اعترافات عنصر في الجيش الإلكتروني السعودي: أنا شريك بإراقة دماء المسلمين
التغيير
لا يخفى على أحد دور مواقع التواصل الاجتماعي في تحريك المجتمع وصناعة الرأي العام, ولا يخفى أيضاً استخدام حكومات العالم لهذه المواقع بل وبعض الجهات الحكومية في بعض البلدان أنفقت الملايين على شراء أسهم في هذه المواقع ليكن لها سلطة عليها تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية, بل وإن معظم الدول بات لديها جيوشاً إلكترونية بأهمية الجيوش العسكرية بل وفي بعض الأحيان, أثرها أكثر من العسكر.
إن مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة في السنوات العشر الأخيرة أصبحت المصدر الأساسي للخبر, وصناعة الرأي العام وليكن لديك وسيلة إعلام ناجحه, تلفزيونا كانت أو صحيفة, فيجب أن يكون لك بوابة لوسيلة الإعلام تلك, والبوابة اليوم هي مواقع التواصل الإجتماعي, وتحديدا تويتر وفيسبوك.
سوف نعرض خلال هذا التحقيق الصحفي تفاصيل اللقاء الخاص مع أحد المغردين السابقين في الجيوش الإلكترونية المأجورة والذي فضل عدم الإفشاء عن هويته للعامة حرصاً على أمنه الشخصي وخوفاً من الملاحقة.
- كيف أصبحت عنصراً في "الجيش الإلكتروني" وكيف تم استقطابك؟
لم يتم استقطابي عبر مواقع التواصل او ما شابه كبعض النشطاء الذين أصبحوا عناصرا في الجيش الإلكتروني, بل أنا من تقدمت بطلب عمل لإحدى الصحف المحلية التابعه للحكومة كوني خرّيج كلية الإعلام, وعندها عُرض علي العمل في الجيش الإلكتروني. قيل لي حينها أنها خدمة للوطن في مواجهة الإرهاب الذي يحدق به, ولا أعتقد أن أحدا يرفض خدمة وطنه.
- هل خضعت لتدريبات خاصة؟
بالتأكيد, فالعمل في وحدة الجيش الإلكتروني وإن كان له علاقة بالإعلام, إلا أنه مختلف عمّا تعلمناه أثناء الدراسة. فأسلوب الكتابة ومخاطبه القارئ مختلف, كل شيء مختلف. في الأسابيع الأولى تكون الدورات التدريبية نظرية, ثم ننتقل إلى التدريبات العملية والتطبيقية.
- هل يمكن أن تشرح لنا نبذة عن تلك التدريبات؟
التدريبات النظرية تبدأ بإقناع المنتسب لوحدة الجيش الإلكتروني بأهمية عمله, وكيف أنه عنصر فاعل في الدفاع عن الوطن, يركز المدرب على عنصر الوطنية وعاطفة المُنتسِب اتجاه الوطن. ثم ينتقل المدرب ليلعب على الوتر المادي, أي المكسب المادي من وراء هذا العمل, مال وخبره وشهادات تقدير من أولياء الأمر وغيرها خاصة أن أغلبية المنتسبين هم من الشباب الذين يريدون أن يبنوا لأنفسهم حياة كريمة ويبحثون عن أي وظيفة. فأكثر المنتسبين لا علاقة لهم أساسا بالإعلام لا من بعيد أو قريب, بعضهم نشطاء وبعضهم الآخر مجرد "يوزر" على مواقع التواصل عاطلون عن العمل يسعون وراء أي وظيفة تدر عليهم المال.
ثم يبدأ الحديث في السياسة, والدين والمذاهب, ويتم تدريبنا على كيفية استخدام "الهاشتاغ" ومتابعة العناوين التي توزع على العناصر يوميا, وهناك عدة عناوين يومية وكل مجموعه يُحدد لها عنوان تعمل عليه تماما كالصحف, إلا أنه وفي بعض الأحيان يتم تعيين عنوانا موحّدا لكل المجموعات للتركيز عليه والمشاركة تحته.
بعدها تبدأ التدريبات التقنية, مثل إستخدام برامج لإدارة العنصر لأكثر من يوزر (مستخدم) من جهاز واحد تشبه برنامج tweetdeck إلا أنه لدينا برامج خاصة تمت برمجتها خصيصا لوحدات الجيش الإلكتروني. من ثم تبدأ التدريبات العملية والتطبيقية.
