التغيير

رصد تقرير حقوقي سنوي أصدرته مؤسسة القسط لدعم حقوق الإنسان في مملكة آل سعود تصاعد تدهور حقوق الإنسان خلال العام 2019 واشتداد القمع على المعارضة السلمية.

وذكرت المؤسسة أن الاتجاه الذي سلكه وضع حقوق الإنسان في مملكة آل سعود عام 2019 نتاجًا لتبعات جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية آل سعود في إسطنبول يوم 2 أكتوبر 2018. فقد سببت تلك الحادثة أكبر أزمة دبلوماسية لسلطات آل سعود منذ الهجمات الإرهابية على برجي التجارة العالميين في نيو يورك يوم 11 سبتمبر 2001.

في الشهر الأول لعام 2019 ، بادرت المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء والإعدام بإجراءات موجزة وتعسفًا أنييس كالامار بفتح تحقيقٍ خاص في مقتل جمال خاشقجي، أشار استنتاجه الذي قدمته لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو إلى أن جريمة قتل خاشقجي “أشرف عليها وخطط لها وأيدها مسؤولون رفيعون في مملكة آل سعود”، وأنها تعتقد أن قتله يشكل جريمةً دولية ينبغي على الدول تسعى لمقاضاة دولية، ونادت مجلس حقوق الإنسان أو مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة بالمطالبة بإجراء تحقيق جنائي فيما جرى.

لكن ذلك لم يثن سلطات آل سعود عن الاستمرار في قمعها للأصوات الناقدة، وذلك لاستمرار الدعم والمساندة من القوى الدولية الحليفة.

ورصد التقرير شن سلطات آل سعود حملات اعتقال جديدة في العام 2019 استهدفت فيها الصحفيين والنشطاء والمدونين، واستمرت محاكماتُ معتقلي الرأي، مثل محمد العتيبي وعيسى النخيفي، وناشطات حقوق المرأة المتعقلات منذ عام 2018 ، ورجال الدين مثل سلمان العودة وحسن فرحان المالكي، في محاكماتٍ تشوبها انتهاكاتٌ للضمانات الدولية للمحاكمة العادلة.

ومن انتهاكاتها لهذا العام هو الحكم على خمسة من أصل 11 فرد متّهمين في جريمة قتل خاشقجي، والحكم على ثلاثة آخرين بالسجن في محاكمة صورية حيث ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان لم يُدرَج اسمه ضمن المتهمين، وكذلك مستشاره سعود القحطاني، وبُرِّئ نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق أحمد العسيري تمامًا من أي تورطٍ في الجريمة.

كما واصلت سلطات آل سعود انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في اليمن، وهذه الانتهاكات قد تكون بمثابة جرائم ضد الإنسانية في حربٍ أدخلت اليمن في أكبر أزمة إنسانية في العالم وتسببت بمقتل أكثر من 100,000 شخص مرتبطين مباشرةً بالصراع.

وتجاوزت سلطات آل سعود في 2019 عدد الإعدامات السنوية في الأعوام العشرة الماضية، حيث وصل العدد الكلي 185 فردًا بما في ذلك 37 في إعدامٍ جماعي نُفِّذ يوم 23 أبريل أغلب من أعدم فيه رجال شيعة من المنطقة الشرقية.

من ناحية أخرى قامت سلطات آل سعود باستثماراتٍ كبيرة في الرياضة والترفيه كجزءٍ من رؤية 2030 الاقتصادية، وذلك في محاولةٍ منها لتلميع صورة آل سعود في الخارج والتعتيم على انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان. وضخت الملايين في حملة علاقات عامة ضخمة لجذب الفعاليات الرياضية الغربية الكبرى إلى مملكة آل سعود وفتح أبوابها للسياحة الترفيهية.

وقامت السلطات بعددٍ من الإصلاحات السطحية المعنية بتحسين وضع المرأة، بالسماح للنساء بالسفر دونَ إذن ولي الأمر ومنحها سلطة قانونية أكبر على شؤونهن الأسرية.

لكن هذه الإصلاحات لا يمكن أن ترصف الطريق للمساواة بين الجنسين في مملكة آل سعود ما دام نظام ولاية الرجل قائمًا يعيق مشاركة النساء المتساوية في صنع القرار في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويقيد تمتع المرأة بحقوقها، بما في ذلك الحق في الحركة وحقوقها في التعليم والعمل والوصول إلى القضاء والخصوصية والحياة الأسرية.

