هل تعزز قضية "الجبري" إدانة آل سعود بالسعي لاغتيال معارضيهم؟
التغيير
تستمر سلطات آل سعود في حملة مطاردتها الشاملة ضد المعارضين والناشطين، والتي وقع الصحفي جمال خاشقجي ضحية لها، في وقت يخشى فيه آخرون من أن تصل يد محمد بن سلمان، إليهم.
ومنذ مقتل خاشقجي، في أكتوبر 2018، تكشف للرأي العالمي ما يتعرض له المعارضون السعوديون من قمع داخل البلاد وخارجها، فقد انتهجت سلطات المملكة أسلوب القتل والترهيب والاختطاف والاعتقال وإصدار أحكام الإعدام لكل من يعارض سياستها.
وبينما كان النظام السعودي يعتقد أن مقتل خاشقجي قد يسكت منتقديه في الخارج، كان للأمر تأثير عكسي؛ مع انضمام شخصيات لها تأثير كبير بالحكم في المملكة إلى أولئك المعارضين، الذين عادوا للقتال مجدداً عبر منابر إعلامية وحقوقية مختلفة على مستوى العالم، وسط محاولات سعودية لإسكاتهم.
بين اغتيالات ومحاولات
منذ أن أثيرت قضية اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر 2018، طفت على السطح سلسلة من الفضائح التي تتعلق بمحاولات شبيهة كانت تخطط مملكة آل سعود للقيام بها.
في 6 أغسطس 2020، رفع ضابط الاستخبارات السعودي السابق، سعد الجبري، دعوى قضائية في واشنطن ضد محمد بن سلمان يتهمه فيها بأنه أرسل فريقاً لاغتياله في كندا سعياً للحصول على تسجيلات مهمة، وذلك بعد أسبوعين من اغتيال خاشقجي.
وفي يونيو 2020، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن السلطات الكندية كانت حذرت المعارض السعودي، عمر عبد العزيز، من المخاطر على حياته، وأنه "هدف ممكن لمملكة آل سعود، وبحاجة لاتخاذ إجراءات لحماية نفسه".
ولم يكن الجبري وعبد العزيز الشخصين الوحيدين اللذين تعرضا للتهديد، فقد كشف المعارض السعودي غانم المصارير "الدوسري"، في فبراير 2020، عن تلقِّيه تهديدات بالقتل، وأنه وصلت له مؤخراً رسالة على حسابه بأحد مواقع التواصل الاجتماعي تقول: "لا بد من قطع رأسك"، بحسب ما قاله في مقابلة مع وكالة "الأناضول".
وفي أكتوبر 2019، لمح المعارض السعودي إسحاق الجيزاني، إلى تعرضه لعملية استدراج مماثلة لما حدث لخاشقجي، قائلاً في تغريدة عبر "تويتر" إنه لاحظ أنشطة مريبة كالرصد والمتابعة ومحاولة استدراجه إلى خارج نيوزيلندا التي يوجد فيها كلاجئ.
ورغم أنه لم يكن معروفاً كمعارض فإن السعودي عبد الرحيم الحويطي الذي ذاع صيته مؤخراً، قتل في أبريل 2020؛ بسبب معارضته لمشروع "نيوم" الاقتصادي الذي يتبناه محمد بن سلمان.
اعتراف وصمت وإنكار
وبين كل حادثة وأخرى كان لمملكة آل سعود مواقف متباينة، إلا أن قضية مقتل خاشقجي حملت تناقضات كبيرة مستمرة حتى اليوم؛ بدأت بإنكار وتنديد بالاتهامات، وانتهت باعترافٍ وتبرئة المتهمين.
وخلال الأيام الأولى من مقتل خاشقجي أنكرت مملكة آل سعود معرفتها بمصيره، وقالت إنها لا تعلم عنه شيئاً بعد خروجه من القنصلية، قبل أن تعترف الرياض بقتله عبر فريق خطط ونفذ القتل، لتقوم عقب ذلك بتحميل الجريمة لمسؤولين بينهم سعود القحطاني مستشار بن سلمان، قبل أن تلجأ إلى تمرير الجريمة بتبرئة المتهمين الرئيسيين وتحميل 5 أشخاص غير معروفين ارتكابها.
أما قضية الضابط السعودي الجبري، والمعارضين عمر عبد العزيز والدوسري والجيزاني، فلم تنفِ سلطات آل سعود تلك الاتهامات أو تؤكدها، واكتفت باستخدام وسيلة اعتقال أقارب المعارضين للضغط عليهم للعودة إلى البلاد مقابل الإفراج عن عائلاتهم.
في المقابل فإن قضية الحويطي الذي اشتهر اسمه مؤخراً، قد دفعت رئاسة أمن الدولة في مملكة آل سعود إلى الخروج بتصريحات وصفته خلالها بـ"المطلوب أمنياً"، وقالت إنه قتل بعد تبادل إطلاق النار بينه وبين رجال الأمن.
