انسِحابٌ مُفاجئ لجميع القوّات الإماراتيّة من اليمن.. ماذا عن الشريك السعودي
قبل أيّامٍ معدودةٍ من إكمال الحرب في اليمن عامها الخامس (بدأت في آذار 2015)، ودُخولها السّادس، أعلنت دولة الإمارات العربيّة المتحدة سحب جميع قوّاتها من اليمن، وترك مهمّة القِتال للجنود اليمنيين الذين درّبتهم وسلّحتهم، ويبلُغ تِعدادهم حواليّ 200 ألف جندي، وبعد “تحرير” 85 بالمِئة من الأراضي اليمنيّة، حسب ما جاء على لِسان الفريق الركن عيسى المزروعي قائد العمليّات المُشتركة الإماراتيّة في اليمن في احتِفالٍ بعودة هؤلاء.
هذا الانسحاب الرسميّ، الذي سبق إعلانه احتفالات واسعة في وسائل الإعلام الإماراتيّة بالجُنود الإماراتيين العائدين من جبهات القتال في اليمن، جاء أُحاديًّا ومُفاجئًا، أُحاديًّا لأنّه لم يتم في إطار انسِحاب مُوازٍ للقوّات السعوديّة والسودانيّة الشّريكة في التّحالف، ومُفاجئًا لأنّه لم يتم بعد مرحلة من التّمهيد والإعلان المُسبَق، ونتيجةً لاتّفاق سياسي دولي أو إقليمي.
انسِحاب القوّات الإماراتيّة التي قال الفريق المزروعي إنّ تِعدادها بلغ 15 ألف جندي، وبلغ عدد طلَعاتها الجويّة 130 ألف طلعة، وأكثر من نِصف مِليون ساعة طيران على أرض العمليّات، ومُشاركة حواليّ 90 قطعة بحريّة، يعني بداية النّهاية للحرب اليمنيّة، وانتِهاء الشّراكة السعوديّة الإماراتيّة، وفكّ “ التّحالف العربي” الذي يجمعهما.
أسئلةٌ كثيرةٌ تطرح نفسها بقوّة في هذا الإطار، أوّلها، هو عمّا إذا كان قرار الانسِحاب هذا تمّ بالتّخطيط والتّنسيق مع الشّريك السعودي في هذه الحرب؟ وثانيها، هل جاء بمُوافقة هذا الشّريك؟ وثالثها، هل سنرى انسِحابًا وشيكًا للقوّات السعوديّة أيضًا؟ ورابعها، ما هو موقف الحُلفاء اليمنيين على الأرض، أو ما يُسمّى بقوّات الشرعيّة؟ وخامِسها، هل هُناك اتّفاق سرّي جاء هذا الانسِحاب في إطاره؟ وسادسها، ما هو مصير حُلفاء الإمارات في الجنوب اليمني، و هل يستطيع هؤلاء الحِفاظ على وجودهم، وهل سيُعلِن المجلس الانتقالي الانفِصال بعدن عن اليمن مثلًا؟
من الواضح أنّ قِيادة دولة الإمارات التي اعترفت بمقتل 108 عسكريين، ولم تَكشِف عن أعداد الجرحى، أرادت تقليص الخسائر، وحماية أمنها بشقّيه المحليّ والقوميّ، و”ترطيب” العُلاقة مع إيران ومحورها، والاستِجابة لمطالب شعبيّة ترى في مُشاركتها في هذه الحرب خطأً استراتيجيًّا لأنّ فُرص نجاح الحل العسكريّ باتت صعبةً، إن لم يكن معدومةً، وعدم وجود نهاية وشيكة في الأُفُق.
