ابن سلمان ونتنياهو رحلتا التطبيع والعرش!
تزامناً مع زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن للقاء الرئيس الأميركي، وصل محمد بن سلمان إلى القاهرة، يوم الأحد، مستهلاً أول جولة خارجية له بعد تولّيه ولاية العهد في بداية الصيف الماضي.
على الرغم من أنّ التفاصيل المعلنة للزيارتين (ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في القاهرة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن) لا يربط بينهما الكثير، فإنّ مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب، بعد ساعات من لقاء كلٍّ منهما مع ضيفه، تُشير إلى أنّ ثمة رابطاً جديراً بالبحث عنه.
جولة ولي العهد الخارجية، جاءت بعدما شارفت خطته للسيطرة على الأوضاع الداخلية في المملكة على الاكتمال، عقب إصدار عدد كبير من القرارات والتحركات التي استطاع من خلالها تغيير موازين القوى داخل السعودية لمصلحته وتحييد، أو قمع، المعارضين.
وترافق ذلك مع إدخال تغييرات كبيرة على الوجه الديني والاجتماعي، مُقدِّماً نفسه بوصفه المؤسس الجديد للمملكة، وهو المظهر نفسه الذي عمل على إبرازه خلال زيارته للقاهرة حين توجّه إلى الكاتدرائية المرقسية للقاء البابا تواضروس، ثمّ حضر عرضاً مسرحياً في دار الأوبرا بصحبة السيسي. إلا أنّ جزءاً كبيراً من الزيارة لم يأخذ حقه من الضوء الإعلامي، وهو يتمثّل في اتخاذ خطوات جديدة في عملية التقارب مع إسرائيل، خاصة أنّ ابن سلمان يرى في السيسي مساعداً على هذا الصعيد؛ فخلال الزيارة إلى مصر، تمّ الاتفاق على إعطاء المملكة مساحة ضخمة من أراضي سيناء، قُدِّرت بألف كيلومتر، لمشروع «نيوم» السعودي الذي يرى الكثيرون أنه سيكون بمثابة بوابة للتعاون السعودي ــ الإسرائيلي، بعدما نجحت صفقة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في ربط المملكة بإسرائيل مباشرةً، بعد تعهّد الأولى بتنفيذ البنود نفسها التي التزمت بها مصر في «اتفاقية كامب ديفيد».
وفي الوقت نفسه الذي كان فيه ابن سلمان يوقّع اتفاقية الاستحواذ على أرض جديدة من سيناء، كان نتنياهو يعلن من واشنطن موافقة الرياض على منح شركة طيران الهند «إير إنديا» الإذن للطيران فوق أراضيها في اتجاهين «من تل أبيب وإليها»، وذلك خلال حديث له مع مراسلين إسرائيليين. وهي خطوة تباينت المواقف السعودية حولها، بين النفي غير الرسمي والامتناع عن التعليق، إلا أنّ إعلان نتنياهو للأمر من داخل واشنطن التي ستستقبل ابن سلمان في 19 من الشهر الجاري، يُشير إلى وصول الطرفين إلى الاتفاق.
جدير بالذكر أنّ نتنياهو كان قد زار واشنطن بعد أحداث «30 يونيو» 2013، في جولة دعم خلالها السيسي على المستويين الرسمي والشعبي.
وبين طرق تقديم ابن سلمان لنفسه أمام المجتمع الدولي، وسعيه لتعزيز صورته، كمقدمة لتوليه عرش المملكة، تأتي محاولة تجييش القوى الغربية ضد إيران كهدف محوري في جولته الخارجية. ذلك الهدف خصّص له جزءاً كبيراً من حديثه إلى الإعلاميين المصريين، إذ شنّ هجوماً حاداً عليها، واصفاً إياها بأحد أضلع مثلث الشر، وبأنها عدوّ لمصر مثلما هي عدوّ للسعودية، على الرغم من تجنّب مصر رسمياً لأي خطاب عدائي تجاه الجمهورية الإسلامية. وهو الملف نفسه الذي يحمله اليوم في زيارته للمملكة المتحدة، ثم لاحقاً إلى واشنطن، مرفقاً بملف الطرح الأوّلي الجزئي لأسهم شركة «آرامكو» النفطية في البورصة. وللإشارة، فقد ركّز نتنياهو على إيران خلال لقائه بترامب، إذ خصّص للملف الجزء الأكبر، وقال إنّ موضوع محادثاته المركزي مع ترامب كان «إيران إيران وإيران».
