دعوة سعودية لقوة دولية في قطاع غزة
بقلم: وليد عبدالحي...
شكلت دعوة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لنشر قوة دولية في قطاع غزة تكون مهمتها " دعم السلطة الفلسطينية" موضوعا للمناقشات وردود الفعل عربيا وفلسطينيا ودوليا ،ويمكن التقاط بعض النقاط التي بنى عليها الوزير السعودي دعوته ولو من خلال السياق ، فقد اشار الوزير تحديدا الى :
أ- قال : "لا يمكن رؤية أي مؤشر على وقف اطلاق النار في غزة.
ب- وقال : " نشاهد في كل يوم عناصر تعمل على تهديد حل الدولتين".ت- وقال: القلق من خطر توسع الحرب في لبنان ، وان وقف اطلاق النار في غزة يساعد على تخفيض التوتر بين اسرائيل ولبنان.
ومن الضروري الاشارة الى أن الدعوة لنشر قوة دولية في غزة " كانت مطلبا لقوى سياسية اسرائيلية" وكانت من ضمن السيناريوهات التي اشار لها نيتنياهو في اكثر من مناسبة وربطها بشروط معينة...وسبقت معركة طوفان الاقصى اقتراحات من الأوسلويين" الفلسطينيين بدعوات لاعتبار قطاع غزة " اقليما متمردا" ،مما يتطلب تدخل المجتمع الدولي "لانهاء هذا التمرد"، ذلك يعني ان الدعوة لقوة دولية في غزة هي مطلب متفق عليه بين واشنطن وتل ابيب والمطبعين والمتلهفين على التطبيع من العرب الى جانب الأوسلويين الفلسطينيين وبخاصة "نخبة" سلطة التنسيق الامني مع الاحتلال.
ولكن ما هي اهداف الدعوة ؟ :
1- ما يجمع دعاة القوة الدولية هو " التخلص من المقاومة المسلحة وبخاصة الجناح الديني " لأن انتصاره في القطاع سيكون له تداعيات على استقرار انظمة التطبيع والمصالح الامريكية، بخاصة ان النظر للمقاومة الفلسطينية لم يعد ضيقا في ظل تطور تدريجي لعلاقة هذه المقاومة مع محورها الاقليمي من ناحية، ولعلاقة تتطور بهدوء مع قوى الدعوة لنظام دولي تعددي الاقطاب من ناحية أخرى كروسيا والصين.
2- ان أغلب دول التطبيع العربي تستند في تأسيس شرعيتها السياسية على "مبررات دينية تاريخية " ، لكن تصادم هذه الأنظمة مع مقاومة ذات مضمون ديني "تحرري" وضعها في موقف حرج أمام الشعوب العربية ،وكشف الغطاء عنها بل أصبحت عارية بخاصة مع تدفق "فتاوى " التبرير لسلوك دول التطبيع، ودليلنا على ذلك هو استطلاعات الرأي العربية والغربية بل والاسرائيلية التي تؤكد رفض مجتمعات هذه الدول التطبيعية للوجود الاسرائيلي وللتطبيع بنسب لم تقل في اية دولة عربية عن 80%، وهو ما يؤسس لما بعده.
3- ان الدعوة لنشر قوة دولية يعني" تحرير الجيش الاسرائيلي من عبء القتال مع المقاومة الفلسطينية" وايكال المهمة لجيوش رسمية أو شركات امنية متعددة الجنسية، وهو امر يكرر ما جرى في العراق بتدمير احد اهم الجيوش العربية دون خسارة اسرائيل لجندي واحد، وبالتالي التخلص من المقاومة دون اي تكلفة لاسرائيل.
4- تتضمن الدعوة ايحاءا " بقصور الجسد والعقل السياسي الفلسطيني " عن إدارة شؤونه السياسية ، وان الحل يتم اقتراحه ممن لا تعرف أدبياته السياسية المعاصرة او تراث بلاده التاريخي اي تعبير صريح او ضمني عن مفهوم الارادة الشعبية لتحديد المسار للدول والمجتمعات، فالشعب الفلسطيني الذي يقاتل منذ 1948 الى الآن يختمر خبرة سياسية عميقة، ناهيك عن اعلى مستويات التعليم في العالم العربي بل واعلى نسبة لحملة الشهادات العليا هي في هذا المجتمع الفلسطيني، بل انه الاعلى في تصدير الكفاءات العلمية بين جميع الدول العربية ، بينما يقف غيرهم في ذيل هذه القائمة ، كما ان ارادته سبق وان عبر عنها في انتخابات شعبية شهد بنزاهتها الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر وذكرها بالتفصيل في كتاب له ، وكان الخيار الشعبي الى جانب المقاومة، فما هو الاساس الذي بنى عليه معالي الوزير الفاضل دعوته ؟ انه الخصومة مع اي طرف عربي يكن اي قدر من العداء للولايات المتحدة والناتو العربي والتطبيع او يدعو لاحترام ارادة الشعوب.
5- لماذا ملأت الادبيات الخليجية وبقيادة سعودية الفضاء الاعلامي في فترة الغزو السوفييتي لافغانستان بالدعوات للجهاد في فترة نهاية السبعينات من القرن الماضي؟ لان ذلك مطلب امريكي، كما ان العداء للدين التحرري في المقاومة الاسلامية في لبنان او اليمن مطلب امريكي، ومساندة اليوغور في الصين مطلب امريكي، لكن المقاومة الاسلامية ضد اسرائيل ليست مطلبا امريكيا...ومن هنا ندعو الحركة الاسلامية العربية الى ان تدرك ان "البترودولار " هو مدخل براغماتي لجذب الحركات الدينية التحررية نحو اعلاء اولويات الطقوس الشعائرية الشكلية على " الدين المعاملة"..
6- أنا اتحدى معالي الوزير السعودي وبكل احترام وتقدير أن يوكل الى جهة علمية اكاديمية اجراء استطلاع لرأي المجتمع السعودي الكريم حول :
أ- المقاومة المسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية ضد اسرائيل
ب- الموقف من سلطة التنسيق الامني ومدى موافقة المجتمع السعودي على سياساتها.
ت- الموقف من نشر قوة دولية في القطاع.
7- السؤال الاهم في كل هذا هو: هل هناك علاقة بين هذا التصريح وبين "المؤهلات المطلوبة" للتقدم خطوة باتجاه التطبيع السعودي الاسرائيلي؟ هل هذا التصريح هو "وحي" من مركز محور العداء للحقوق الفلسطينية ام "حصان طروادي جديد" ؟
سيدي معالي الوزير: لم يعد العالم في ظل ثوراته العلمية والتقنية اسير الرواية الرسمية، فمصادر معارفه تنوعت واتسعت واصبحت الرواية الرسمية ملقاة في الظل ولم تعد هي "شمسه"، ان العالم يتحلل تدريجيا من السلطة التقليدية وثقافة سوق عكاظ ، ومهمة النخب هي استشراف القادم وإدراك ان التغير هو وحده " وحدة التحليل" وليس غيره..مع كامل الاحترام والتقدير.
ارسال التعليق