على الرياض ترك الغطرسة للخروج من مأزق اليمن
كما يبدو هناك جهود تبذل خلف الكواليس من أجل خروج السعودية من اليمن بأقل الخسائر المعنوية، فقد نشر موقع «لوبلوغ» مقالاً لمستشار مجلس التعاون الخليجي نيكولاس دونيس، أشار فيه إلى أن مبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، دعا مؤخراً في مقال نشرته صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية، إلى إنهاء لحرب اليمن قبل أن تتوسع إلى حريق إقليمي واسع النطاق.
ويؤكد دونيس أن على السعودية أن تعترف بفشلها في تدخلها الكارثي، وهو اعتراف صعب في وقت تعزف فيه الرياض على وتر القومية. وأشار الكاتب إلى أنه «عندما قررت القيادة السعودية أن تدخل في اليمن كانت تتوقع أن تأخذ صنعاء خلال أشهر قليلة، فالسعودية واحدة من أكثر 5 دول في العالم من حيث النفقة على السلاح، ووجود المعدات العسكرية الرائعة يعني براعة عسكرية موازية، أو كان الأمل هكذا، وبسبب مزيج من قلة التخطيط وقلة الخبرة القتالية والتردد في التضحية بالدماء السعودية للتخفيف من معارضة الحرب، فإنه تم استدعاء قوات أجنبية للدعم، لكن حتى بمساعدة الإماراتيين والأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والسودانيين والأردنيين والمغاربة، وغيرهم الكثير، فإن الحوثيين ظلوا متخندقين في شمال اليمن».
ولفت دونيس إلى أن «اندلاع حملة جوية والبدء بحصار اقتصادي أديا إلى خسائر كبيرة في الأرواح، ودمار للبنية التحتية، ما دفع الأمم المتحدة للدعوة لوقف الأعمال العدائية، والعودة لطاولة المفاوضات، لكن في وقت كانت تسعى فيه السعودية لإثبات قوتها العسكرية، فإنها كانت ترى أن الدبلوماسية تعبر عن ضعف، ولم تعر تلك الدعوات اهتماماً، وفي الوقت الذي بدأت فيه الصواريخ الحوثية تصل للسعودية بانتظام أكبر، لم تكن السلطات قلقة أكثر من اللازم بشأنها. ويقول الكاتب: «تم تجاهل اقتراحاتي بالنظر إلى التهديد الصاروخي بشكل أكثر جدية، ومن خلال علاقاتي الأكاديمية في أوروبا اقترحت بسذاجة احتمال فتح مفاوضات غير مباشرة مع القيادة الحوثية، مفترضاً أن قناة حوار خلفية لم تكن موجودة، فلم يتم إهمال الاقتراح فحسب، بل أدى إلى تساؤلات حول دوافعي ومصلحتي، وكأن محاولة حل خطر قومي عن طريق الحوار أمر بغيض، خاصة مع الثقة بأن القوة العسكرية وحدها كافية لسحق مجموعة من المسلحين من هناك، يحاربون بالكلاشنكوفات، وفي الأشهر التي تبعت ذلك استمرت الصواريخ في اختراق الأجواء السعودية، وأتبعت ذلك الطائرات المسيرة القاتلة، التي تسببت بدمار واسع في مناطق جيزان ونجران وأبها بالقرب من الحدود اليمنية، ثم بدأت تصل منشآت الطاقة إلى الشمال، وآخرها منشأة بقيق».
ويرى دونيس أن «السعودية لا يمكن أن تكون قادرة على استمرار التصعيد، فبالرغم من الدعم الصوتي الذي يقدمه دونالد ترامب، إلا أنه ليس من المتوقع أن يغامر بحريق شامل في المنطقة، كما أن السعودية غير قادرة على ضرب إيران إن ثبت أن الهجمات كان مصدرها إيران، وكون إيران والحوثيين متشجعين بسبب نجاحهما، فإنه يمكن للوضع فقط أن يسوء، وللخروج من هذه الدوامة يجب أن يكون تركيز السعودية منصباً على التفاوض مباشرة مع الحوثيين، وإعادة نفوذ المملكة في جبال اليمن.
ويشير الكاتب إلى أنه «مع اقتراب انتهاء العقد الأول من الألفية، حصل هناك تطوران مهمان أديا إلى خسارة السعودية لنفوذها شمال اليمن، في 2005 مرض الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي كان يرأس اللجنة الخاصة لأكثر من عقد، حيث تراجعت صحته العقلية واحتاج للعلاج في أمريكا، وفقد تركيزه على اليمن، وبدأ تمويل قبائلها يتراجع، وزاد من تفاقم الأزمة وفاة عبدالله الأحمر عام 2007، تاركاً خلفه عشرة أولاد أدت خلافاتهم السياسية إلى إضعاف وحدة القبائل، ما جعل الأمر أصعب في تأمين المصالح السعودية، ومع وفاة الأمير سلطان عام 2011 بقيت اللجنة الخاصة بالاسم فقط،
وكانت هناك تغيرات مزلزلة تقع في اليمن أدت في المحصلة إلى استيلاء الحوثيين على العاصمة، صنعاء». ويجد دونيس أن هناك حاجة ملحة للسعودية لإعادة نفوذها، لذا فمن الضروري إعادة الخبراء السعوديين البارزين الذين أدوا دوراً فعالاً في اللجنة الخاصة، وهذا هو حال الدكتور مساعد العيبان الذي اكتسب خبرة لا مثيل لها في الشؤون القبلية، بفضل مشاركته في ترسيم الحدود بين السعودية واليمن عام 2000، والخبراء مثل العيبان يجب أن يشاركوا في جهود دبلوماسية موازية للجهود التي تبذل في الأمم المتحدة، حيث تتفاعل السعودية مباشرة مع الحوثيين، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق كامل أو جزئي للنار. ويرى الكاتب أنه «لينجح هذا الأمر، فإنه يجب على السعودية ضمان مكان للحوثيين في الحكومة اليمنية، والتزام بإعادة بناء البنية التحتية التي تم تدميرها، وتحتاج السعودية أيضاً لتوفير ضمانات بشأن نفوذها الديني في المناطق الزيدية في شمال اليمن، في الوقت الذي يلتزم فيه الحوثيون بعدم شن هجمات عبر الحدود ضد السعودية، والأهم من ذلك إنهاء علاقتهم بإيران وحلفائها».
ويختم دونيس مقاله بالقول إنه «بتفضيل الدبلوماسية على المواجهة، فإن السعودية ستثبت بأنها لاعب ناضج على الساحة الدولية، وفي الوقت ذاته تفند ادعاءات المنتقدين، وإن كانت العزة بالإثم تمنع من حصول ذلك فيمكن تذكر ما قاله أتال فاجبايي: (الدبلوماسية الصامتة أكثر فعالية من الاستعراضات العامة)».
ارسال التعليق