بعد التراشق بينهما.. هل تسحب الرياض البساط الإعلامي من تحت أبوظبي؟
التغيير
في السنوات الأخيرة، أغدقت أسرة آل سعود من أموال الشعب على وسائل الإعلام المملوكة علناً أو خفيةً للقصر الحاكم، وتحولت وسائل الإعلام لشركات دعاية خاصة خاضعة لسلطة الأمراء أو رجال الأعمال المقربين.
وعلى الرغم من أن حكومة آل سعود تمتلك منظومة إعلامية كبيرة، لكن عدداً من وسائل الإعلام تلك تتواجد في الإمارات، حيث تمولها الرياض وتتبنى سياستها، وفي مقدمتها قناتا "العربية" و"الحدث"، إضافة إلى صحيفة "إيلاف" الإلكترونية.
وتعد قناتا "العربية" و"الحدث" من أبرز وسائل الإعلام الموجودة في دبي، والتي تعمل على إظهار سياسة آل سعود وتمضي وفق سياسات تتخذها الأسرة الحاكمة في الرياض، وهو ما يعتبر انعكاساً مباشراً للتوجهات السعودية، لكن وجودها في الإمارات يجعلها محل شك من تدخلات أبوظبي في بعض سياستها.
وأظهرت القناتان ما ترغب فيه أسرة آل سعود في مختلف الأزمات والخلافات التي تتعرض لها هذه العائلة وكان أبرزها حرب اليمن، وحصار قطر، ومقتل خاشقجي، والحرب في ليبيا، وغيرها من الملفات والأزمات الشائكة التي تعصف بالمنطقة.
سيطرة على الإعلامفي أبريل الماضي، ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن النظام السعودي طلب من مؤسسات استشارية بمجال الإعلام في باريس رسم خطوط عريضة للمشروع، والبدء فيه لتكون مدينة إعلامية كبرى تنافس "مدينة دبي للإعلام"، التي تضم كثيراً من وسائل الإعلام السعودية الخاصة.
وأوضحت أن نظام آل سعود يسعى للسيطرة على الإعلام الإقليمي، ونزع السلطة الإعلامية من يد نظام أبوظبي، الذي يسيطر الآن إلى جانب القاهرة على أغلب وسائل الإعلام في المنطقة، حتى إن أغلب الصحف الخاصة والقنوات التلفزيونية السعودية تصدر من مدينة دبي للإعلام، وهو ما يقلق النظام السعودي، الذي يبدو أنه يتطلع إلى السيطرة على إعلام المملكة وإعلام المنطقة العربية.
وذكرت أن المملكة تسعى لتأسيس مدينة إعلامية في المنطقة الشرقية في السعودية لتكون مجمعاً لوسائل الإعلام السعودية، وتكون خاضعة بالكامل لسيطرة الحكومة، وهو ما اعتبرته ينذر بصدام بين الرياض وأبوظبي، التي تحتضن حالياً جل وسائل الإعلام السعودية الخاصة، وتخضع لسلطة أبوظبي بشكل مباشر، خصوصاً مع امتلاك ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان، طموح منافسة ولي عهد أبوظبي؛ من خلال إنشاء مدينة إعلامية تضم جميع وسائل الإعلام السعودية وسحبها من الإمارات.
كما أشارت إلى أن خبراء فرنسيين في مجال الإعلام يعكفون على رسم تفاصيل المشروع بما يحقق للنظام السعودي تطلعاته.
وكانت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع التابعة لآل سعود ، قالت في 2017، إن مشروع المدينة الإعلامية "هو مشروع وطني ضمن برنامج التحول الوطني ٢٠٢٠، وسوف يتم إطلاقه حينها.
وتأخر الإعلان عن إطلاق المدينة الإعلامية السعودية، حتى أغسطس الماضي، بعدما برزت تحركات سعودية نحو هذه الخطوة، بعد الخلافات التي شهدتها وسائل الإعلام السعودية والإماراتية في التعامل مع أزمة اليمن.
تناقُض في أزمة اليمن الأخيرةخلال السنوات الأربع الماضية، كانت وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية تمضي بالطريق نفسه المرسوم لسياسة البلدين في اليمن، والداعم للشرعية اليمنية، ومحاربة أنصار الله، إضافة إلى شيطنة حزب الإصلاح، أحد أكبر الأحزاب اليمنية.
لكن التطورات باليمن، والتي بدأت بانقلاب موَّلته الإمارات في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، في 10 أغسطس 2019، بعد دعمها مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، وصولاً إلى مطالبة الرئيس اليمني السعوديةَ بطرد الإمارات من التحالف، عكَست تناقضاً بين وسائل إعلام آل سعود ونظيرتها الإماراتية.
ولعل تصدُّر قناتي "العربية" و"الحدث" ووسائل إعلام أخرى سعودية موجودة في دبي للأحداث باليمن، ونشرها بيانات الحكومة اليمنية التي تتهم الإمارات صراحةً بتمويل الانقلاب على الحكومة، وضعا تساؤلات حول مدى استمراريتها في تلك السياسات، وكيف ستتعامل معها الحكومة الإماراتية.
ويقول عبد الرحمن السلامي، أستاذ الإعلام المتخصص بالشأن اليمني: إنه "من غير المنطقي أن تتبنى وسائل الإعلام السعودية الموجودة بالإمارات تلك الحملة الموجهة ضد الإمارات بتبنّي فكرة الحياد المزعوم".
