هل منح الغرب الضوء الأخضر لحملة الاعتقالات الجديدة
في أول رد عملي على الشائعات المثارة حول وفاته، وعقب أنباء أخرى مثيرة عن اعتقال الملك سلمان لشقيقه المقرب "أحمد بن عبدالعزيز" وولي عهده السابق "محمد بن نايف" وعدد من الأمراء (يصل عددهم إلى 20 أميرا)، ظهر العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" بشكل مفاجئ وعلني، الأحد، بعد فترة من الانقطاع عن الظهور الإعلامي.
وعمدت وسائل الإعلام السعودية الرسمية والخاصة (تسيطر عليها الدولة ولا تتمتع بأي استقلالية) إلى تصدير ظهور الملك وتوثيقه بالصور والفيديو نقلا عن وكالة الأنباء الرسمية "واس" والتي بدورها صدرت ظهور الملك على موقعها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت "واس" إنّ سفيري المملكة المعيّنين حديثا لدى كل من أوكرانيا والأوروغواي أدّيا القسم أمام الملك في الرياض، ونشرت صورا ومقطع فيديو للمناسبة ظهر فيها العاهل السعودي وهو يصافح السفيرين.
فما دلالة هذا الظهور بهذه الصورة غير المعتادة للعاهل السعودي؟
وما مدى ارتباطه بالأنباء المتداولة عن اعتقالات الأمراء؟
وهل حصلت هذه الاعتقالات على ضوء أخضر غربي أو بالتحديد أمريكي؟
وهل لمستشار الرئيس الأمريكي وصهره "جاريد كوشنر" علاقة بالأمر كما حدث في الموجة السابقة من الاعتقالات.
صحة الملك:
على مدار الأيام الثلاثة الماضية لم تتوقف وسائل الإعلام الغربية، عن نشر تسريبات عن إقدام محمد بن سلمان على تنفيذ عملية تطهير جديدة شملت اعتقال اثنين من أبرز منافسيه أو من قد يشكلون عقبه أمام وصوله إلى العرش، وهما شقيق الملك الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" ووزير الداخلية ولي العهد السابق، الأمير "محمد بن نايف".
ووفق التسريبات غير المؤكدة، فإن اعتقال ولي العهد جاءت إثر اتهامات بالتآمر والخيانة، ومحاولة للانقلاب عليه وعلى والده الملك بالتواصل مع جهات خارجية.
وأثارت الاعتقالات الكثير من التكهنات حول صحة الملك "سلمان" البالغ من العمر 84 عاما، ووفقا لتقارير نقلها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، فقد توقع المعارضون السعوديون أن الإعلان عن حملة الاعتقالات هو محاولة جديدة للدفع باتجاه تولي العرش، ودعمت تصريحات من داخل البلاط الملكي هذه التكهنات، حيث زعمت المصادر أن "عملية الاعتقال جاءت كإجراء وقائي بعد اعتلال صحة الملك، لكن المسؤولين السعوديين نفوا هذه المزاعم بشكل قاطع".
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن سلطات ال سعود بدأت، الأحد، الإفراج عن الأمراء والمسؤولين الذي تم احتجازهم ضمن حملة أمنية واسعة في اليومين الماضيين.
وأشارت مصادر الصحيفة، حسب تقرير لها نشر الأحد، إلى أن إخلاء سبيل بعض المعتقلين يأتي في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى إنهاء الشائعات بشأن الحالة الصحية للعاهل السعودي، الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، البالغ من العمر 84 عاما، ولهذا ظهر الملك بشكل غير معتاد لحضور أداء السفراء للقسم.
وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن قائمة المفرج عنهم تشمل كلا من وزير الداخلية السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سعود بن نايف"، ووالده، أمير المنطقة الشرقية، الأمير "سعود بن نايف بن عبدالعزيز"، بعد أن تم استدعاؤهما إلى المحكمة الملكية للاستجواب.
وذكرت مصادر الصحيفة أن الأميرين احتجزا للاستجواب في إطار حملة أمنية تم خلالها القبض على عشرات الأمراء والمسؤولين وبدأت الجمعة في محاولة من قبل محمد بن سلمان، لتوحيد السلطة في العائلة الملكية، غير أن الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، والأمير "محمد بن نايف"، ما زالا قيد الاحتجاز.
ووفقا للصحيفة الأمريكية، يعتقد أن الملك هو الذي وقّع على بلاغ اعتقال شقيقه مع "محمد بن نايف" الرجل الذي اختاره أولا ليكون وريث عرشه حتى جاء "محمد بن سلمان" إلى الصورة وتم تعيينه وليا للعهد في عام 2017.
ومنذ ذلك الوقت قام ولي العهد بإزالة كل تهديد محتمل لسلطته، كما حدث خلال حملة الاعتقالات التي طالت رجال المال والأعمال والمسؤولين والأمراء البارزين في فندق ريتز كارليتون في عام 2017.