- في أول لقاء لنا معك أخبرتنا عن شخصيات معروفه تزور مقراتكم, هل يمكن أن تخبرنا أكثر عن هذه النقطه؟
هناك عدد من الإعلاميين والباحثين والمحللين والكتاب يزورون المقر بين الحين والآخر يتلقون بعض التدريبات والتوجيهات. زياراتهم ليست مكثفه فالعناوين تعطى لهم مباشرة عبر طرق التواصل المباشرة كالهاتف او الإيميل. هذه العناوين ترسل لبعض الفنانين أيضا ليشاركوا بها من خلال منصاتهم التي يتابعها الملايين, بعض الفنانين "يطبلون" من تلقاء أنفسهم, فيرون العنوان المتداول ويحاولون التسلق عليه لكسب الرضا.
- هل يمكن أن تخبرنا أسماء بعض الشخصيات التي ذكرتها من من يتلقون الأوامر من قيادة الجيش الالكتروني؟
فقط للإضافه, هم لا يتلقون الأوامر فقط بل والأموال مقابل خدماتهم, منهم الكاتب والإعلامي محمد آل الشيخ, والكاتب تركي الحمد, ولا يقتصر الأمر على إعلاميين سعوديين, بل هناك العديد من الإعلاميين العرب, في مصر وسوريا ولبنان وتونس ودول الخليج واليمن والعراق والجزائر وفي الآونه الاخيرة كان هناك تركيز على بعض الإعلاميين في السودان, كما هناك تنسيق مع إعلاميين أجانب وأتراك ونشطاء ايرانيين. يمكنك أن تعرف أسماء هؤلاء من خلال متابعة الترند اليومي.
- ما هي بعض العناوين التي كُلّفت بها؟
أهمها كان "عاصفة الحزم", كانت وظيفتنا تمجيد التحالف, وصناعة إنتصارات وهمية عبر مواقع التواصل وتبرير القصف العشوائي الذي وفي اغلب الأحيان إستهدف المدنيين, تحت عنوان الدفاع عن المقدسات والكعبه, رغم علمنا التام أن الإستهداف لم يكن لمكه. هذا العنوان دائم ومستمر حتى يومنا هذا, وله فريق مختص من عناصر الجيش الالكتروني يتابعه يومياً, إلا اذا كان هناك أمر عاجل, يتم تعميم العنوان على كل المجموعات للتركيز عليه. فمثلاً يوم استهداف أرامكو كنت من ضمن مجموعة مكلفة بعنوان آخر, وأتى لنا التعميم بأن نركز على أن ايران هي من استهدفت أرامكو, وإن ذهبت لتاريخ استهداف أرامكو على مواقع التواصل, تفهم ما أقصد.
من العناوين التي كُلفنا بها أيضا، هيئة الترفيه، والترويج للاحتفالات والمهرجانات وشُرِح لنا يومها قبل البدء بإطلاق هذا العنوان عن أهميته لإظهار أن مملكة آل سعود بلد الحريات وأن هذا من شأنه أن يُغير نظرة المجتمع الغربي لمملكة آل سعود على أنها دولة إسلامية وأن الصفة الإسلامية عند الغرب تعني أن مملكة آل سعود دولة متحجرة الفكر ومتخلفة. ومؤخراً هناك حملة الترويج للشذوذ الجنسي وربط إسم مكّه بذلك مثل ترند (سالب مكه) وأيضاً (موجب الرياض) و (معصيتي راحتي) هذه ترندات يُطلقها الجيش الالكتروني السعودي للترويج لفكرة أن المجتمع السعودي مجتمع منفتح على المثلية الجنسية والهدف من هذه الترندات نيل رضا الجمعيات الحقوقية العالمية خاصة تلك التي تختص بشأن المثليين.
هناك عناوين دولية ومذهبية أيضاً, فمثلا احدى المجموعات كُلِّفت يوما بمهاجمة الشيعة, ولكن عند زيارة مقتدى الصدر لمملكة آل سعود, نفس المجموعة كُلِّفت بالترويج إلى أن مملكة آل سعود تحترم كل المذاهب.
