الصحفية بعد عودتها من رحلة إلى أمريكا سجلت فيها مشاهدتها ورأيها في المجتمع الأمريكي.
وكانت تنقل في عمودها الأسبوعي "الرأي الآخر" بجريدة المدينة نبض ومعاناة المواطنين إلى المسئولين، وتداولت العديد من المواقع والصحف الإلكترونية مقالها الأسبوعي، وكانت آراؤها تحظى بأعلى نسب قراءة وتعليقات بين القراء.
يبدو أن الأميرة بسمة كانت على علم بمخطط إخفائها الذي أشارت إليه الوكالة الألمانية، وحاولت الإشارة إلى ذلك في حوارها مع "بي بي سي" العام الماضي، حين علقت على حملة الاعتقالات التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، وقالت: إنه "عمل على عزل أي أمير لا يوافق على رؤية 2030، أو يسعى لإثبات رؤية اقتصادية أخرى على الساحة".
إلا أن الأميرة أعلنت انضمامها لفريق المنتقدين لسياسات الملك سلمان ونجله ولم تخف أن قراراتهم لا تلقى قبول لديها، قائلة: إن "الأمير ابن سلمان اتخذ قراراته دون أن يهيئ الوضع العام، أو يضع قاعدة أساسية، مثل قيادة المرأة للسيارة، وغيرها".
وانتقدت في حوارها الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن، وقالت: إنها تسببت في كوارث إنسانية ودمرت الأبنية التحتية واستنزفت المملكة. كما اعتبرت الأميرة الأزمة الخليجية مع قطر متوقعة، بناء على أزمات سابقة بين الدولتين، مؤكدة أنها لا تؤيد قطع العلاقات مع أي دولة شقيقة.
ارسال التعليق