مناهج التعليم #السعودية : خدمة النظام هدف أول (3/4)
بقلم: صالح البقشي...
تعليقاً على "ورشة" التعديلات والتغييرات التي يجريها النظام السعودي على مناهج التعليم، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنه تمّ تطوير البرامج التعليمية "ليلبي احتياجات وطموح جميع شرائح المجتمع، من خلال تطوير رحلة تنمية القدرات البشرية بداية من مرحلة الطفولة، مرورًا بالجامعات والكليات والمعاهد التقنية والمهنية، وصولاً إلى سوق العمل".
لكن الحقيقة تكمن في مكان آخر متصل بمصالح النظام الذي يحرص ابن سلمان على أن تخدم كل تحركاته وسياساته، بدءًا من الترفيه مروراً بتصفي، المشاكل الخارجية وصولا إلى مناهج التعليم، على بنائه وتهيئته بما يتلاءم مع رضا الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، عن طموحه السلطوي المستقبلي.
تساوق الخطاب الإعلامي مع أهداف النظام:
تاريخيا، حرص النظام السعودي على توحيد الخطاب الإعلامي بما يوافق التوجهات السياسية. على سبيل المثال، عام 2019، ومع استعار أزمة العلاقات التركية – السعودية على خلفية حادثة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، وتزامنًا مع إعلانها الحرب على "التيار السروري" ممثلاً بجماعة الإخوان، ظهرت تعديلات على نسخٍ من منهج التاريخ تصف الدولة العثمانية بـ"الغازية" في معركة تربة مع الدولة السعودية الأولى.
ومع حلول عام 2020، كان النظام السعودي قد أدخل تغييرات واسعة في مناهجه، تناول القسم الأكبر منها تعديلات تمهّد لقبول الشارع السعودي بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. هذه التحولات كانت محط ترحيب من المبعوثة الأميركية، يالخاصة لمكافحة معاداة السامية ديبورا ليبستاد، خلال زيارتها الأخيرة إلى الرياض عام 2022.
دوافع التغيير:
التغيير و"الانفتاح" الذي طرأ على سياسات النظام السعودي يمكن النظر إليه من زاوية كونه نتيجة لمآلات التغيّر في النظام العالمي الآخذ في التشكّل. فصعود الصين ومبادراتها " الحزام والطريق" تستدعي من نظام يستولي على قلب العالم الإسلامي أن يبحث عن دورِ ريادي له يجعله مستفيدا من المتغيرات السياسيّة والاقتصاديّة، وغير ذلك يعني العزلة والتقهقر والانطواء لأن الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للناتج القومي وعدم تنويع الاقتصاد سيجعل من النظام السعودي نظاما متخلفا في العقود المقبلة.
شكّلت الصراعات السياسية على مر العقود الماضية يوميات الشرق الأوسط، وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي المحرّك لتلك الصراعات التي أفضت إلى سيطرة الأخيرة على منطقة الشرق الأوسط وتعزيز نفوذها العسكري والأمني والاقتصادي.
شكّل الوجود العسكري الأميركي الحماية لأنظمة الدول الخليجيّة التي ساهمت بإمداده بكل ما يحتاج من أموال وشرعنة لبقائه وانخرطت في المشاريع التي قامت بها الولايات المتحدة كإنشاء القاعدة لمحاربة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان.
وخلال العقدين الماضيين انخرط النظام السعودي في المشروع الأميركي بالعراق ومن بعده سوريا ودعم جماعات متطرفة وأمدها بكل ما يلزم من مالٍ وعناصر فتكرست صورة للنظام السعودي المرتبطة بتصدير الإرهابيين الوهابيين إلى شتى بقاع الأرض ورغم ذلك فالاستثمار السياسي وتحقيق النفوذ والمصالح كما أرادته دوائر الحكم في النظام السعودي لم يتحقق.
كان ينقص النظام السعودي أن يُهدّد بأمنه القومي ومن ما يعتبره حديقته الخلفيّة أي اليمن كما ادّعى، حيث شنّ عدوانا عسكريا طال أمده وانتقل فيها التهديد إلى الجبهة الداخلية التي قصفت بالعديد من المرات وكانت ضربة أرامكو عصب الاقتصاد السعودي من أصعب الضربات اقتصاديا ومعنويا، ولم تنفع معها الادعاءات الأميركية بحماية النظام من الأخطار الخارجيّة فكان لا بدّ من إعادة قراءة واقعيّة لحجم التهديدات ونقاط الضعف.
تزامن ما ترنح به النظام السعودي مع إستراتيجية اميركية لإعادة التوازن مع الصين وانكماش استراتيجي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ورغبة في الانفتاح على إيران لأنّ لها دورا كبيرا في التهديدات الكبرى للأمن القومي الأميركي.
