مع رصد أطنان من المخدرات.. الإدمان خطر يهدد المجتمع السعودي
التغيير
"كأنك تشتري خبزاً!"، عبارة شهيرة أطلقها مدويةً الإعلامي المعروف داود الشريان، وهو يتحدث عن سهولة شراء مواد مخدرة في أحياء بالعاصمة الرياض، وذلك في برنامج يقدمه على قناة "إم بي سي"، بداية عام 2019.
وقبل نهاية عام 2019 بثلاثة أيام، أعلن حرس الحدود إحباط محاولة تهريب 1.3 طن من الحشيش المخدر عبر الحدود الجنوبية، وإلقاء القبض على 79 شخصاً متورطين في العملية، وفق صحيفة "عكاظ" المحلية.
وما بين بداية هذا العام ونهايته -وبحسب التصريحات الرسمية- أحبطت القوات الأمنية تهريب أطنان من المخدرات وملايين الحبوب المخدرة.
وباختصار، فإنه خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2019، أفادت بيانات رسمية بضبط الجمارك السعودية نحو 3.2 أطنان من المخدرات.
تلك الأرقام التي تتحدث عن كميات المخدرات المضبوطة، تؤكد أن ثمة سوقاً كبيراً جداً للمخدرات في المملكة، وتؤكد أيضاً تزايد حجم ترويجها وتعاطيها وتهريبها إلى البلاد، في حين تغيب الأرقام الرسمية عن أعداد المدمنين.
وهذا ما جعل الإعلامي داود الشريان يؤكد في برنامجه، انتشار المخدرات بالرياض والقدرة على الوصول إليها بسهولة، حين قال إن شراء المخدرات من هذه الأحياء "أرخص شيء.. كأنك تشتري خبزاً!".
الحديث عن المخدرات في مملكة آل سعود يشمل في إطاره أساليب وأسباب وطرق انتشار هذه المادة الخطيرة على الفرد والمجتمع، لا سيما أن الجزيرة العربية تنفرد بخصوصية بين دول العالم؛ لمكانتها من ناحية احتضانها مقدسات إسلامية.
طرق مبتكرة لتهريب المخدرات
المعلومات التي تعلن عنها الجهات الرسمية على وسائل الإعلام، تتحدث باستمرار عن طرق جديدة وغريبة في تهريب المخدرات إلى المملكة.
وهذا ما كشفت عنه إدارة مكافحة المخدرات في محافظة جدة، ضمن مشاركتها التوعوية بمعرض جدة الدولي للكتاب في نسخته الخامسة، الذي افتُتح في 11 ديسمبر الجاري، من خلال عرض أحدث وسائل تهريب المخدرات، التي رصدها رجال الأمن خلال جهودهم لإحباط عمليات الترويج، عبر منافذ المملكة الجوية والبرية والبحرية.
ثمار الليمون وحبوب اللوز وحتى غذاء الملكات، صُنفت ضمن أحدث طرق تهريب أنواع متعددة من المخدرات على رأسها الحبوب المخدرة، إذ يؤكد موظف التوعية الوقائية في إدارة مكافحة المخدرات بمحافظة جدة عبد الجبار المالكي، أنها أكثر الوسائل المستخدمة في التهريب غرابة.
ويقول المالكي: "رصدنا أيضاً المصاحف وكوابل كهربائية وهيدروليك السيارات والمكابس وخيوط الصوف، كطرق جديدة في التهريب".
ولفت النظر إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي سهلت كثيراً رصد العمليات المشبوهة، وتتبُّع مصادر الرسائل المرسلة ومواقع الأشخاص بدقة ووضوح.
ترويج عبر الفضاء الإلكتروني
ويرافق الطرق المبتكرة في تهريب المخدرات وسائل حديثة للترويج بعيدة عن أعين الأجهزة الأمنية، مستغلةً الفضاء الإلكتروني.
ومؤخراً حذَّر باحثون من خطورة استخدام تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي في ترويج المواد المخدرة بين الشباب وبيعها لهم.
وذكرت دراسة أجرتها رويال هولوواي، في جامعة لندن، ونشرها موقع "بي بي سي"، أن متعاطي المخدرات يقدرون بشدةٍ دور تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل "سناب شات" و"إنستغرام"، في تسهيل عملية بيع المخدرات وتسريعها.
وحذَّرت الدراسة من أن المشترين يواجهون مخاطر كبيرة تتعلق بسلامتهم الشخصية وجودة المخدرات التي يحصلون عليها، فضلاً عن أن هذه التطبيقات تمنحهم "أماناً كاذباً" للهروب من الشرطة، وهو ما يعني إمكانية الإيقاع بهم.