وإلى جانب الغضب الكبير الذي ينتاب العديد من المصريين جراء قرار السيسي تخصيص مساحة ألف كيلومتر من أرض سيناء لوليّ العهد السعودي، يرى كثيرون أنها ستكون بمثابة هدية لتعظيم مظهر الأمير داخل بلاده، كونه استطاع الحصول على مساحة تُقدّر بعشرة أضعاف مساحة الجزيرتين (تيران وصنافير) اللتين حصل عليهما والده الملك في زيارته للقاهرة في نيسان 2016. وبينما عبّر آخرون عن خوفهم من أن تكون تلك الأراضي جزءاً من «صفقة القرن» التي يُعِدُّ لها الرباعي «ترامب ونتنياهو وابن سلمان والسيسي»، فإنّ غالبية المؤشرات تُقود إلى أن الكثير من بنود تلك الصفقة لم يتم الاتفاق عليه بعد، ولم تستقر الأطراف على شكلها النهائي، خاصة بعد تصريح نتنياهو عقب لقاء ترامب بأنه لم يرَ أيّ مسودة أو جدولاً زمنياً للخطة الأميركية، وإشارته إلى رفض الجانب الفلسطيني الجلوس للتفاوض.
قد تكون المرحلة الأولى من «صفقة القرن» عبارة عن شراكة استثمارية بين الرباعي «مصر والسعودية والأردن واسرائيل» وفرض سياسة الأمر الواقع على الطرف الفلسطيني، مثلما حدث في قضية نقل السفارة الأميركية للقدس، رغم أنّ القاهرة والرياض أكدتا أمس «دعمهما الكامل لكافة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وعلى رأسها حقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وفقاً لمبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، واستناداً لحل الدولتين».
وكما كانت القاهرة محطة ولي العهد الأولى، ومنصةً لتقديم نفسه أمام العالم، حرص الأمير على استرضاء النظام الذي يُريد منه أن يكون حليفه القوي إقليمياً. فإلى جانب الحديث عن عشرة مليارات من الدولارات ستقدمها المملكة لصندوق مشترك يهدف إلى تنمية الجزء المصري من مشروع «نيوم» السعودي وإعادة الحديث عن جسر الملك سلمان من جديد، فقد حرص الأمير على الهجوم على خصوم النظام المصري، بدايةً من «جماعة الإخوان المسلمين» الذين اتهمهم بالشراكة مع إيران في زعزعة الأمن في مصر والسعودية، موضحاً أنه فصَلَ المنتمين إليها من هيئة كبار العلماء ومن السلك القضائي، مؤكداً عزمه على استكمال حملة «التطهير» داخل المؤسسات التعليمية وغيرها، وهذا في حديثه إلى الصحافيين المصريين. ثم انتقل إلى تركيا التي وصفها بالضلع الثاني من مثلث الشر، وأيضاً الدوحة التي حاول التسفيه من الأزمة معها، واصفاً إياها بـ«التافهة جداً». وفي هذا الصدد، أشار إلى عزمه على التأثير على الجانب الأميركي المتعاطف معها، مُستخدماً لغة الأرقام في توضيح حجم استثمارات بلده في الولايات المتحدة، والتي قدّرها بأربعة أضعاف الاستثمارات القطرية.
خروج ولي العهد نحو الساحة الدولية انطلاقاً من القاهرة، وتزامن ذلك مع زيارة نتنياهو، في زيارتين تناولتا قضايا مُشتركة، يشيران إلى تقارب شبه مُعلن، ويلقيان الضوء على أنّ الطريق الذي اتخذه الأمير للوصول إلى عرش المملكة سيبدأ بالتطبيع مع إسرائيل، معزَّزاً بالتحالف المتين مع أقرب الأنظمة العربية إليها… الذي يطمع هو الآخر في استمرار الدعم السعودي السخي.
ارسال التعليق