وفد بريطاني يتجه للسعودية: لتبييض صورتها الاجرامية
في خطوة تثير استياء واسعاً وتساؤلات حول ازدواجية المعايير، تقود وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، وفداً رفيعاً من كبار قادة الأعمال لزيارة "السعودية"، البلد الذي تُوجّه له إنتقادات على نطاق واسع بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وتُعد هذه الزيارة، التي بدأت يوم أمس الاثنين، الأولى لوزير مالية بريطاني للخليج منذ ست سنوات، ومن المتوقع أن تلتقي ريفز خلالها بكبار أفراد عائلة آل سعود وممثلي الإدارة الأميركية وشخصيات أعمال عالمية. وتأتي في خضم جهود حثيثة من لندن لإبرام اتفاقية تجارية مع مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم إلى جانب "السعودية" كلاً من البحرين والكويت وعُمان وقطر والإمارات.
وتأمل الحكومة البريطانية في أن تضخ هذه الاتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 1.6 مليار جنيه إسترليني للاقتصاد البريطاني سنويًا، وفقاً لتقديرات الإعلام البريطاني. كما يُتوقع أن تُسهم بـ 600 مليون جنيه إسترليني إضافية في أجور العمال البريطانيين السنوية على المدى الطويل.
وفي سياق تبرير هذه الزيارة التي تتعرض لانتقادات حقوقية، صرحت ريفز بأن "أولويتنا الأولى هي النمو، لذلك فإنني آخذ عرض بريطانيا – المتمثل في الاستقرار والمرونة التنظيمية والخبرة العالمية – مباشرة إلى أحد أهم مراكز التجارة والاستثمار في العالم، مما يجعل هذه القضية تصب في مصلحتنا الوطنية".
كما أضافت المسؤولة البريطانية أن الحكومة عازمة على المضي "أبعد وأسرع في الشراكات التي تخلق فرص عمل جيدة وتعزز الأعمال وتجلب الاستثمار إلى المجتمعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة"، وذلك بعد التوصل إلى اتفاقيات مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند.
تجاهل لنداءات الحقوقيين والنقابات:
من المرجح أن يواجه هذا التوجه البريطاني انتقادات جديدة من النشطاء الذين سبق أن شددوا على أنه لا ينبغي للمملكة المتحدة الحصول على أي اتفاق دون التزامات قانونية في مجالات مثل تحسين حقوق الإنسان.
وكان مؤتمر النقابات العمالية من بين الجهات التي حثت على توخي الحذر الشديد بشأن الاتفاقية، معرباً عن مخاوفه للوزراء. إذ أفاد بالقول إن "وجهة نظرنا بشأن الصفقات التجارية متسقة: ينبغي على الحكومة ألا تُبرم صفقات مع دول تنتهك حقوق الإنسان وحقوق العمال، وتنتهك القانون الدولي".
ومن المتوقع أن تنهي ريفز سلسلة من الاستثمارات بين البلدين هذا الأسبوع، وتتزامن هذه التحركات مع استعداد الحكومة البريطانية لميزانيتها الثانية في 26 نوفمبر، حيث يتزايد الضغط على وزير المالية للإعلان عن زيادات ضريبية إضافية لسد عجز مالي قد يصل إلى 30 مليار جنيه إسترليني.
وستسعى ريفز خلال مشاركتها في منتدى فورتشن العالمي بالرياض، وكذلك في مبادرة الاستثمار المستقبلي، المُلقبة بدافوس في الصحراء وفقاً لـ "ذا غارديان"، إلى إقناع قادة الأعمال العالميين بأن المملكة المتحدة وجهة جيدة للاستثمار في ظل حالة عدم اليقين العالمي.
ويضم الوفد المرافق لوزيرة المالية كبار قادة الأعمال البريطانيين، من بينهم الرؤساء التنفيذيون لبنوك كبرى مثل "باركليز" و "إتش إس بي سي"، بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة شركة "جلاكسو سميث كلاين"، والرئيسة التنفيذية لبورصة لندن.
وتقدر الحكومة أن قيمة التجارة مع دول الخليج تبلغ حوالي 59 مليار جنيه إسترليني سنويًا، بحسب تقديرات "ذا غارديان"، ويُعد سابع أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة. ومن المتوقع أن تزيد الاتفاقية المقترحة حجم التجارة بنحو 16%، في الوقت الذي تُعد فيه صناديق الثروة السيادية الخليجية، بما فيها السعودية، من أكبر المستثمرين الأجانب في المملكة المتحدة، حيث اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة 15% في مطار هيثرو العام الماضي، كما أشارت الصحيفة.
وسبق أن حذّرت منظمات حقوقية من تقارب الحكومة البريطانية من دول الخليج. قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في وقت سابق أن بريطانيا من خلال اتفاقية التجارة تخاطر مع دول مجلس التعاون الخليجي بالمساهمة في الانتهاكات ضد العمال المهاجرين، من خلال تسهيل المزيد من إساءة استخدام الأجور، واستغلال أصحاب العمل، والمواقف التي ترقى إلى مستوى العمل القسري. معتبرة أنه ينبغي على المملكة المتحدة أن تصر على أن اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج تشمل تحسينات ملموسة في مجال العمل وغيرها من الحقوق، وخاصة للعمال المهاجرين.
كما تحدثت المنظمة عن ماضي بريطانيا الاستعماري وارتباطه بأشكال الانتهاكات العمالية الحاصلة في دول الخليج، حيث مارست نفوذاً كبيراً على عدد من دول الخليج. وكان نظام الكفالة، السائد في مختلف أنحاء الخليج، من ابتكارات بريطانيا إلى حد كبير خلال فترة الحماية. ويتعين على الحكومة البريطانية الجديدة أن تعمل على معالجة إرث الإمبريالية البريطانية. وما لم تلزم اتفاقية التجارة جميع الأطراف بمعالجة الانتهاكات المتأصلة في نظام الكفالة، وإدخال تحسينات تستند إلى معايير ملموسة، فقد تخاطر حكومة المملكة المتحدة بالتواطؤ في انتهاكات العمالة.
ارسال التعليق