الدراسة وجدت أن سهولة تنظيم التوزيع والنقل كانت الميزة الرئيسة لدى الجميع لاستخدام التطبيقات، وهو ما أقره 79% من المشترين.
ومن المزايا الأخرى المتصوَّرة أن التطبيقات "أتاحت فرصة لتقييم جودة المخدرات وسلامتها"، حيث يعرض التجار صوراً ومقاطع فيديو لهذه المخدرات؛ لطمأنة المشترين.
ويختار المروجون الشبابَ والمراهقين لبيع تجارتهم من المخدرات، وهو ما تؤكده جهات سعودية متخصصة؛ لا سيما في أوقات الامتحانات، حيث يبحث الطلاب عن حبوب تمكنهم من التركيز في الدراسة.
في وقت سابق من العام الماضي، حذَّرت اللجنة الوطنية السعودية لمكافحة المخدرات أولياء أمور الطلاب والطالبات من خطورة أيام الاختبارات على سلوكيات أبنائهم، مطالبةً بالتيقُّظ إلى ما قد يبدو على الأبناء أو البنات من تغيرات سلوكية في هذه الفترة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم اللجنة، بندر الرميحي، في بيان، أن ترويج الكبتاغون ينشط بين الطلاب في أيام الامتحانات، تحت تسميات وأوصاف مختلفة، مثل "حبوب السهر" و"عقاقير التركيز"، لافتاً النظر إلى أن "الطلاب يروّجونها بينهم، معتقدين أنها تحسّن الحفظ"، مشيراً إلى أن "المُروِّجين يستغلون هذه الأيام لاصطياد أكبر عدد ممكن من الضحايا".
لكن.. لماذا يُستهدف الشباب؟
استهداف مروجي المخدرات للشباب له أسباب عديدة، بحسب الخبيرة الاجتماعية نورا نحاس.
وأوضحت أن من الأسباب التي تساعد في ترغيب الشباب في تناول المخدرات، "ضعف الوعي بأهميته ودوره في المجتمع، وقلة ثقته بنفسه، أو حبّه للمغامرة والتقليد"، مبينة أن "هذا ما يحصل في الغالب، لا سيما بين المراهقين".
وأضافت أن المراهقين يرغبون في الظهور بشكل أكبر من أعمارهم، وهم لا يبالون بعُرف أو مجتمع؛ وعليه يكسرون القواعد بتجربة تعاطي المخدرات أول مرة؛ ومن ثم تبدأ رحلة الإدمان.
وتابعت الخبيرة الاجتماعية أن "رفقة السوء" تؤدي دوراً كبيراً في لفت بعض الأشخاص إلى مثل هذا السلوك المنكر، لا سيما مروجو المخدرات؛ فهم يعرفون زبائنهم المستهدَفين جيداً، بحسب قولها.
وذكرت أن من الأسباب أيضاً التي تدفع الشخص إلى تعاطي المخدرات، "وقوع أحدهم فريسة اكتئاب أو خلاف مع عائلته أو تعرُّضه لصدمة كبيرة، أو فقد أحد يحبه أو تدهور حالته الاقتصادية أو مستواه الدراسي وغيرها من الأسباب"، مؤكدة أن "الأسباب كثيرة، ولكن آثار ذلك أكبر بكثير".
وتجد أن مشكلة تعاطي المخدرات "تفاقمت بالآونة الأخيرة، في ظل التدهورات الأسرية والاقتصادية وحتى السياسية، فترى الشباب تحت ما يسمى الحرية الشخصية، قد تمادوا كثيراً في سوء التعامل مع الوالدَين والمعلمِين وحتى الجهات المسؤولة".
وقالت نحاس: إنه "ليس خافياً ما تجرُّه المخدرات من ويلات مصاحبة لذوي المدمن؛ نتيجة تغيُّر طباعه ونزقه وعنفه في أغلب الأحيان، وفي بعضها قد يلجأ إلى السرقة، ليحصل على جرعته المعتادة".
وواصلت تقول: "ولا ننسى الانحلال الأخلاقي الذي يتجلى في التحرش والاغتصاب، ومحاولة توريط أشخاص آخرين، ليخفف الشخص المتعاطي عن نفسه الشعور بالذنب، أو للحصول على مصدر ربح إضافي، ليشتري حصته اليومية"، مستطردة: "أضِف إلى ذلك تدهور صحة المدمن العامة وانفلاته من مسؤولياته، سواء أكان طالباً أم زوجاً أم أباً".
ارسال التعليق