قضاء غير مسيس
خلال نحو عامين، دخلت مملكة آل سعود وتركيا في صراع قضائي بسبب قضية خاشقجي، لتلجأ أنقرة إلى محاكمة غيابية للمتهمين بارتكاب الجريمة، في حين سارعت مملكة آل سعود لإصدار أحكام وسط غياب إعلامي.
ودخل على خط الصراع قضية جديدة، لكن هذه المرة عبر محاكم دولية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما رفع الضابط السابق في استخبارات آل سعود، سعد الجبري، دعوى قضائية في واشنطن ضد بن سلمان تتهم ذات الفريق الذي نفذ عملية اغتيال خاشقجي، والمسماة بـ"فرقة النمر"، بمحاولة اغتياله.
يعتقد المحامي والحقوقي علاء عبد المنصف أن قضية خاشقجي "ستعزز مثل هذه القضايا التي تؤكد وحشية إدارة مملكة آل سعود ومحمد بن سلمان".
وفي حديث صحفي يرى عبد المنصف أن الخطة التي اتجه لها الجبري "قوية؛ لأنها في إطار القضاء الغربي الأجنبي البعيد عن دائرة القضاء السعودي المسيس الذي لا يفتح تحقيقاً حقيقياً ولا يدين المتهمين الحقيقيين ولكن يضع إطاراً شكلياً".
ويضيف: "من الجيد أن تباشر محاكم ذات نزاهة واستقلالية وحيادية مثل هذه الجرائم والانتهاكات؛ حتى يستطيع العالم أن يتعرف أكثر على الوحشية والأساليب القمعية المتبعة من بن سلمان".
قتل وتنكيل
ويشير المحامي المصري إلى أن إدارة مملكة آل سعود في تعاملها مع المعارضين، "وفقاً لما يعلن وما لم يعلن، أو ما يرد في التقارير الدولية، فإنها تتعمد القمع والتنكيل والاضطهاد لكل المعارضين".
وتابع: "واضح أنها سياسة ثابتة لدى القيادة في المملكة بقيادة محمد بن سلمان في التعامل مع كافة المعارضين أو الأشخاص الذين يهددون تمكينه من عرش المملكة، والاستحواذ الكامل على السلطة".
ولفت إلى أن هناك قضايا أخرى حدثت لمعارضين "شبيهة بما حدثت مع خاشقجي والتداعيات الأخيرة الخاصة بالجبري، الذي انطلق على أثرها بدعوى قضائية ضد إدارة مملكة آل سعود".
وأضاف: "أعتقد أن مع استمرار التحقيق في هذه القضية المرفوعة حالياً ستظهر قضايا كثيرة، أو محاولات اغتيالات، أو محاولات قمع وتنكيل متعددة بأشخاص كثر داخل إطار العائلة الحاكمة في الجزيرة العربية، أو في إطار دائرة المعارضين السياسيين للممارسات القمعية خلال السنوات السابقة، وهذا أمر جيد سيوضح مع الوقت أشياء كثيرة لم تكن مطروحة على ساحة الأحداث".
خوف من الأسرار والمعارضة
ويبدو أن الجبري بما يملكه من معلومات ووثائق يحول دون مضي بن سلمان قدماً في تصفية أخطر وأقوى خصومه؛ إذ تقول أسرة الجبري إن الأخير عمد خلال الأشهر الأخيرة إلى زيادة الضغط على أقاربه، ومن ضمن ذلك اعتقال ابنيه البالغين لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من منفاه الحالي في كندا.
وذكرت مصادر مطلعة على هذا الملف أن أنظار محمد بن سلمان تتجه إلى وثائق متاحة للجبري تتضمن معلومات "حساسة جداً يمكنه استخدامها ضد منافسيه الحاليين على العرش، وكذا ملفات تتعلق بالمعاملات المالية لأفراد كبار في الأسرة الحاكمة، من بينهم ملك نظام آل سعود سلمان وابنه محمد، بحسب "الجزيرة".
أما خاشقجي فكانت سلطات آل سعود تراه خطراً عليها بسبب ما يكتبه في صحيفة "واشنطن بوست"، ولما له من تأثير، وبسبب امتلاكه علاقات واسعة تضم شخصيات من عائلة آل سعود المالكة ومعارضين من أطياف وبلدان مختلفة، وصحفيين وأكاديميين كباراً.
كما تخاف مملكة آل سعود من أبرز المعارضين لها في الخارج خشية استخدام أصواتهم في المحافل والمؤتمرات الدولية للإضرار بمحمد بن سلمان، وفضح ما يحدث من اعتقالات وتنكيل بالمعارضين بالداخل.
ارسال التعليق