- قلت عناوين دولية, ماذا تقصد؟
هناك بعض البلدان العربية لآل سعود مصالح سياسية فيها, مثل مصر ولبنان وغيرهم, ولكن على سبيل المثال لبنان, هناك فريق تدعمه مملكة آل سعود, من سياسيين واعلاميين, يطلب منا التعليق واعادة التغريد والاعجاب بمنشوراتهم, ويطلب منا أيضاً مهاجمة الفريق الخصم لذلك الذي تدعمه مملكة آل سعود. لدى الجيش الالكتروني وحدة خاصة بفبركة الأخبار, أو حتى الفيديوهات والصوتيات, وعندما تجهز المادة, يتم ارسالها لنا لنروج لها وننشرها. لا أعلم إن كنت تذكر ومنذ اكثر من عامين انتشر مقطع فيديو للأمين العام لحزب الله وهو يعترف بأن حزب الله صديق لإسرائيل, هذا الفيديو من انتاج الجيش الالكتروني السعودي. وهناك العديد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي صدقوا ما جاء في الفيديو, خاصة وأنهم ليسوا من من يتابعون خطابات نصرالله. لذلك الفيديو توقيت مهم, وهو بدء ظهور العلاقات الإسرائيلية مع مملكة آل سعود إلى العلن, للحقيقة أن معظم عناصر وحدات الجيش الالكتروني صدقوا أن الفيديو حقيقي, ولم يعلموا أنه مفبرك لأنهم أيضاً لا يعلمون شيء عن سياسة حزب الله, لا يعلمون إلا ما يُقال لهم من قبل المدربين وما يقال في وسائل الإعلام المحلية, فخلال التدريبات النظرية, كان هناك محاضرة كاملة عن أن لحزب الله علاقات سرية مع إسرائيل. معظم هؤلاء الشبان لا يعلمون شيء حقاً, إلا ما يُقال لهم لأن السياسة أصلا ليست من اهتماماتهم. هناك إعلاميين ونشطاء وحتى سياسيين من كل الوطن العربي الذين يزودونا بمعلومات أو حتى تمنيات, وبما أننا نتحدث عن لبنان, فهناك إعلامية مشهورة وجريئة جدا تُغرّد "حسب الطلب", وأحيانا ترسل للإدارة مقترحات للتركيز عليها, وكله بأجره طبعاً.
ثم القضية الفلسطينية نالت جزءاً كبيرا من اهتمامات الجيش الالكتروني, لكن ليس كما قد تظن, وليس بطريقة إيجابية. فهناك فريق مختص بشيطنة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية, لكن الأمر بدأ تدريجياً. تذكر طبعا الترند السعودي "فلسطين ليست قضيتي" الذي انتشر في شهر رمضان بعد بث حلقة تذم بالفلسطينيين وترحب بالتواصل مع "الإسرائيليين" في برنامج مخرج 7, هذه الأفكار كان لها مُقدّمات. لفلسطين أثر خاص عند الشعب العربي ككل, وفي مملكة آل سعود أثرها الخاص عند الأجيال السابقة أكبر, فكان لا بد من خطوات تمهيدية لجعل لتطبيع مع "اسرائيل" أمر طبيعي ومشروع خاصة عند الجيل الجديد. فقد سبق هذا الترند تغريدات لإعلاميين معروفين تقلل من شأن المسجد الأقصى, وتسجيلات فيديو لشخصيات إعلامية معروفه تتحدث عن أن العلاقات مع اسرائيل أمر مشروع, وأنها "دولة" معترف بها دوليا. حتى أن هناك ترويج قام به الجيش الالكتروني السعودي أن كل دول العالم دون استثناء لها علاقات اما علنية او سرية مع "اسرائيل" من بينها إيران.
أما قطر, فتلك حكاية لا تحتاج شرح فكل متابع للحسابات بمملكة آل سعود يستطيع أن يرى عمل الجيش الالكتروني في الأزمة القطرية. أما البحرين, فبينما كان مطلوب منّا مثلا دعم المعارضه السورية, طُلِب منّا تشويه المعارضه البحرينية وهنا كان التركيز على الجانب المذهبي والترويج لفكرة أنها معارضة شيعية مدعومة من إيران لا معارضة وطنية تطالب بالعدالة الإجتماعية.
