لماذا تريد الرياض السيطرة على منفذ "شحن" الحدودي مع عُمان؟
التغيير
منح الانتشار العسكري المكثف لقوات آل سعود في محافظة المهرة اليمنية (شرق)، منذ نهاية 2017، السعوديين سيطرة فعلية على مناطق واسعة من المحافظة، مصحوباً بقائمة طويلة من علامات الاستفهام حول الذرائع والأهداف.
ويتمتع أبناء المدينة، البعيدة عن الحرب مع أنصار الله، بتاريخ فريد من نوعه في إدارة شؤونهم الخاصة، بالإضافة إلى امتلاكهم رؤية مشتركة للسيادة ضمن نظام فيدرالي يحافظ على وحدتهم بشكل ملحوظ، غير أن مملكة آل سعود عملت خلال السنوات الثلاث الماضية جاهدة على فرض سيطرتها وإدارتها على المهرة.
ومع الصراع الدائر بين آل سعود ورجال القبائل في المهرة، الذين تربطهم بسلطنة عُمان علاقة قديمة، فإن الرياض لجأت مؤخراً إلى السيطرة على منفذ "شحن" الحدودي مع السلطنة، وسط محاولات قبلية للحد من توسعها في المنفذ.
تطورات جديدة
بين الحين والآخر تشهد محافظة المهرة اليمنية توتراً كبيراً، كان آخرها نجاح مسلحين قبليين، في 22 أغسطس 2020، في منع قوات سعودية من الوصول إلى منفذ "شحن" الحدودي مع سلطنة عمان.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر محلية قولها إن قوات سعودية تحركت من مطار الغيضة الدولي في المهرة متجهة إلى "منفذ شحن" الحدودي مع عُمان، لكن مسلحين منعوا تلك القوة من الوصول، وأجبروها على العودة إلى أحد المعسكرات التابعة لمملكة آل سعود.
ويبدو أن قوات آل سعود لم تتراجع عن هدفها، فأرسلت مرة أخرى قوات بعد تعزيزها، إلا أنها وقعت في اشتباكات مع القبليين، وأجبرت مرة ثانية على التراجع.
وقال سكان محليون إن اشتباكات اندلعت، في 23 أغسطس، قرب المنفذ، وأسفرت عن إعطاب مدرعة في مديرية "حات"، وسط توتر مستمر بين الطرفين.
ومنذ نهاية 2017، دفعت مملكة آل سعود بقوات تابعة لها وآليات عسكرية وأمنية إلى المهرة؛ بذريعة أنها تسعى لـ"تعزيز الأمن وضبط ومكافحة عمليات التهريب"، تشكلت على ضوء ذلك حركة تطلق على نفسها لجنة احتجاج أبناء المهرة السلمي، تنظم بين حين وآخر مظاهرات مناهضة لوجود قوات مملكة آل سعود.
منفذ شحن وآل سعود
منذ الوهلة الأولى لدخول قواتها محافظة المهرة، دأبت مملكة آل سعود على التخطيط للاستيلاء على منفذ شحن الحدودي، الذي يربط اليمن بسلطنة عُمان، ويعتبر المتنفس الأهم والأبرز لملايين اليمنيين، وتدخل عبره شحنات الغذاء والدواء ومختلف احتياجات الحياة، كما يستخدمه المرضى والمسافرون ممراً للسفر إلى الخارج.
ويربط منفذ شحن اليمن بالعالم الخارجي عبر سلطنة عمان، وهو المعبر البري لعبور نحو 70% من البضائع المستوردة إلى اليمن، في ظل إغلاق عشرات المنافذ البرية والبحرية، وسيطرة قوات آل سعود والمليشيات الموالية للإمارات على المطارات والموانئ.
في فبراير الماضي، اقتحمت قوات سعودية منفذ شحن بأكثر من 20 عربة عسكرية، وسط سخط شعبي رافض لانتهاكات قوات آل سعود، ومساعيها لفرض حصار على المواطنين في المهرة.
وسبق أن سعت قوات آل سعود، في أغسطس 2018، إلى استحداث نقاط عسكرية بالقرب من المنفذ على خط عاصمة المحافظة "الغيضة"، بعد أن خرقت اتفاقاً وقعته مع المحتجين من أبناء المدينة.
