ما أسباب دفع أبوظبي والرياض "الانتقالي" للتصعيد في المهرة؟
التغيير
في غمرة انشغال دول العالم بجائحة كورونا، تتسابق أبوظبي والرياض- على ما يبدو- نحو السيطرة على محافظات يمنية كانت بعيدة عن الصراع الدائر في اليمن منذ أكثر من 5 سنوات، مستخدمةً مليشيات تموّلها، وأموالاً تنفقها على شخصيات لها ثقل في أوساط المجتمع اليمني لتحقيق مرادها.
وبينما تصدرت خلال الأسابيع الماضية، أحداث سقطرى بعد سيطرة قوات "الانتقالي الجنوبي" التي تمولها الإمارات على الجزيرة، عادت تلك المليشيات بتحركات مماثلة نحو مدينة أخرى هي "المهرة" التي تعد البوابة الغربية لسلطنة عُمان، وتحتل موقعاً استراتيجياً، وتملك ثروات طبيعية جعلتها محل أطماع القوى الخارجية.
وفي حين تقول مملكة آل سعود إن وجودها العسكري في المهرة يهدف إلى منع تهريب الأسلحة إلى أنصار الله، يقول سكان المحافظة إن الرياض وأبوظبي تهدفان من تحركاتهما إلى فرض سيطرتهما عليها، وهو ما قد ينذر بتصعيد عسكري مسلح يهدد الأمن والسلام في المحافظة البعيدة عن الصراعات منذ زمن طويل.
تحركات مستمرة لـ"الانتقالي"
لم يمر من الزمن سوى شهر و5 أيام على فرض سيطرتها على سقطرى (في المحيط الهندي)، حتى بدأت قوات "الانتقالي" المتهمة بتلقي توجيهاتها من الإمارات، بالتحرك في المهرة (شرق)؛ في محاولة لتنفيذ انقلاب جديد والسيطرة عليها.
تلك التحركات واجهت مقاومة شعبية مسلحة، بعدما أغلق مسلحون قبليون في 24 و25 يوليو 2020، الطرق المؤدية إلى المحافظة، ومنعوا أنصار المجلس الانتقالي من الدخول إليها، وسيطروا على الساحات التي قال المجلس الانتقالي إنه سيقيم فيها فعالية تدعو إلى فرض المجلس الإدارة الذاتية على المحافظة.
وعقب تلك التحركات والتهديدات بتصعيد الموقف، قررت اللجنة الأمنية في المهرة، بمشاركة قيادات عسكرية وزعماء قبليين، منع إقامة "أي فعاليات لأي طرف خلال هذه الفترة"، لكن "الانتقالي" أقام وقفة احتجاجية مصغرة شارك فيها العشرات أمام مقره في العاصمة "الغيضة".
ونظمت قبائل المهرة عرضاً عسكرياً بمدينة الغيضة، معلنةً دعمها واستعدادها للدفاع عن مؤسسات الدولة، والوقوف إلى جانب قوات الجيش والأمن في التصدي لمخططات ما وصفته بـ"الاحتلال السعودي الإماراتي".
وجاءت تلك التحركات من "الانتقالي"، بالتزامن مع تحركات مشابهة في محافظة حضرموت (جنوب شرق) الحدودية مع المهرة، إضافة إلى تحركات لمليشيا أخرى تمولها الإمارات في تعز.
رسالة شديدة اللهجة
ويتصدر وكيل محافظة المهرة السابق، الشيخ علي سالم الحريزي، المقرب من سلطنة عُمان، المشهد المناوئ لتلك التحركات بالمهرة، حيث اتهم في تصريح له، تحالف العدوان في اليمن بقيادة آل سعود، بالعمل على تصعيد التوتر في المهرة، وإدخالها في صراع مسلح.
وحمَّل الحريزي، التحالف مسؤولية ما يحدث في محافظة المهرة، البعيدة عن الصراع مع أنصار الله، قائلاً إن ما يحصل في تلك المحافظة الحدودية مع سلطنة عمان " لا يتم إلا بموافقة آل سعود والإمارات".
وأضاف في تصريحات نقلتها قناة "الجزيرة" الإخبارية: "هناك استراتيجية سعودية إماراتية في المهرة، وهما يسابقان الزمن لتحقيقها"، مؤكداً عدم ثقة القوى السياسية والمحلية في المهرة بـ"اتفاق الرياض" ومخرجاته.
وأكد أن أبناء المهرة "لن يخضعوا لحكومة هادي ولا للتحالف ولا للجيش، إن تعامَل مع الانتقالي الممول من الإمارات شريكاً في حكم البلاد".
وخلال العامين الأخيرين، نفذ المعارضون لوجود قوات آل سعود وقفات احتجاجية في المهرة، ووصلت في بعض الأوقات إلى مواجهات مسلحة، سقط خلالها قتلى ومصابون.
ضغط على الحكومة
ويقول مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي، إن التحركات التي تشهدها المهرة هدفها "الضغط على حكومة هادي للقبول بصيغة جديدة لاتفاق الرياض المتعثر".
وأشار الرحبي في حديث صحفي إلى أنه "تم توجيه الانتقالي بالتحرك في المهرة لإسقاطها لصالح تلك المليشيا".
