السعودية تحاول غسل سمعتها بالإفراج عن شيخ المعتقلين
بعد خمس سنوات من توقيفه على خلفية قضايا سياسية، أفرجت السلطات السعودية، عن المحامي السعودي والإصلاحي الشيخ «سليمان الرشودي»، الذي يبلغ من العمر نحو 80 عاما، ويوصف بأنه أكبر معتقل في المملكة على خلفية قضايا سياسية.
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» اعتبرت اعتقاله عبثيا وطالبت بإطلاق سراحه فوراً، فيما اعتبرته منظمة العفو الدولية سجين رأي وطالبت بالإفراج الفوري عنه دون شروط.
حصل «الرشودي» على الماجستير من المعهد العالي للقضاء عام 1971، ليعمل قاضيا مساعدا في المحكمة العامة بالرياض ثم قاضيا في دولة الإمارات، ثم استقال من عمله وتفرغ لعمله في المحاماة، وتولّى الدفاع عن معتقلين معارضين في قضايا سياسية.
وأنشأ «الرشودي» في عام 1976 مكتب محاماة خاصا به، كما كان له حضور في مجالس العلم في المملكة، حيث لازم دروس الشيخ «عبدالعزيز بن باز» عشر سنوات، كما روت ابنته «بهية» في وقت سابق. وبرز النشاط السياسي لـ«الرشودي» مع بداية تسعينات القرن الماضي، حيث قام بالتوقيع على عدد من خطابات المناصحة، والمطالبة بالإصلاح، التي وجهت للحكومة، كما شارك في مسيرات تندد باعتقال الإصلاحيين. وكانت أولى مشاركاته المنظمة توقيع مذكرة النصيحة التي سُلّمت للملك فهد في 6 مايو1991، شملت مطالبات عديدة بالإصلاح، حيث أعلن بعدها الملك «فهد بن عبدالعزيز» النظام الأساسي للحكم.
عَقب ذلك شارك «الرشودي» في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، والتي نشر بيانها التأسيسي في مايو1993، وتم اعتقاله على خلفية ذلك، ليتم الإفراج عنه بعد الاعتقال بشهرين مع منع من السفر لمدة خمس سنوات، وإغلاق مكتب المحاماة الخاص به لمدة عشر سنوات.
بعد اعتقال الشيخين «سلمان العودة» و«سفر الحوالي» عام 1994 شارك «الرشودي» في تنظيم مظاهرة أمام إمارة القصيم في بريدة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في ما عُرف بـ«انتفاضة بريدة» وسجن على إثرها 45 يوما ثم اعتقل مجددًا بعد كلمة ألقاها ضمن أحداث الصحوة وامتد اعتقاله ثلاث سنوات ونصف بدون محاكمة، انقطع بعدها «الرشودي» عن العمل السياسي المنظم.
عودة بعد انقطاع
عاد «الرشودي» في 2003 لحضور ديوانية المفكر السعودي المعارض «عبدالله الحامد»، والذي كان أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية.
ثم شارك في صياغة عريضة «رؤية لحاضر الوطن ومستقبله» التي وُجّهت لولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وركز خطاب الرؤية على حرية الرأي والتعبير، والمطالبة بمجلس شورى منتخب، وتوزيع عادل للثروة، والتخلص من الارتهان للسياسة الأمريكية.
وبعد تعنّت الدولة وعدم استجابتها للخطاب الأول، قرّرت المجموعة عام 2003 أن يكون خطابها هذه المرّة موجها للشعب مع القيادة، ليكون واضحا أنه معني بالأمر، وصادفت أن وافق الهجمات المسلحة التي تبنتها القاعدة ضد الدولة.
كان الخطاب هذه المرة معنونًا «نداء وطني للقيادة والشعب.. الإصلاح الدستوري أولًا»، وأكدوا على ذات النقاط التي سبق أن ذكروها، لكنهم طالبوا ألا يتجاوز تحقيقها مدة ثلاث سنوات. وفي 2005 قدّم «الرشودي» مع مجموعة من الحقوقيين عريضة لمجلس الشورى للمطالبة بحماية دعاة مؤسسات المجتمع المدني.
مطالب الإصلاح
وفي 2006، شكل «الرشودي» مجموعة من أبرز المحامين الناشطين لإعداد لوائح دعوى للدفاع عمّن اعتقلتهم المباحث تعسفيا بلا تُهم. وفي نهاية 2006 وبداية 2007 كان «الرشودي» يذهب مرارا إلى جدة من مقر إقامته في الرياض لحضور اجتماعات عقدها مجموعة من الإصلاحيين لمناقشة تأسيس كيان حقوقي أسموه «توسّع».
وكان «الرشودي» يرفض أن يوصف الكيان بأنه حزب لأن الأحزاب إنما توجد لتتنافس على السلطة، ورأى أن يوصف بالجمعية التي غايتها أن تكون داعية للإصلاح، مناصرة للمظلومين.
وفي 2 فبراير2007، داهمت السلطات السعودية استراحة في جدة كان يقام فيها الاجتماع الثالث لـ«توسع» واعتقلت 9 أشخاص منهم «الرشودي»، واتهموا بتمويل أعمال عنف في العراق، والتخطيط لتأسيس حزب سياسي؛ وعرفت قضيتهم لاحقًا بـ«قضية إصلاحيي جدة» أو «خلية الاستراحة» كما سماها الإعلام الرسمي.
العمل داخل المعتقل
استمر نشاط «الرشودي» داخل معتقله، فكان في 2009 أحد الأعضاء المؤسسين غير الموقعين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم). وفي مارس2011 شاركت بنات «الرشودي» في اعتصام أمام وارة الداخلية للقاء الوزير آنذاك «محمد بن نايف». وفي يوليو2011 تم إطلاق سراحه مؤقتا بكفالة ووضع تحت الإقامة الجبرية في منزله في جدة.
وفي نوفمبر2012، تم انتخاب «الرشودي» رئيسا لـ«حسم»، ليتم اعتقاله مرة أخرى في 12 ديسمبر من نفس العام، وهو في طريق سفره من الرياض إلى بريدة، قبل أن يتم الإفراج عنه أمس، بعد خمس سنوات من الحبس المتواصل.
ويأتي الإفراج عن «الرشودي» بعد أسابيع قليلة من حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات السعودية في جميع أرجاء البلاد، وطالت المئات من الأمراء والوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال، على خلفية تهم بالفساد، ما أثار جدلا داخل وخارج المملكة.
ويعتقد مراقبون، أن السلطات السعودية تحاول أن تغسل سمعتها بالإفراج عن أكبر معتقل سياسي صاحب توجه إسلامي، خاصة أنه يحظى بقدر عال من التعاطف داخليا وخارجيا.
وبحسب متابعين، فإن الرياض أرادت أن يوصل رسالة أن حملتها على الدعاة والمفكرين التي انطلقت قبل شهرين، لم تكن لتوجهاتهم الإسلامية، وكذلك فإن الحملة على الأمراء ورجال الأعمال لم تكن بدوافع سياسية، فالسلطات ذاتها تطلق سراح أحد الرموز الإسلامية البارزة، وهو في الوقت ذاته معارض سياسي له تاريخ.
ارسال التعليق