لماذا تفشل الاتفاقات السياسية في اليمن؟
التغيير
يشهد اليمن بين حين وآخر اتفاقات سياسية، إذ إن البلد يشهد منذ عقود صراعات سياسية وقبلية وعسكرية، ويعيش منذ أكثر من خمس سنوات حرباً شعواء، لكن هذه الاتفاقات عادة ما تكون هشة ولا تطبق.
في العقود الثلاثة الأخيرة كان الاتفاقات تنتهي بحروب، فوثيقة العهد والاتفاق التي وُقعت في الأردن بحضور شخصيات عربية رفيعة، يوم 20 فبراير 1994، لتسوية الأزمة السياسية التي استمرت ستة أشهر بين الرئيس علي صالح ونائبه علي البيض، انتهت بحرب انفصال صيف 1994.
ولم يتوقف الإرث السياسي اليمني عند ذلك؛ فمخرجات الحوار الوطني الشامل، الذي استمر من 18 مارس 2013 حتى 25 يناير 2014، برعاية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، انتهى بسيطرة حركة أنصار الله على العاصمة صنعاء.
وعُقد اتفاق السلم والشراكة (21 سبتمبر 2014) الذي منح أنصار الله 7 حقائب وزارية، لكن الاتفاق لم يُطبق على الأرض وانتهى بسيطرة أنصار الله على السلطة، كما تمكنت حركة أنصار الله من السيطرة على بقية المدن اليمنية، ليتدخل بعدها تحالف العدوان بقيادة آل سعود بعملية عاصفة الحزم (26 مارس 2015).
اتفاقات لتنفيذ الاتفاقات!
وفي ظل الحرب التي يشهدها اليمن منذ نحو خمس سنوات جرت جولات مفاوضات متعددة تمخضت عن اتفاق استوكهولم بين حكومة هادي وأنصار الله برعاية الأمم المتحدة في 13 ديسمبر 2018، وينص على وقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب عسكري لكل الأطراف من محافظة الحديدة لتبقى ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية.
كما يقضي الاتفاق بانسحاب حركة أنصار الله من المدينة والميناء خلال 14 يوماً، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها.
لكن هذا الاتفاق لم يُنفذ رغم مرور عام على توقيعه، حيث تحرص الأمم المتحدة على عدم انهيار الهدنة في الحديدة، لذلك تم توقيع اتفاق (فبراير 2020) بين قوات هادي الموالية لتحالف آل سعود وأنصار الله بهدف تفعيل آليات مراقبة وقف إطلاق النار والتهدئة في المحافظة الواقعة غربي البلاد.
صيغة الاتفاق لتنفيذ الاتفاق ليست الأولى، فاتفاق الرياض الذي جرى في عاصمة آل سعود الرياض، في 5 نوفمبر 2019، بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، شهد توقيعاً على اتفاق لتنفيذ مصفوفة الاتفاق يوم 10 يناير 2020. وما زال اتفاقا استوكهولم والرياض مهددين بالفشل بنسبة كبيرة.
ضعف الإرادة الوطنية
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور فؤاد الصلاحي، أن ذلك يعود إلى أن "القوى الراعية للحوارات اليمنية لم تقرر بعد إنهاء الأزمة اليمنية، ومعنى ذلك أن القرار لم يعد يمنياً، بل أصبح بيد الخارج الإقليمي والدولي، ولهذا تتداخل الأزمة اليمنية مع أزمات أخرى في سوريا وليبيا- على سبيل المثال - لأن اللاعب الإقليمي والدولي هو الناظم لكل هذه الأزمات وهنا تتداخل أوراق اللعبة السياسية".
وأضاف أن الاتفاقيات تتطلب توازناً مادياً على الأرض يستثمر في الحوار ويكون رفع سقف الحوار أو خفضه وفقاً لذلك.
ويذهب الصلاحي إلى أن ضعف محددات الإرادة الوطنية مقابل المصالح الحزبية والشخصية من أسباب فشل الاتفاقات السياسية في اليمن.
من جانبه يقول المحلل السياسي اليمني أحمد الزرقة، إن أسباباً عديدة تفشل الاتفاقات بين الأطراف اليمنية، "منها ما هو مرتبط بالأطراف الإقليمية والدولية، ولأن الأطراف تنظر إلى الاتفاقات على أنها فرصة لالتقاط الأنفاس وتدبير الدسائس والمكائد والتحضير لجولات جديدة من الصراع".
الخارج وصراعات الماضي
وأضاف الزرقة: "أيضاً عدم وجود نوايا حقيقية للتسوية، وعدم الإيمان بفكرة التسوية والتصالح، ولا يرغب أي طرف بتقديم تنازلات، لأنها جميعها عبارة عن ذيل للخارج وتتلقى تعليماتها وتمويلها منه ويتصلب بعضها أمام بعض مقابل تقديمها تنازلات للقوى الخارجية تصل إلى حد الانبطاح والتبعية الكاملة".
وأشار الزرقة إلى أن تلك الأطراف "نتاج حالة مأزومة مسكونة بالماضي وصراعاته، ولا تمتلك أي أفق وطني يجعلها تغلب المصلحة العامة على المصالح الضيقة، جهوية أو مناطقية، كما أن لغياب الحامل الوطني الشامل دوراً في الفشل المستمر لأي اتفاقات"، حسب قوله.
ومن أسباب الفشل "الاتفاقات العامة غير المحددة التي يفسرها كل طرف كما يريد، وعقيدة بعض الأطراف القتالية التي لا تؤمن بالحوار والحلول السلمية"، كما يرى وزير الخارجية اليمني الأسبق عبد الملك المخلافي في إحدى مداخلاته الصحفية.
ويرى مراقبون أن من الأسباب أيضاً تعدد أطراف الصراع، وتنوع الصراعات؛ المحلية والإقليمية والدولية، ما يؤدي إلى تصاعد تعارض المصالح وإطالة الحروب، فضلاً عن التحالفات الهشة التي تغير من خارطة أطراف الصراع وتدخلات الأمم المتحدة بمنهجية إدارة الأزمات وليس حلها.
ارسال التعليق