ماذا يريد بوتين من الرياض؟ وهل هي تستطيع
بقلم: كمال خلف/ كاتب فلسطينييصل صباح اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة للمملكة السعودية تستمر حتى صباح الثلاثاء، هي الأولى له منذ 12 عام. الواضح والمعلن أن بوتين سيوقع اتفاقات تعاون، وأن ملفات عديدة سوف يتم بحثها مع القيادة السعودية تتعلق بأمن الخليج وحرب اليمن و صفقة القرن وسوريا. ولكن ماذا يريد الرئيس بوتين تحديدا من السعودية خلال هذه الزيارة ؟
يقفز مباشرة الى سقف الأوليات مسألة أهلية موسكو في لعب دور الوساطة بين الرياض وطهران. وأنا كنت قد كتبت عن هذه الأهلية في مقال سابق قبل اكثر من شهر. وبما أن ملف الاتصالات التي ارتفعت إلى مرتبة مفاوضات في الظل بين طهران والرياض هي الخط الساخن في الوضع الراهن فمن الطبيعي ان يكون لزيارة بوتين صلة بذلك.
نصيحة موسكو لطهران في هذا الملف هو عدم حشر السعودية في الزاوية، لأن ذلك سوف يدفعها إلى التحالف العلني مع اسرائيل، وهذا بالتي سوف يؤدي إلى دخول إسرائيل إلى الخليج والاقتراب من فضاء إيران الحيوي. إيران تبدي إيجابية في التعاطي مع الرسائل في بريد الوسطاء. وهناك ما هو أكثر من الرسائل سيتم الإعلان عنه قريبا.
ولكن ثمة ما هو أهم في حقيبة السيد بوتين يرغب في إنجازه في الرياض، وهو ملف من شقين:
الأول يخص الملف السوري، وهو محط اهتمام موسكو الآن أكثر من ملف التوتر مع إيران. ويسعى بوتين لإقناع الرياض للانخراط في مسار” استانه” أي بمعنى آخر الانحياز للحل الروسي للأزمة السورية. وتعتبر موسكو أنها حققت إنجازا كبيرا بجر تركيا إلى الانخراط في هذا المسار بعيدا عن التصورات الأمريكية الحل أو حتى مسار جنيف حيث التدخلات الدولة المفتوحة، وترغب موسكو في ضم الرياض أيضا إلى هذا المسار، وأن تدعم السعودية مسار الحل الروسي للأزمة السورية. وهذا القرار السعودي الذي يبدو صعبا للغاية استدعى حضور بوتين شخصيا إلى الرياض للعمل على إقناعها بذلك.
ويقوم الحل الروسي على إنجاز الدستور ومن ثم الذهاب إلى انتخابات بمشاركة المعارضة وبالتزامن إطلاق إعادة الإعمار في سوريا وعودة اللاجئين السوريين. لذلك قد يعتبر بوتين انه نجح في الرياض اذا ما انخرطت الرياض في هذا المسار. وهذا يتطلب مشاركة سعودية في إعادة الإعمار وقرار سعودي بدعم عودة سوريا إلى الجامعة وفتح العلاقات الدبلوماسية معها ودعم علني لمسار استانه.
هل تستطيع السعودية الموافقة على الطلب الروسى؟ خاصة أن بعض الواجبات فيه تعني نوعا من التمرد على توجهات الإدارة الأمريكية؟
تشعر الرياض بمرارة من السياسة الأميركية، سواء تعامل واشنطن مع الهجوم على أرامكو أو في ضعف الادارة في مواجهة إيران في مياه الخليج، أو تركها وحيدة تعاني في حرب اليمن، ناهيك عن تصريحات ترامب المتكررة التي لا تخلو من سخرية تجاه المملكة والملك وآخرها المقطع المتداول لترامب وهو يقلد طريقة كلام الملك سلمان على الهاتف.
وتنظر السعودية إلى تحدي إيران الولايات المتحدة وصولا لإسقاط طائرة أمريكية دون أن تفعل امريكا شيئا حيال ذلك. كما تنظر إلى تمرد تركيا على الإدارة الأمريكية وخوضها حربا ضد حليف أمريكا الكردي شرق الفرات، مع تخلي ترامب عن الكرد وتركهم لمصيرهم. كل هذه عوامل ومعطيات محل نقاش يومي في السعودية وعلى أعلى مستو. ولكن رغم ذلك هل يمكن للسعودية أن تأخذ قرار بنقل جزء من البيض من السلة الأمريكية لصالح روسيا ؟
لا نعلم ذلك. التحركات السعودية فيما يخص ملف سوريا حذرة، ولكن لابد من تسجيل بعض الخطوات الصغيرة ولكنها هامة ويمكن اعتبارها مؤشرات على توجه سعودي يخالف نسبيا الرغبات الأمريكية بحدود دنيا، وبكل الأحوال على السعودية أن تدرك أنه أن الاون كي تقلع شوكها بيدها، وأن لا تنتظر أن يأتي الأمريكي ليفعل لها ذلك.
أما الشق الثاني فهو أشمل من الملف السوري، ويقوم على دفع السعودية نحو التعاون لتشكيل منظومة عربية إقليمية خارج الهيمنة الأمريكية، وبناء علاقات استراتيجية وتنسيق ضمن تجمع يضم دول المنطقة، ويقوم على تهدئة كافة البؤر الساخنة، عبر الحوار والتعاون، للوصول لتحقيق الأمن الجماعي. وهذا يشمل ملفات التوتر مع إيران، وحرب اليمن و الخلافات الخليجية، والخلاف مع تركيا، وقضايا أخرى مثل صفقة القرن.
وقد تلمس موسكو عن قرب خلال هذه القمة أن الرياض أصبحت أقرب إلى فكرة عقلنة السياسات وبالتالي الخروج الآمن من الصراعات والخلافات والحروب، وقد تسعى موسكو لتكون عراب التوجهات السعودية الجديدة في هذا المضمار. والاستفادة من تأثير السعودية في محيطها لدعم وجهة النظر الروسية في قضايا المنطقة.
نجاح كل ذلك مرهون بمدى جدية الرياض في التعامل مع موسكو كقوة يمكن بناء علاقات معها بشكل مستقل عن التحالف التاريخي بين السعودية والولايات المتحدة. وإن لاتكون أي إيجابية سعودية تجاه موسكو مبينة على تكتيك سعودي بهدف الضغط على واشنطن، وجرها إلى الاهتمام بشكل أكبر بحماية و رعاية المصالح السعودية وزيادة الالتزام بالدفاع عنها.
تغيرات هائلة مقبلة على صعيد المنطقة، الأحداث متسارعة لدرجة لا يمكن اللحاق بتفاصيلها كلها، خاصة ما يحدث في الظل. لكن الثابت أن الوضع برمته يتغير.
ارسال التعليق