واستدارت أميركا إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) وأقامت اتفاقيات تطبيع لمجموعة من الدول العربية مع الكيان الصهيوني فيما عًرف باتفاقيات أبراهام وذلك لكي تملأ "إسرائيل" الفراغ الناشئ عن الانكماش الأميركي.
محاولة فرار سعودية:
وفي ظل التغيّر الجيوسياسي في العالم وانطلاق الحرب الروسية الأوكرانية اتجه النظام السعودي لإيجاد سبل للخروج من السياقات والتقيدات السياسيّة السابقة والقيام بما يُمكن أن يُسمى محاولة فرار من الواقع لتبريد منطقة الشرق الأوسط وتصفير المشاكل، فكان الاتفاق مع إيران وبرعاية صينيّة إعلان عن بدء مرحلة سياسيّة ونهج مختلف في إدارة الصراعات عبر الأطر الدبلوماسية.
وتمثلت السياسة السعودية بالانفتاح وتنويع الخيارات شرقا وغربا إذ أخذت بالخروج من العدوات السابقة، وبرز تحولان طويلا الأمد أخذ بهم النظام السعودي فلم يعد الأمن مقابل النفط قائما لاستغناء الولايات المتحدة عن النفط السعودي وتحولها إلى مصدر للنفط في العالم، والتحوّل الثاني صعود الصين التي أصبحت أكبر مشترٍ للنفط السعودي وأكبر مورد للسعودية نظام.
ما تقدّم دفع السعوديين للبدء في مسار من لتحوّل ولاءات لأن فترة القطب الأوحد الأميركي ولّت، والسعوديون فهموا ذلك وراحوا يرمون إلى خياراتٍ أخرى والتأرجح على حبال الأقطاب العالميين.
دوام الحكم:
وعليه، يحتاج محمد بن سلمان، الذي يتطلّع إلى حكم يدوم خلال الخمسين سنة المقبلة، إلى الاستفادة من السنوات المتبقية من الوفرة المتمثلة بالنفط للتحوّل إلى دولة قادرة على الاستمرار من خلال استغلال الموارد الأخرى سواء الطبيعيّة أو المعدنيّة وقبل كل شيء البشرية والانتقال إلى الاقتصاد المتنوّع مع ضرورة إجراء تغييّر جذري ومهني.
وبوصفه أحد القادة الخليجيين الجدد، تقول الباحثة في جامعة إدنبرة في اسكتلندا، ميرا الحسين، إن "قادة دول الخليج الجديدة حديثون وذوو تفكير تقدمي وميول علمانية ـ وكل ذلك يهدف إلى جذب جمهور خارجي محدد إلى دولهم… هذا الأمر طموح للغاية للحكومات أن تقوم فجأة بـ180 درجة (منعطف) وتبدأ في الوعظ بالتسامح. إن الاعتماد على ذاكرة الناس القصيرة مضلل في هذه الحالة".
وعلى الرغم من أن التغييرات في الكتب المدرسية ملحوظة، إلا أنه ينبغي النظر إليها في سياقها، خصوصا وأن المناهج الدراسية السعودية خضعت لتدقيق مكثف في الغرب بعد هجمات 9/11.
وقالت كريستين ديوان، كبيرة الباحثين المقيمين في معهد دول الخليج في واشنطن، إن التغييرات الأخيرة تتماشى مع التوجه السياسي الجديد للنظام السعودي "مع أهمية الأسرة الحاكمة في شرعيتها". فعلى مدى عقود، سعى النظام إلى الحصول على الشرعية في الداخل والخارج من خلال وضعه كمهد الإسلام وموطن أقدس موقعين، لكن تحرك في السنوات الأخيرة نحو شكل أكثر علمانية من القومية.
لا شك في أن محمد بن سلمان، يحاول استرضاء الولايات المتحدة بتعديل المناهج التعليمية وإلقاء تهمة التطرف على الإخوان المسلمين تارة وعلى "الماضي" تارة أخرى. إلا أنه يبدو عازما على إزالة أية عوائق قد تواجه مشروع حكمه المستقبلي، خصوصا وأن تعديل المناهج وفق الرؤية والحاجة الأميركية هو مطلب قديم لواشنطن.
عزم ابن سلمان هذا ظهر في مارس 2018، عندما قال في مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الموجه إلى الجمهور الأميركي، إنّ "المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، وما زال البعض منهم موجوداً، لكن، في القريب العاجل سيقضى عليهم نهائياً". وأكد أنّ النظام التعليمي المتشدد بسبب التيارات الإسلامية التي اختطفت الدولة سيعدّل قريباً.
يبدو أن هذه المرحلة هي الوقت المناسب للإعلان عن بدء سريان المناهج الجديدة. هذه المرحلة حيث الحاجة لرضا واشنطن المنزعجة من سياسات الرياض المتعلقة بأسعار النفط خصوصا، وتل أبيب التواقة إلى إدخال ابن سلمان حظيرة التطبيع.
ارسال التعليق