ابن سلمان يشكك بقدرة نتنياهو على فتح أبواب البيت الابيض
بقلم: حسن الطالب...
سلط الباحث في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك “جيمس تروب” الضوء على مساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” لتطبيع العلاقات مع السعودية، مؤكدا أن خارطة طريق هذا المسار ليست سهلة، إذ ترتبط بشكل وثيق بدفع الولايات المتحدة الأمريكية الرياض نحو قبول التطبيع.
وذكر تروب، في مقال نشره بمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن كبار المسؤولين الأمريكيين حول الرئيس جو بايدن قلقون من سياسات نتنياهو، سواء فيما يتعلق بالجبهة الفلسطينية أو حتى بمشاريع حكومته للإصلاح القضائي الداخلي، الذي سيخضع المحكمة العليا الإسرائيلية لسلطة البرلمان.
صفقة نتنياهو وأضاف أن مقايضة كبح تطرف الحكومة الإسرائيلية اليمينية مقابل دفع بايدن النظام السعودي نحو قبول التطبيع يمكن أن تمثل صفقة يعرضها نتنياهو في زيارته القادمة إلى واشنطن، خاصة أنه بحاجة ماسة إلى هكذا جائزة كبرى لضمان بقائه في السلطة من جانب، وعدم الزج به في السجن بتهم الرشوة والفساد التي تلاحقه، من جانب آخر.
يعتقد نتنياهو أن واشنطن تستطيع دفع النظام السعودي نحو التطبيع، عبر دعم المملكة بمبيعات الأسلحة، واعتبارها مع الكيان الإسرائيلي القوة الإقليمية الرئيسية بالمنطقة عبر التزام أمني صارم من جانب الولايات المتحدة، خاصة أن الجمهورية الإسلامية في إيران تشكل تهديدًا خطيرًا بحسب ادعاءات النظام السعودي والكيان الصهيوني.
وهنا يشير تورب إلى أن “جوهر اتفاقيات إبراهيم هو التعاون الأمني الإقليمي ضد إيران”، ولذا وقع الكيان الإسرائيلي اتفاقيات أمنية مع البحرين والمغرب وتساعد الإمارات بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخي في أعقاب هجمات على أبوظبي، شنها مقاتلو جماعة الحوثي اليمنية ردا على العدوان السعودي على بلادهم.
وقال الكاتب أن هجمات الحوثيين التي استهدفت “السعودية” أيضًا، ساعدت في دفع دول الخليج إلى حضن “إسرائيل”، التي يشكل نظامها “القبة الحديدية” أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الدفاع الجوي الصاروخي.
ويرى تروب أن نتنياهو محق في الاعتقاد بأن الشرق الأوسط سيكون مكانًا مختلفًا إذا انضم النظام السعودي إلى “اتفاقيات إبراهام”، مشيرا إلى أن هذا الاحتمال بات محل نقاش علني في الرياض، إذ لم يعد ولي عهد المملكة وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان متعاطفا مع الفلسطينيين بدرجة تفوق رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان.
ولذا لم يعترض بن سلمان على نقل السفارة الأمريكية في الكيان الصهيوني المحتل إلى القدس، رغم أنه قرار أثار غضب الفلسطينيين وأنصارهم. الطريق الوعر إذن لماذا تبدو خارطة طريق التطبيع السعودي صعبة؟
يقول تروب إنه إذا ألقى نتنياهو بعظمة للمتعصبين الدينيين في ائتلافه الحكومي عبر توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية أو إضفاء الطابع الرسمي عليها، أو عبر ضم جزء من الضفة الغربية، فلن ينضم بن سلمان إلى “اتفاقيات إبراهام”.
وفي هذا الإطار، ينقل تروب عن ديفيد شينكر، المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصفه لولي العهد السعودي بأنه “انتهازي لكنه ليس أحمق”، في إشارة إلى أنه لن يقدم على تنازل مجاني لصالح نتنياهو.
ويشير تروب إلى أن بن سلمان رفض طلب بايدن نفسه، في الصيف الماضي، لخفض أسعار النفط، إذ ينظر السعوديون إلى أنفسهم على أنهم قوة صاعدة في الجنوب العالمي، ويتعاملون مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفقًا لمصالحهم الخاصة، ويصرون على أنهم لم يعودوا في المدار الأمريكي. لكن السبب الأبرز لصعوبة خارطة طريق نتنياهو نحو التطبيع مع النظام السعودي هو أن بايدن لن يقدم التنازلات التي يريدها بن سلمان، حسب ما يراه تروب.
واعتبر إنه “حتى لو تركنا جانباً السلوك الوحشي لولي العهد السعودي في الداخل، بما في ذلك الإذن بقتل وتقطيع أوصال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، فقد أمضى سنوات في خوض حرب وحشية مدمرة في اليمن”.
وإزاء ذلك، سيكون من غير المعقول أن تقبل الولايات المتحدة علاقة مع النظام السعودي شبيهة بحلف شمال الأطلسي، حسب ما يراه تروب، متسائلا: “ماذا لو رد بن سلمان على هجوم حوثي آخر بضربة ضد إيران ثم تذرع بالالتزام الأمني للولايات المتحدة تجاه المملكة إذا ردت طهران؟”.
