ما الذي يريده بن سلمان من حملة اعتقالات الأمراء
ظهر العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" في وسائل الإعلام الحكومية، الأحد، بصحة جيدة ونشاط، بعد أيام فقط من اعتقال اثنين على الأقل من كبار الأمراء، ما أثار تكهنات حول محاولة انقلاب محتملة أو تدهور مفاجئ في صحة الملك.
وقال شخصان مقربان من العائلة المالكة، السبت، إن الأمراء رهن الاعتقال لعدم دعمهما محمد بن سلمان، الذي عزز السيطرة على جميع أدوات السلطة الرئيسية داخل المملكة بدعم من والده الملك " سلمان".
وجاء اعتقال شقيق الملك الأصغر، الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، وابن أخ الملك وقيصر مكافحة الإرهاب السابق، الأمير "محمد بن نايف"، بسبب اعتراضهما على ما وصفه شخص على علم بالاعتقالات في المملكة بأنه تراكم للسلوك الاستفزازي للقيادة.
وأضاف المصدر أن الاعتقالات بعثت برسالة إلى أي شخص في العائلة المالكة لا يشعر بالراحة للوضع الحالي، وهي أن توقف عن التذمر واصمت، لأنه إذا أمكن القبض على الأمير "أحمد"، فإن أي أمير آخر معرض لنفس الأمر. وقال الشخص المطلع إن الأمير "أحمد" كان يُنظر إليه كشخص يمكن أن يتطلع إليه أفراد العائلة المالكة عندما يشعرون بالضيق من قبضة ولي العهد على السلطة.
وظهرت تقارير عن الحملة في وقت مبكر يوم الجمعة. وفي أول ظهور للملك منذ ذلك الحين، أظهرت وسائل الإعلام الرسمية أن الملك، البالغ من العمر 84 عاما، يقف ويستقبل اثنين من الدبلوماسيين الذين يؤدون اليمين كسفيرين. وكان قد شوهد من قبل يوم الخميس وهو يلتقي وزير الخارجية البريطاني "دومينيك راب" في الرياض.
وجاءت هذه الاعتقالات بمثابة مفاجأة، بالنظر إلى أن الأمير "محمد بن نايف"، البالغ 60 عاما، كان معروفا على نطاق واسع أنه يخضع لرقابة مشددة منذ أن نحاه "بن سلمان" من خط الخلافة في منتصف عام 2017.
ولم يكن اعتقال الأمير "أحمد"، البالغ من العمر 78 عاما، متوقعا أيضا، لأنه الشقيق الأصغر للملك، وهو أيضا عضو بارز في أسرة "آل سعود" الحاكمة.
وكان لدى الأمير "أحمد"، منذ فترة طويلة، وجهات نظر غير مواتية تجاه ولي العهد، وكان من بين عدد قليل من الأمراء الكبار الذين يمتنعون عن التعهد بالولاء له، عندما نحى الملك الشاب أكثر الأمراء الكبار ليصبح في الصف الأول في خط خلافة العرش.
وخدم كلا الأميران سابقا في منصب وزير الداخلية، حيث أشرفا على الأمن والمراقبة داخل المملكة.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" قد نشرت أولا عن الاعتقالات، نقلا عن مصادر في الديوان الملكي، قائلة إن الأمراء كانوا يخططون لانقلاب قصر من شأنه أن يوقف صعود ولي العهد. ومنذ ذلك الحين، ذكرت المجلة أن عملية الاجتياح توسعت لتشمل العشرات من مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش وغيرهم ممن يشتبه في دعمهم لمحاولة الانقلاب.
ورفض الشخصان اللذان تحدثا إلى وكالة "أسوشيتيد برس" وصف أعمال الأمراء بأنها محاولة انقلابية. واتفقوا على مناقشة المسألة الحساسة للغاية المتعلقة بالأمن فقط إذا تم منحهما ضمان إخفاء الهوية.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من سلطات ال سعود بشأن الاعتقالات حتى الآن.
ونجح ولي العهد في بضعة أعوام قصيرة في تجنب أي منافسة من أفراد العائلة المالكة الأكبر سنا وأكثر خبرة منه. كما قام بإصلاح أقوى الأجهزة الأمنية لضمان ولائها له.
وكان "محمد بن نايف" معروفا ومحبوبا من قبل مسؤولي الاستخبارات الأمريكية؛ لتعاونه في مكافحة الإرهاب في الأعوام الماضية ضد تنظيم "القاعدة". وبصفته وزيرا للداخلية، كان شخصية مرعبة ومخيفة أشرفت على الذراع الطويلة للحكومة التي حاكمت المعارضين والمنتقدين للمملكة وراقبتهم عن كثب وسجنتهم.
ويُنظر إلى الأمير "أحمد" على أنه منتقد لولي العهد، بما في ذلك حين طلب من المتظاهرين خارج منزله في لندن بتوجيه السؤال للملك وابنه عن الكارثة الإنسانية التي أشعلتها الحرب في اليمن. وتذمر الأمير، المحافظ دينيا، مؤخرا من قرار إغلاق المسجد الحرام في مكة في إطار إجراءات مكافحة انتشار "فيروس كورونا الجديد"، وفقا لأحد الأشخاص المطلعين على الاعتقالات.
ومن المرجح أن اعتقال الأميرين الكبيرين خطوة استباقية لإدارة مخاطر نقل السلطة من الملك "سلمان" إلى ابنه، وفقا لتحليل أجرته مجموعة "أوراسيا". وقد تم اعتبار كلا الأميرين من بين البدائل المحتملة لابن سلمان.
ونجح ولي العهد في توطيد السلطة وتدعيم مكانته كحاكم أمر واقع في البلاد، من خلال حملات واسعة النطاق ضد المنتقدين أو المنافسين.
إلا أن مقتل الكاتب "جمال خاشقجي"، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، على أيدي عملاء مقربين من ولي العهد داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، أضر بسمعة ابن سلمان على مستوى العالم.
وشعر المستثمرون الأجانب بالصدمة أيضا من عملية مكافحة الفساد التي أشرف عليها ولي العهد في أواخر عام 2017، التي شهدت إلقاء القبض على كبار أفراد العائلة المالكة والمسؤولين وكبار رجال الأعمال واحتجازهم لمدة تصل إلى عدة أشهر في فندق "ريتز كارلتون" الفاخر في الرياض، ومن ثم إجبارهم على التنازل عن مليارات الدولارات من الأصول في مقابل حريتهم عبر اتفاقات سرية.
وبصفته وزيرا للدفاع، أشرف ابن سلمان على الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، التي أودت بحياة الآلاف وأدت إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وأتت بنتائج عكسية على المملكة واقتصادها وهيبتها بحيث اصبحت في مرمى الحوثيين وتحت رحمة صواريخهم البالستيا، وطائراتهم المسيرة.
وكان "بن سلمان" يحظى بشعبية بين الكثيرين في المملكة؛ بسبب دفعه لإصلاحات جريئة غيرت الحياة في المملكة بالنسبة للكثيرين، بما في ذلك تخفيف القيود الشديدة المفروضة على النساء، والسماح بتنفيذ الحفلات الموسيقية وفتح دور السينما.
ومع ذلك، فقد عانت خطط التحول الاقتصادي الخاصة به. ولا تزال المملكة تعتمد اعتمادا كبيرا على النفط لتحقيق الإيرادات، على الرغم من الجهود المبذولة للتنويع. وانخفضت أسعار النفط وسط الاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا الجديد.
ارسال التعليق