المسؤولون الإماراتيّون كانوا يقولون في بداية هذه الحرب إنّهم يخوضونها لمُواجهة إيران وتمدّدها في المِنطقة، وليس من أجل عودة الشرعيّة إلى اليمن مِثلما كان يقول حُلفاؤهم السعوديون، فعُلاقاتهم مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، رمز هذه الشرعيّة، كانت مُتوتّرةً طِوال السّنوات الخمس الماضية، ولكنّ النّفوذ الإيراني في اليمن لم يتراجع، ناهِيك عن كونه لم يُهزَم، بل يزداد قوّةً مُمثّلًا بحركة الحوثي وحُلفائها التي باتت تُسيطر على العاصمة صنعاء والشّمال اليمني، وتتمدّد شرقًا وجنوبًا، وبدعمٍ من الحليف الإيرانيّ سِياسيًّا وعَسكريًّا.
هُجوم حركة “أنصار الله” الحوثيّة وحُلفائها بطائرات مُسيّرة وصواريخ كروز على مُنشآت أرامكو في بقيق وخريص، عصَب الصّناعة النفطيّة السعوديّة، وتدميرها كان نُقطة التحوّل الرئيسيّة التي دفعت بالإمارات إلى اتّخاذ قرار الانسحاب من اليمن، وإرسال وفد أمني إلى طِهران لتحسين العُلاقات، وفتح السّفارة الإماراتيّة في دِمشق، أيّ تخفيف حدّة العداء مع دول المحور الايراني.
القيادة الإماراتيّة توصّلت إلى قناعةٍ راسخةٍ، حسب مصادر خليجيّة، بأنّ التّحالف السعودي الإماراتي لن يكسب الحرب في اليمن، وأنّ هذه الحرب تحوّلت إلى استنزاف ماليّ وبشريّ، وأنّ حُلفاء إيران، أيّ الحوثيين، يزدادون قوّةً يومًا بعد يوم، وإذا كان بإمكانهم قصف الرياض وأبها وبقيق وجيزان ونجران بصواريخٍ دقيقة، فإنّهم يستطيعون أيضًا قصف دبي وأبو ظبي بكُل سهولة، وتدمير الاقتصاد الإماراتي الذي يُواجه حاليًّا صعوبات كبيرة، خاصّةً أنّ معرض إكسبو الدولي سيُعقَد في تشرين أوّل (أكتوبر) المُقبل في دبي.
تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر يوم الخميس الماضي، وأكّد أنّ دول الخليج السّت ستُواجه الإفلاس بعد 15 عامًا، نتيجة انخفاض استِهلاك النّفط وتراجع الودائع، والتّخمة في الأسواق العالميّة بسبب النّفط الصخري، مُضافًا إلى ذلك وفرة مصادر الطّاقة البديلة وحُلول السيّارات الكهربائيّة مكان تلك التي تعمل بالبنزين والديزل عام 2034، هذا التّقرير كان إنذارًا لدول الخليج بأنّ مرحلة الرّخاء والدولة الريعيّة في طريقهما إلى الانقراض، وبشكلٍ مُتسارع، ولا بُد من وقف الهدر المالي، و البحث عن بدائل للعوائد النفطيّة وأبرزها فرض ضرائب باهِظة على المُواطنين.
يبقى سؤالٌ أخير تتفرّع عنه أسئلةٌ أخرى لا يُمكن تجاهلها، وهو عن حال اليمن بعد الانسِحاب الإماراتي، فهل سينجرف نحو التّقسيم، وتثبيت الأمر الواقع على الأرض، في إعادة غير مُباشرة لعودة السّلطنات، واستِبدال السّلاطين بأُمراء الحرب؟ أم أنّ الطّريق سيكون مفتوحًا لجماعة الحوثي لاستِعادة مُعظم الأراضي اليمنيّة، إن لم يكن كلّها لسيطرتها، خاصّةً أنّها تُحقّق انتصارات في جبَهات نهم ومأرب حاليًّا، وأخيرًا ماذا عن التّعويضات الماليّة لضحايا هذه الحرب من اليمنيين؟
هذا الانسِحاب الإماراتي يعني انهيار “عاصفة الحزم”، وفشلها في اليمن وقبل دُخول الحرب عامها السادس بأيّام، الأمر الذي سيكون نُقطة تحوّل في المِنطقة بأسْرِها لما يُمكِن أن يترتّب عليه من تَبِعات استراتيجيّة إقليميّة.. واللُه أعلم.
ارسال التعليق