ضربة آرامكو..حيث لا ينفع الندم
بقلم: يارا بليبل...
بعد أن شهد الملف اليمني موتاً سريرياً على طاولة المفاوضات الغربية، تحت وطأة ضعف أوراق القوة التفاوضية “للتحالف السعودي” ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وغلبة الملف الأوكراني عن سواه من الملفات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، تمر الذكرى الثامنة للعدوان على اليمن، وهي حُبلى بالمتغيرات والخروقات النوعية التي حققها الحوثيين، حتى انتزع اليمانييون هدنة لشهرين قابلة للتجديد.
وبموازاة الجرائم شبه اليومية التي ارتكبها تحالف العدوان على اليمن، أظهر الاقتدار اليمني الذي وجّه الصفعة تلو الأخرى “للسعودية” ومن لف لفها، فكانت “ضربة آرامكو” درّة التاج التي رتّبت -بإقرار “السعودية”- آثاراً جسيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير فتداعت الرياض بسرعة إلى تبني لغة التهديد والابتزاز من خلال التلويح بالخطر المتمثل على الإمدادات النفطية.
لم ينحصر العدوان على اليمن بالهامش العسكري، بل تبنى النظام السعودي ومعه الإماراتي، بعد أن رُفع الستار عن قدرات الحوثيين في الصمود ومقاومتهم، تبنى تطبيق ما لقنته إياه السياسات الأميركية في تنويع أشكال العدوان، واستخدام كل أدواته تحقيقاً للهدف.
ولوّ أنه يندر أن نجد نموذجاً ناجحا للسياسة الأميركية في هذا المضمار، إنطلاقاً من إيران مرورا بسوريا وافغانستان وفنزويلا التي قرر بايدن مؤخرا وتحت تأثير اشتداد أزمة النفط والغاز أن يفتح قناة اتصال مع الدولة التي لطالما حاكت الإدارة الأميركية مؤامرات لإخضاعها تحت مظلتها.
ورداً على أحدث وجوه العدوان، قام مرتزقة آل سعود إلى جانب دعاة الحرية والإنسانية في الولايات المتحدة بقرصنة سفن الوقود، رغم حصولها على التصاريح الأممية. حيث أفاد المدير العام التنفيذي لشركة النفط اليمنية، عمار الأضرعي، بأنّ البوارج الأميركية وتحالف العدوان تقرصن سفن الوقود وتمنعها من دخول ميناء الحديدة وتقتادها إلى ميناء جيزان.
وأضاف أنه “في العام 2021 اشتدت أعمال القرصنة لسفن الوقود وجرى احتجاز 95% منها وسُمح فقط لـ5% من احتياج اليمن للوقود بينما في العام 2020 تم السماح بدخول نسبة 55%. مشيراً إلى تكبّد الشعب اليمني 6 مليون دولار خلال العام 2021 جبايات للحصول على الوقود عبر المنافذ البرية ذهبت لجيوب المرتزقة”.
وبيّن أنّ “ناقلة الوقود تقطع مسافة 1300 كلم في طريق طويل محفوف بالمخاطر ونقاط مسلحة وجبايات للمرتزقة، حتى تصل إلى المناطق الحرة.
بايدن يرعى القرار الأممي:
في الوقت الذي حاول النظام السعودي استغلال الحرب الروسية- الأوكرانية والضغط على إدارة جو بايدن لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً تجاه الملف اليمني.
وبعد أن تجدد الإعصار بمرحلته الثانية الذي أتى بالتوازي مع دخول العدوان على اليمن عامه الثامن، إيذاناً منه بافتتاح عام مليء بمفاجآت طابعها الرد والرّدع التصاعدي، برز مشهدان في التعاطي “السعودي” مع الملف اليمني:
الأول يتمثل في دعةو الرياض إلى مشاورات يمنية- يمنية في محاولة منها لإظهار أن الحرب في اليمن ليست سوى حربا أهلية، وأن “المملكة” من منطلق “حسن الجيرة” تسعى إلى الوفاق بين الأطراف المتنزاعة، مع تسجيل متغير لناحية الوجوه الحاضرة من جماعة المطبلين لبركات محمد بن سلمان، حيث أكدت المحادثات وجود أزمة ثقة بين “السعودية” وعبد ربه منصور هادي المتغيّب عن الحضور.
أما بالحديث عن المتغيّر الثاني، فقد اعترفت الرياض من خلال الهدنة المعلن عنها حديثا من قبل الأمم المتحدة، أن المشاورات اليمنية التي غابت عنها حركة الحوثيين لا تمثل شيئا في الحسابات الميدانية.
لا تغيب واشنطن عن إرهاصات إعلان الهدنة، بل هي المفعّل الحقيقي للقرار ولو استتر بغطاء أممي. حيث يسعى بايدن إلى تسجيل أي إنجاز يسبق الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي بعد تزايد مستويات الخطورة على سيطرة الحزب الديمقراطي عليه، وذلك بالرغم من يقينه بأن المؤثر الحقيقي على الاستحقاق المرتقب يتأتى من مفاعيل التصعيد بوجه روسيا، وانعكاساتها على أسعار النفط والغاز في الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي على مجمل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للأسر.
ما ورد لا ينفي فرضية أن ما جرى محاولة أخرى، ولعلها ختامية، في مسار إنقاذ النظام السعودي من الورطة التي جناها على نفسه وبمباركة غريبة منذ العام 2015، واعتقاده بأن اليمن ليس سوى مزرعة خلفية له، وأن شعب هذه البلاد أوهن من أن يكون لهم كرامة تأبى الذل ولو حتى على دماء أبنائها.
كسر الحصار من بوابة الداخل “السعودي”:
وبالعودة إلى الضربات الأخيرة في العمق “السعودي”، قُرأت عمليّة كسر الحصار الثانية، إقتصادياً، في إطار الردّ المشروع للشعب اليمني على الحصار، باعتبار أن الأزمة تمثلت بأشدّ أشكالها منذ بدء العدوان. حيث شمل الاستهداف مراكز حساسة، مثل محطات الغاز وتحلية المياه والكهرباء والنفط في مختلف المناطق.
أما عسكرياً، فالرسالة التي أراد الحوثيين إيصالها تتمحور حول عنوان واحد يطبع المرحلة المقبلة المنتظرة ما بعد إعلان الهدنة، ومفادها أن القوات المسلحة اليمنية تمتلك من القدرات والإمكانيات ما يمكّنها من الرد على معاناة شعبها بشكل متكافئ في عدة عمليات، أي أنَّ ما احتاج تحالف العدوان إلى تحقيقه عبر عشرات الغارات المسنودة بقرارات ومبايعة ومساندة دولية، يمكن تسوية حسابه بما هو أسرع وأقلّ كلفة من ذلك، وتسوية الحساب قد تعني انهيار اقتصاد “المملكة”.
ارسال التعليق