وأضاف أن بايدن، على عكس ترامب، لا يشارك وجهة النظر الإسرائيلية والسعودية بأن إيران يمكن ترهيبها وإسكاتها، خاصة بعد النتائج العكسية لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع طهران بإيعاز من الرياض وتل أبيب. فإيران اليوم أخطر بكثير مما كانت عليه عندما تم التوصل إلى صفقة الاتفاق لأول مرة عام 2015، وبات بايدن بحاجة إلى مساعدة الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي لاحتواء إيران، لكنه لا يستطيع السماح لهما بجر الولايات المتحدة إلى أعمال عدائية من شأنها أن تجعل الوضع الإيراني أكثر استعصاءً على الحل.
ولذا يرجح تروب ألا يقدم بايدن أي خدمة لنتنياهو بشأن النظام السعودي، كما يرجح ألا يسمح له الكونجرس إذا أراد ذلك. ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تغسل يديها من العلاقة مع النظام السعودي، كما كان يأمل بايدن أن يفعل عندما تولى منصبه لأول مرة، خاصة بعدما اكتشف مكانة السعوديين الوازنة في سوق النفط.
ويخلص تروب إلى أن نتنياهو سيحتاج، عندما يشق طريقه إلى واشنطن، إلى أن يخبره بايدن بأن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة في تشكيل نظام جديد في الشرق الأوسط، شريطة ألا يكون نظامًا قائمًا على إذلال الفلسطينيين وإجبار إيران على تغيير نظامها.
عين إبن سلمان على أبواب البيت الأبيض:
ورغم ما يظهره نتنياهو من تفاؤل متزايد بقرب إبرام اتفاق تطبيع مع النظام السعودي، لكن الأوساط السياسية والدبلوماسية، غير الرسمية، تقول، إن السعوديين لم يعودوا يظهرون موقفًا دافئًا تجاهه في حقبة ما بعد ترامب، لأنهم يشكون في قدرته فتح الأبواب لهم في البيت الأبيض.
وفي هذا السياق، ذكرت تال شنايدر المراسلة السياسية لموقع “زمن إسرائيل”العبري، أنه النظام السعودي “يُظهر موقفاً أكثر برودة تجاه نتنياهو، فلم يعد ترامب في البيت الأبيض، وحضور الديمقراطيين في الولايات المتحدة يلقي بظلال من الشك على قدرة نتنياهو على فتح الأبواب أمام السعوديين هناك، رغم أنه معروف بكونه الساحر بين دول الخليج، لكن في الآونة الأخيرة طرأ انخفاض ملحوظ في شعبيته، حتى بين الدول التي أبرمت بالفعل اتفاقية تطبيع، رغم أن لديه شخصية كاريزمية، لكن السعودية تدرك أن جهود مبعوثيه لإقامة علاقات معها لم تثمر، ولم يعد لهم نفوذ فيها”.
وأوضحت أنه “حتى اللحظة لا يُعرف متى سيسافر نتنياهو للولايات المتحدة لعقد اجتماع في البيت الأبيض، ولم تتم دعوته تلقائيًا بعد تنصيبه، رغم أنه كان من أوائل القادة الذين تمت دعوتهم بعد فترة وجيزة من تنصيب الرئيس ترامب خلال ثلاثة أسابيع فقط، وخلال عهده كان نتنياهو زائرًا متكررًا لواشنطن، لكن من الواضح أن بايدن ليس في عجلة من أمره حقًا لدعوته لمكتبه، وقد بات الآن لدى الأمريكيين عذر لتأجيل زيارته في ضوء التطورات الإسرائيلية الداخلية، حتى أن مكتب نتنياهو كشف أنه لا توجد حتى الآن خطة للسفر إلى واشنطن، وكل ذلك يسهم في تباعد فرص التطبيع مع السعودية، بعكس ما كان سائدا”.
ومن الواضح أن رفض البيت الأبيض تأكيد أو نفي وجود هذه الزيارة يسهم في تبريد الموقف السعودي الذي كان متحمساً، مع العلم أن نتنياهو يحتاج لرحلة واشنطن لترك انطباع جيد لدى الجمهور الإسرائيلي من جهة، ومن جهة أخرى، لمعالجة القضية الإيرانية المشتعلة، بسبب مساعدتها لروسيا بالسلاح في حرب أوكرانيا؛ وارتفاع معدل فرضية اليورانيوم، واستمرار تورطها في سوريا ولبنان، ومن جهة ثالثة يحتاج نتنياهو الزيارة للحصول على مذكرة مساعدة مالية لعشر سنوات، وهذا ليس تحديًا سهلاً.
من المحتمل أن البيت الأبيض يريد الانتظار لما بعد الأعياد اليهودية ليرى ما إذا كان نتنياهو يستطيع السيطرة على المنطقة، ويمتنع عن التصعيد في الأراضي الفلسطينية، مع العلم أن الشهر القادم سيذهب الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى واشنطن، وفي حال لم تتم دعوة نتنياهو للبيت الأبيض بحلول ذلك الوقت، فسنكون أمام توتر حقيقي في العلاقات، وإضافة عقبة جديدة في طريق التطبيع السعودي الإسرائيلي.
ارسال التعليق