وتظل صحة الملك محلا للتكهنات، لكن من زاروه في الفترة الماضية تحدثوا عن وعيه لما حوله ومشاركته في النقاشات.
ضوء أخضر:
وأثارت الاعتقالات الحالية تكهنات عن وجود ضوء أخضر غربي، وتحديدا أمريكي لتنفيذها، مثلما كان الحال خلال حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد في نوفمبر/تشرين الثاني2017 والتي طالت أمراء ووزراء.
وفي مارس/آذار 2019، قال موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي إن حملة اعتقالات عام 2017 جاءت في أعقاب لقاء بين "جاريد كوشنر"، مستشار الرئيس "ترامب"، وبين "محمد بن سلمان"، لافتا إلي أن الأول أجرى قبل حملة الاعتقالات بأيام زيارة سريعة إلى الرياض، التقى خلالها بوليّ العهد السعودي، وسلّمه قائمة الشخصيات التي قال إنها "لا تدين بالولاء له".
وفي أعقاب زيارة "كوشنر" السرية، أطلق ولي العهد السعودي حملة مزعومة لمكافحة الفساد، أدّت إلى اعتقال العشرات من أفراد الأسرة الحاكمة، وحجزهم في فندق الريتز كارلتون، حيث تعرّض بعضهم للتعذيب.
وقبل أشهر قليلة من حملة الاعتقالات كان ولي العهد قد أطاح بابن عمه "محمد بن نايف" من منصب ولي العهد، وهي خطوة خلقت معارضة داخل الأسرة الحاكمة، بحسب مصادر في البيت الأبيض.
وفي خطوة مماثلة ذكرت مجلة "ذي سبيكتاتور" أن المخابرات الأمريكية اعترضت مكالمة بين "كوشنر" و"بن سلمان" حصل فيها الأخير على الضوء الأخضر لـ"اعتقال" الصحفي "جمال خاشقجي"، الذي اغتيل يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في قنصلية بلاده بإسطنبول، على يد فريق سعودي قدم خصيصا لهذا العرض.
وذكّرت المجلة في تقرير سابق لها، أن "كوشنر" شارك أسراراً أمريكية في مكالماته مع "بن سلمان"، وأن بعض المعلومات التي طلبها صهر الرئيس من وكالة الاستخبارات المركزية تم تمريرها خلال محادثاته مع أفراد من العائلة المالكة السعودية، وهذا ما تسبب بفقدانه تصريح الوصول إلى المعلومات الحساسة في البيت الأبيض، قبل أن يستخدم "ترامب" صلاحياته لعكس هذا القرار.
إغراء وغموض:
وفي أعقاب انتقادات وجهها للملك ونجله أثناء إقامته في لندن، وشائعات حول كونه لا ينوي العودة إلى السعودية مجددا، تم إغراء الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" بالعودة إلى الرياض بعد أن حصل على ضمانات غربية بعدم المساس به من قبل ولي العهد.
ويثير اعتقال الأمير "أحمد" التكهنات حول إذا ما كان "بن سلمان" قد انتهك التعهد الغربي بعدم المساس بعمه أم أنه حصل على ضوء أخضر باعتقاله في نهاية المطاف.
وعاد الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" إلى المملكة في أعقاب جريمة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، في وقت كات يعتقد فيه أن الملك كان على خلاف مع نجله بسبب عملية القتل.
لكن مجريات الأشهر اللاحقة أثبتت أن الملك لم يتدخل لوضع أي قيود على سلطات نجله المطلقة وسياساته الطائشة.
ويشير اعتقال الأمير "أحمد" وولي العهد السابق "محمد بن نايف" تكهنات حول قرب تولي "محمد بن سلمان" السلطة، وتشير مصادر أن ولي العهد يرغب في تسلم السلطة في حياة والده، وربما يخطط لاستقبال قادة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل وهو ملك.
وذكر دبلوماسي سابق على دراية بالوضع السعودي لصحيفة "الجارديان" إن عمليات التطهير الجديدة هي جزء من نهج مدروس لإزالة أي معارضة في وقت يحضر فيه "بن سلمان" نفسه لتولي السلطة.
وقال إن ولي العهد لاحق "بني عبدالله وبني فهد وبني سلطان" وجاء دور "بني نايف"، وأضاف: "لا يزال هناك واحد من أبنائهم، هو سعود بن نايف ( شقيق محمد بن نايف) في موقع السلطة ويجب أن تتم الإطاحة به".
وعلق المسؤول قائلا: "الأمر يشبه الوضع في بغداد في الستينات من القرن الماضي"، في إشارة للانقلاب الذي شنه "صدام حسين" داخل البعث ليقود العراق بعد ذلك لثلاثة عقود.
ارسال التعليق