وقابلَت التفاقم في وضع حقوق الإنسان هذا جهودٌ دؤوبَة من النشطاء والمؤسسات الحقوقية في المهجر إلى جانب المجتمع المدني الدولي، مما أنتج تعبئة غير مسبوقة للمجتمع الدولي أفرزت استنكارًا علنيًا ومطالباتٍ بالمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها سلطات آل سعود.

ومن ذلك قرار من البرلمان الأوروبي في فبراير يستنكر بأشد العبارات احتجاز ناشطات حقوق الإنسان البارزات وكل من سجن لنشاطه السلمي من مدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين. نادى القرار بمنع بيع الاتحاد الأوروبي تقنيات المراقبة إلى المملكة.

وفي يونيو، حكمت محكمة الاستئناف بعدم شرعية قرار الحكومة البريطانية الاستمرار في إصدار التراخيص لبيع المعدات العسكرية إلى آل سعود.

وفي يوليو مرّر مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي قراراتٍ توقف بيع الأسلحة إلى آل سعود لم تُطَبّق نتيجة استخدام الرئيس ترامب حق النقض، وهذان مثالان فقط من بين عدة أمثلة أخرى علَّقت فيها حكوماتٌ بيع الأسلحة إلى آل سعود أعقاب جريمة قتل خاشقجي أو بسبب انتهاكات آل سعود في الحرب في اليمن.

وفي مبادرةٍ مهمة يوم 7 مارس 2019 قدمت مجموعة من 36 دولة عضوة للأمم المتحدة بقيادة آيسلندا بيانًا مشتركًا أثناء الجلسة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان تعبر عن القلق الشديد عن وضع حقوق الإنسان في مملكة آل سعود، تحديدًا فيما يتعلق بحرية التعبير، مندّدةً بأشد العبارات قتل الصحفي جمال خاشقجي.

وفي بيان مشترك آخر قُدِّمَ يوم 25 سبتمبر من 25 دولة عضوة للأمم المتحدة بقيادة أستراليا عبرت فيه عن قلقها حول ملاحقة وتخويف النشطاء وممارسات الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي الشائعة والتقارير الواردة عن تعذيب السجناء والمحاكم غير العادلة بالإضافة إلى الإعدام خارج إطار القضاء، ونادى البيان بإنهاء الإفلات من المحاسبة فيما يتعلق جريمة قتل جمال خاشقجي.

وما يبعث بالأمل هو أنّ مبادرات المجتمع الدولي هذه كان لها أثرٌ ملموس في التصدي لانتهاكات سلطات آل سعود على حقوق الإنسان، فقد قدمت السلطات تنازلاتٍ مثل الإفراج المؤقت عن أغلب المدافعات عن حقوق الإنسان، وإن كانت المحاكمة مستمرة، بالإضافة إلى تخفيف بعض الأحكام القضائية.

ولأنه من الواضح لنا أن التخاذل والصمت والتواطؤ لن يؤدي إلا لزيادة الانتهاكات، تنادي القسط المجتمع الدولي بزيادة ضغطه على سلطات آل سعود، وحثّها على اتخاذ إجراءاتٍ محددة لتحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد، كتبنّي محتوى المراجعة الدورية العالمية للسعودية في مارس 2019 التي تشكّل أداةً فعّالة لمراقبة امتثال سلطات آل سعود ومساعدتها في تحسين سجلها في حقوق الإنسان.

وقد تعهدت سلطات آل سعود وقت تبني المراجعة الدورية الشاملة بالمصادقة على المعاهدتين الدوليتين لحقوق الإنسان وضمان المساواة للمرأة واتخاذ إجراءات وقائية لتجنب الاستخدام العشوائي للقوة في اليمن، وحصر تطبيق عقوبة الإعدام على الجرائم الأكثر خطورة، ومراجعة مواد قانون مكافحة الإرهاب التي تسمح بالاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي.

وأكدت مؤسسة القسط الحقوقية أنه يتوجب على المجتمع الدولي متابعة هذه الالتزامات وضمان تطبيقها الكامل، فالتطبيق الملموس لهذه الإجراءات هو ما سيحدد في النهاية ما إذا كانت سلطات آل سعود صادقةً في رغبتها في الإصلاح أو عازمة على الاستمرار في تجاهل بل وانتهاك حقوق مواطنيها في داخل مملكة آل سعود وخارجها.