وأكد أن ما يحدث الآن في المهرة "دليل على عدم جدية التحالف في تنفيذ اتفاق الرياض وإعادة الدولة"، مضيفاً: "ما يحدث حالياً هو دعم مليشيات خارج إطار الدولة وانحراف عن أهداف التحالف".
وأضاف: "قبائل المهرة تنبهت إلى مخطط خطير كان يهدف إلى إسقاطها عبر مليشيات أُرسلت من الضالع ويافع وحضرموت، وكانت في طريقها للمهرة"، مشيراً إلى أن رجال القبائل مع الأمن والجيش "أفشلوا تلك الخطة وتم منع دخول هذه العصابات لتنفيذ المخطط".
تبادل أطوار وسيطرة
بدوره يقول الباحث اليمني نجيب السماوي، إن أبوظبي والرياض دخلتا من وقت مبكر إلى المهرة، بثقلهما السياسي والعسكري، في إطار تبادل الأدوار بينهما وسباقهما نحو بسط النفوذ عليها.
ويؤكد في حديثه أن المخطط الجديد الذي ترغب فيه الإمارات وآل سعود بالمهرة، "لن يأتي إلا عبر الانتقالي وبأيدٍ يمنية، بعدما شهدت نجاحاً في سقطرى وعدن، حتى لا تكون مسؤولة أمام الرأي المحلي والدولي عن أي انتهاكات أو جرائم قد تحدث".
ومثل الكثير، يتحدث السماوي قائلاً إن مملكة آل سعود لديها هدف رئيس من المهرة، وهو إنشاء ميناء نفطي على ساحل بحر العرب، من خلال "تحويل محافظة (خرخير) في نجران إلى مخزن للنفط الخام، من أجل التنفس جنوباً دون قلق".
وأضاف: "أما الإمارات فهدفها الرئيس هو حصار سلطنة عمان من بوابتها الغربية، خصوصاً ونحن نعلم بالخلافات بين الدولتين، وهذا يعني أن السلطنة ستكون تحت ضغط أكبر، مستقبلاً، في حال نجحت أبوظبي".
ويُعتقد أن التعقيدات القبلية في المهرة قد تدفع نحو صراع طويلٍ الأمد ومقاومة مسلحة، "إذا لم يتم تدارك الأمر، خصوصاً أن سلطنة عُمان ستدفع بكل قوتها لدعم القبائل المؤيدة لها، لأن ذلك يؤثر على سيادتها".
أما الناشط السياسي عبد الله السامعي، فيقول إن ما يحدث في المهرة "أصبح مكشوفاً، ومساعي مملكة آل سعود والإمارات للسيطرة عليها واضحة"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن يعول أحد على حكومة هادي حتى لاستنكار هذه التجاوزات في المناطق المحررة، فكيف بمنعها".
ويرى السامعي في تصريحات صحفية أن موقف أبناء المهرة الرافضين لهذه الأعمال والممارسات "هو ما سيحدد ما إذا كانت مملكة آل سعود والإمارات قادرتين على السيطرة على المحافظة".
وأضاف: "ما يقوم به التحالف من تقديم الانتقالي في المهرة على أنه قوة سياسية يحق له أن يمنح نفسه الصلاحيات كافة في السيطرة على المحافظة ومواردها وحرمان أهلها من كل الخدمات كما يحدث في عدن والمناطق الخاضعة للانتقالي، أعتقد أنه لن يلقى أي قبول من أبناء المهرة الأحرار الذين سيقاومون هذه الممارسات".
مصالح مختلفة
وتسعى مملكة آل سعود إلى بناء نفوذ لها في المهرة كجزء من طموحاتها المتداولة، لبناء خط أنابيب نفط يعبر المحافظة إلى بحر العرب، والذي من المحتمل أن ينطوي على فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة للرياض، حيث سيتم تخفيض التكاليف المتعلقة بنقل النفط من الآبار على سواحل الخليج والمناطق الجنوبية المحاذية لليمن، من خلال السماح للناقلات بتجنب مضيق هرمز المهدَّد.
في المقابل بدأت الإمارات تخطط للسيطرة على المهرة مبكراً مثلما فعلت مع عدن وبعض مدن الجنوب، فقد وصل ممثلون إماراتيون إلى المحافظة في أغسطس 2015، أي بعد 4 أشهر فقط من تدخُّلهم في اليمن، وكان المعلن أنها مهمة لدعم السلطة المحلية والحفاظ على الأمن بالمحافظة التي لم يصل إليها الصراع قط، قبل أن تنكشف مطامعها في اليمن.
في المقابل يبدو أن الدافع الأبرز خلف محاولة عُمان تمكين نفسها في محافظة المهرة، هو سعي السلطنة إلى تأمين نافذة لها باليمن، بغية الاحتفاظ بقدر كافٍ من الحضور في البلد الذي يشرف على أحد أهم منافذ التجارة البحرية.
فالوجود في المهرة يصبّ في مصلحة الأمن القومي للسلطنة، لأن وجود مملكة آل سعود والإمارات يعني أن عُمان أصبحت محاصَرة في عقر دارها، كما لا يبدو أن مسقط ستغامر بخسارة نفوذها في المهرة، لأن ذلك يعني خسائر اقتصادية لها، إذ تدرّ المنافذ مع اليمن أموالاً كبيرة على الخزينة العمانية.
ارسال التعليق