ويضيف السلامي في تصريحات صحفية: الحقيقة أن "السياسة في تلك القنوات والصحف والمواقع ظلت خطاً أحمر، والاقتراب منها لا يكون إلا بالحرص الشديد على التوافق مع ما تمليه سياسات القصر الحاكم، داخلياً وخارجياً".
بن سلمان ينفرد بالإعلاموأوضح أن ذلك النمط مستمر منذ تأسيس وسائل الإعلام السعودية أو التي تمولها، مشيراً إلى أن الأمر "استتبَّ على هذا النظام، حتى جاء بن سلمان بسياسات لا تختلف تماماً عن ذلك، غير أنها اتسمت بالتهور".
وأضاف: "في حين كانت وسائل الإعلام السعودية موزعة على اتجاهات وتيارات مختلفة داخل الأسرة الحاكمة، تحت مظلة سياسات القصر، جاء بن سلمان ليغير قواعد اللعبة الراسخة، بأن جعل زمام كل شيء في يده منفرداً، وتحوّلت -وضمن ذلك وسائل الإعلام- إلى أبواق دعائية أحادية التوجه، ويديرها رجالاته المقربون، وذلك بعد أن أخضعها بالقوة".
ويؤكد أن ما تفعله قناتا "العربية" و"الحدث" وبقية وسائل الإعلام يندرج في إطار سياسات ولي عهد آل سعود وأنه من غير الممكن أن تقوم وسيلة إعلام تتبعه بأي توجُّه دون موافقته.
ورغم أن وزير الخارجية عادل الجبير، رفض اتهامات الحكومة اليمنية للإمارات، في منتصف أغسطس 2019، بالوقوف وراء انقلاب عدن، عكس ما كانت تبثُّه قناتا "العربية" و"الحدث"، يقول السلامي: إن "الرياض لا تريد أن يظهر الخلاف مع أبوظبي إلى السطح، واتخذت من وسائل إعلامها منبراً لتوجهها سواءً استمر الخلاف أو توقف".
ضوء أخضر لمهاجمة "العربية"في المقابل رغم الموقف الرسمي الإماراتي الذي يمجد العلاقات الوطيدة مع آل سعود، فإن أبوظبي -على ما يبدو- قد أعطت ضوءاً أخضر لسياسيين وناشطين مقربين منها أو وسائل إعلامية تمولها، لمهاجمة وسائل الإعلام السعودية، وعلى رأسها قناة "العربية".
رجل الإمارات في عدن هاني بن بريك، قائد مليشيا الانفصاليين، شن هجوماً على قناة "العربية" واتهمها بالأخونة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وريبة بشأن هذا الهجوم المفاجئ على قناة تعد واجهة الإعلام السعودي والمملكة حليفة الإمارات.
وكشفت تغريدة لنائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي الفريق ضاحي خلفان، المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، سبب انقلاب الإمارات المفاجئ على السعودية وشن حملة ممنهجة على قناة "العربية"، لسبِّها وشيطنتها واتهامها بـ"الأخونة".
وقال خلفان -الذي لا يغرد من رأسه- في تغريدة بـ"تويتر"، مرفقاً صورة تُظهر القوات الشرعية اليمنية وهي تدوس عَلم الإمارات بالأقدام، بعد سيطرتهم على معسكر تابع للمجلس الانفصالي، معلقاً عليها: "شكراً لقناة الحدث وهي تعزز هذه الصورة وتنشر صور من يتفاخرون بها.. التوثيق زين".
ليس ذلك فقط، بل استخدمت الإمارات سياستها مع وسائل الإعلام الموجودة في أراضيها، بتزوير تصريحات، كان آخرها نقلاً عن مصدر في "البنتاغون"، نقلها موقع "قناة الحرة" الأمريكية، قال فيها إن بلاده تقف إلى جوار الإمارات في حربها بأي مكان في العالم بما يخدم مصالحها.
لكن المسؤول الإعلامي بسفارة اليمن في الرياض عارف أبو حاتم، قال في تغريدة نشرها على "تويتر"، إن دبلوماسياً رفيعاً في الخارجية الأمريكية نفى صحة ذلك التصريح، وقال: إن "البيان منتحل ومزوَّر، وإن البنتاغون سيطالب قناة الحرة بالاعتذار".
هل تطرد الإمارات وسائل إعلام سعودية؟يقول الصحفي عبد المجيد المحجري: إن "الأزمة بين الإمارات وآل سعود ربما لم تصل إلى مرحلة الخصام في الوقت الحالي، وهو ما قد يجعل طرد وسائل الإعلام تلك مستبعَداً في الوقت الحالي".
ويشير في حديثه إلى أن سياسات آل سعود التي آلت إلى أبناء زايد في إمارة أبوظبي خلال الفترة الحالية، تجعل وسائل الإعلام السعودية تتبنى إلى حد كبير، سياسات الإمارات، رغم ما حدث مؤخراً.
ويؤكد أن الإمارات تتعامل بذكاء مع آل سعود، لأنها لا ترغب في خسارة أكبر حليف بالخليج، في سبيل تحقيق كثير من الأهداف لمصلحتها سواء في اليمن، أو بعدة دول عربية.
ويضيف: "الإمارات لا تريد أن تصعّد الأزمة غير الظاهرة مع آل سعود، ولن تتخذ هذه الخطوة حالياً، لأنها لو خسرت الرياض، فقد تخسر تحكُّمها في المشهد بالوطن العربي والذي جعل السعودية في الواجهة".
ارسال التعليق