أهداف عديدة
يقول سالم بلحاف، الناطق باسم "لجنة الاعتصام السلمي بمحافظة المهرة"، إن الهدف من السيطرة على منفذ شحن يأتي ضمن مسلسل السيطرة على المحافظة، "لابتلاع الجغرافيا اليمنية والبقاء الدائم لتنفيذ مشاريعها بالمهرة".
ومن بين تلك الخطط، وفقاً لبلحاف، "مد مملكة آل سعود الأنبوب النفطي الذي ترغب بإيصاله عبر اليمن إلى البحر العربي، وتركيع السلطة المحلية، التي ستحرم من الحصول على دخل كبير من منفذ شحن تعينها على الإيفاء بالالتزامات الداخلية".
وأكد، في حديث صحفي قيام آل سعود مسبقاً بـ"تركيع الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية بعدة خطوات قامت بها، من أبرزها إغلاق المنفذ ورفض مرور 180 من الأصناف التجارية للدخول إلى اليمن".
كما أشار إلى أن من بين تلك الأهداف في مراحلها القادمة "ملاحقة المعارضين لتواجدها، والتأثير على المواطنين والتجار من أبناء المحافظة والتسبب في خسائرهم، وكذلك التأثير على العادات والتقاليد وعلى القبائل، التي تربطها علاقات كبيرة بالقبائل المجاورة في عُمان، وكانوا يقومون بزيارات مستمرة فيما بينهم".
أطماع السيطرة
بدوره يعتقد الباحث اليمني نجيب السماوي، أن مملكة آل سعود ترغب من خلال السيطرة على منفذ شحن في "إكمال حصارها للشعب اليمني، ليكون تحت رحمتها فقط، والتحكم بمصيره".
وأوضح أن منفذ شحن، إضافة إلى منفذ "صيرفيت" بذات المحافظة، يعتبران "المنفذَين الوحيدين اللذين لا تتحكم فيهما قوات آل سعود، ما يجعل ذلك بنظر السعوديين خطراً عليهم".
وأضاف "ما تقوم به قوات آل سعود في المهرة يؤكد أن مملكة آل سعود جاءت إلى اليمن لغرض استهدافه وإضعاف السلطة الشرعية، وما وضع يدها على المهرة إلا ضمن مساعي الهيمنة، واستغلال ضعف الحكومة اليمنية".
ويشير إلى أن مملكة آل سعود بهذه الخطوة قلصت أيضاً من نفوذ عُمان في المهرة، "خصوصاً أن أبناء المهرة والعُمانيين تربطهم علاقات واسعة، وكانت هذه المنافذ هي الرابط الحيوي بينهما، ما قد يوتر أيضاً الوضع لدى الجانب العُماني".
تسلط ورفع الجمارك
ومنذ سيطرة قوات آل سعود رُفعت جمارك البضائع القادمة عبر المنفذ بنسبة وصلت إلى 100%، مع عدم اعتماد الوثائق الصادرة من المنطقة الحرة في عُمان، وهو ما ضاعف معاناة المواطنين، وساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة عالية.
كما واجه المواطنون والتجار والمستثمرون عراقيل مختلفة بعد وصول قوات آل سعود إلى محافظة المهرة، وبدأ المنفذ يفقد مكانته كمعبر استراتيجي لليمنيين، خاصة بعد منعها دخول عشرات السِّلع والمنتجات والأجهزة والمعّدات.
ومنتصف يونيو الماضي، كشفت إدارة معبر شحن في المهرة عن تجاوزات وتدخلات واعتداءات يقوم بها مندوب التحالف العربي في سير العمل الجمركي في منفذ شحن الحدودي وتجاوزه صلاحيات الجمرك، وانتهاك حقوق الموظفين.
وقالت إدارة المعبر، في رسالة وجهتها إلى محافظ المحافظة، إن قوات آل سعود استحدثت إجراءات تعرقل العمل في المعبر الحدودي مع سلطنة عُمان.
وفي يوليو 2020، أصدر محافظ المهرة توجيهات بمنع التدخل في شؤون منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان "من قبل أي جهة كانت"، مؤكداً "ضرورة الحفاظ على الصفة الاعتبارية والإدارية للمنفذ".
ارسال التعليق