- في الحديث عن المعارضه, ماذا عن المعارضه السعودية؟
مهاجمة أي معارض سعودي على مواقع التواصل الإجتماعي أمر بديهي, لا نحتاج للبحث عن تاريخ أي معارض, فالمعلومات تأتي من جهاز المخابرات السعودي عنه, عائلته, أصله, نسبه, علاقاته, كل شيء كل شيء. بالإضافه إلى المؤلفات أو الفبركات كما نسميها في الإعلام. يُطلب منّا مهاجمة حسابات المعارضين بالشتائم وترويج بعض الاكاذيب عنهم, في معظم الأحيان لا نعلم أنها أكاذيب. يطلب منا البحث عبر مواقع التواصل عن الأشخاص الذين يكتبون عن الفقر أو عن أي شيء سلبي ليس بشرط أن يكون معارض, ولكن يُعتبر بنظر المسؤولين أنه يشوّه صورة مملكة آل سعود ويحرض عليها, وتقوم الجهات المختصة بالمعلوماتية بالتقصي عنه واعتقاله والتحقيق معه. كما يُطلب منا التبليغ المكثّف ضد حسابات المعارضين السعوديين بغرض إقفالها من قبل إدارة الموقع. إلا أن هناك حسابات لمعارضين يُطلب منّا عدم التبليغ عنها, فقط التعليق والشتم.
- لماذا برأيك يطلب عدم التبليغ عن تلك الحسابات المعارضه تحديدا؟
أعتقد والله أعلم أنها حسابات لمعارضين يعملون مع مخابرات آل سعود لإختراق صف المعارضه السعودية, اما التعليقات بالشتائم من قبل الجيش الإلكتروني فهي لإيهام المعارضين الآخرين أنه معارض مثلهم, ولكن أقول الله أعلم هذا رأيي وليست معلومه.
- كيف يتم تقييم الإعلاميين والنشطاء العرب المتعاونين معكم وفرز أهمهم؟
أولا يكون ذلك من خلال رصد الإعلاميين الأكثر متابعة والأكثر تأثيراً, والتأثير السلبي أهم من التأثير الإيجابي, فبقدر إستفزاز الناشط أو الإعلامي للجمهور الخصم بقدر ما يكون الرضا من قبل المسؤولين عليه. بعضهم يرسل للمسؤولين كمية الشتائم التي يتلقاها فرحاً لأن هذه الشتائم الموجهة إليه تدر عليه مالا, فالمسؤولين يعتبرون أن هذه الشتائم هي دليل على تأثير الناشط او الإعلامي.
- أنت تواصلت معنا وقدّمت لنا هذه المعلومات, لماذا, وما الذي غير رأيك؟
أنا مواطن سعودي, أعشق وطني وأحب له الخير. أنا تربيت على ذلك وتربيت على قول الحق وعلى مبادئ ديننا الإسلامي, نشأت في منزل لا يعرف العنصرية والمذهبية, والدي رحمه الله كان عربيا يحب الوطن العربي. في بداية الأمر شعرت وكأني أقوم بعمل عظيم أخدم فيه وطني, ولكن مع مرور الوقت بدأت أمور كثيرة تتبلور أمامي. لم أعد أطيق صور أشلاء أطفال اليمن وأبرر قتلهم, كنا نشاهد أشلاء أطفال فلسطين ونبكي على أطفال المسلمين الذين يقتلهم الإسرائيلي, اليوم جيشنا من نقتل أطفال المسلمين, ونبرر قتلهم, ونضع يدنا بيد الإسرائيلي ونقف إلى جانبه ضد فلسطين ومقدساتها وشعبها. اليوم يُطلب مني أن أكون سبباً بالشرخ بين دول الوطن العربي, والتحريض عليها, في تلك الدول لدينا إخوه وأقارب, يُطلب مني أن أكون سبباً بالصراع المذهبي أن أمجد قطع رؤوس علماء دين ومثقفين وكتّاب من أبناء الوطن فقط لأن رأيهم لا يتماشى مع رأي ولي الأمر, أشعر وكأني شريك بإراقة دمائهم. كنت أتمنى لو كنت في جيش يفرض الوحده بين العرب والمسلمين ويمجد عروبة الأرض التي ولد عليها النبي العربي ويدعو لتحرير فلسطين من الاحتلال الغاصب, لا جيشاً مهمته التحريض والدعوة للفرقه والتشرذم. قد يعتقد البعض أني خائن للوطن وبالتأكيد أن المسؤولين سيعتبرونه خيانه عظمى وقد أحاكم ويُقطع رأسي فقط لقولي ما قلته, ولكن الخائن للوطن هو من يحاول أن يجعل منه نموذجاً للظلم.
ارسال التعليق