إعادة صياغة علاقات واشنطن والسعودية من بوابة التطبيع
بقلم: صالح البقشي...
لا زالت العلاقة بين النظام السعودي والولايات المتحدة الأميركية محلّ نقاش وتحليل وسط وطالبات متزايدة بإعادة تشكيل وفقاً للأولويات الجديدة لكل من الطرفين، مع الحفاظ على التوجّه العام في سياق صوغ هذه العلاقة القاضي بالتنسيق الوثيق لمواجهة “البعبع الإيراني” المتخيّل، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة لإدخال كيان الاحتلال الصهيوني كعنصر أساسي في هذه العلاقة.
وفي هذا السياق، قال تقرير معهد “الشرق الأوسط” ومقره واشنطن، إن الوقت قد حان لواشنطن والرياض لإعادة تشكيل علاقاتهما الأمنية وفقًا للأولويات الجيوسياسية الجديدة للولايات المتحدة والمتطلبات الدفاعية الجديدة للنظام السعودي. انعدام ثقة وتوترات وأشار التقرير إلى أن “الغموض وطبيعة المعاملات لاتفاقية النفط مقابل الأمن لعام 1945، تساهم في انعدام الثقة والتوترات المتبادلة”، معتبراً أن “عبء إصلاح أو استقرار العلاقة هو مسؤولية مشتركة”.
ورأى أنه يجب على النظام السعودي أن “يبذل جهوداً حازمة وواضحة لمعالجة المخاوف الأميركية المشروعة، بما في ذلك حقوق الإنسان، وسياسة إنتاج النفط، والانفتاح الأمني على الصين، والحرب في اليمن”، كما يجب على الولايات المتحدة “إعادة بناء إطارها الأمني مع المملكة لجعلها أكثر فاعلية ضد التهديد متعدد الأوجه الذي تشكله إيران”.
ولفت التقرير إلى أنه “من المفارقات أن العامل الأمني في العلاقة بين الولايات المتحدة و”السعودية”، على الرغم من كونه أحد ركائزها الأساسية، غير محلل بالقدر الكافي وحتى يساء فهمه”.
وبالنسبة للسعوديين، فإن “الحماية الخارجية هي الشاغل الأساسي الأكبر في علاقتهم بواشنطن، لذلك، فإن الفهم الكامل لهذا القلق، والأهم من ذلك، كيف يمكن معالجته، بما يخدم أهداف الولايات المتحدة”، بحسب التقرير، الذي قال إنه “في حين أن هناك إجماعاً بين المسؤولين والمراقبين الأميركيين والسعوديين على الحاجة إلى زيادة تطوير العلاقات الدفاعية للبلدين”.
ورأى أن زيارة وفد أميركي رفيع المستوى إلى المملكة الأسبوع الماضي، لإجراء محادثات دفاعية مع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الذي يتخذ من الرياض مقراً، بعدما تأجلت المشاورات من أكتوبر إثر نشوب خلاف بين واشنطن والرياض بشأن السياسات النفطية، خطوة نحو تعزيز هذا التعاون.
وركز الوفد الأميركي خلال الزيارة على الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل للمنطقة والأمن البحري وإيران ومكافحة الإرهاب.
خلافات علنية:
ونقلت وكالة “رويترز” عن خبراء قولهم إن الولايات المتحدة والنظام السعودي “يحاولان تخطي خلافاً علنياً نشب العام الماضي، وأدى لتردي العلاقات الاستراتيجية، حيث تتوافق المخاوف الأمنية في الغرب والخليج على خطر الطائرات المسيّرة الإيرانية”.
وقاوم النظام السعودي والإمارات ضغوطاً غربية للمساعدة في عزل روسيا التي تربطها بهما علاقات اقتصادية ولتقييد العلاقات مع الصين شريكتهما التجارية الأساسية التي التقى رئيسها مع قادة الخليج في الرياض في ديسمبر. وحتى قبل ذلك كان تحالف الولايات المتحدة مع النظام السعودي يشهد توتراً تحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يتخذ موقفاً صارماً من ملف الرياض الخاص بحقوق الإنسان، لكنه زار المملكة الصيف الماضي للدفع من أجل زيادة إمدادات النفط.
وعندما قررت مجموعة “أوبك+”، التي يقودها النظام السعودي وتضم روسيا، في أكتوبر خفض الإنتاج المستهدف بدلا من زيادته، تعهد بايدن بأن تواجه الرياض عواقب لتلك الخطوة، لكنه لن ينفذ تعهده.
ويعد الأمن أمرا بالغ الأهمية لمنتجي الطاقة في الخليج، الذين يعتمدون بشكل كبير على مظلة الأمن الأميركية مع سعيهم لاستقطاب رأس المال الأجنبي لتنويع اقتصاداتهم في منطقة مضطربة.
لكن النظام السعودي والإمارات يشعران بالاستياء إزاء الشروط الأميركية لمبيعات الأسلحة، بما في ذلك ربطها بحرب اليمن التي تضع تحالفاً يقوده النظام السعودي.
ومع التشكيك في الدور الأميركي بالمنطقة، تسعى دول الخليج بشكل متزايد إلى تحقيق مصالحها الوطنية بما في ذلك التطلع لتنويع شركائها الأمنيين والاقتصاديين.
إيران هي الهدف وفي السياق المرسوم أميركياً وإسرائيلياً، جاءت مواقف رئيس حكومة الصهاينة بنيامين نتنياهو لتؤكد أهمية العلاقة بين الكيان الصهيوني والنظام السعودي بذريعة مواجهة إيران.
فقد نقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية عن نتنياهو، قوله إن تل أبيب تسعى إلى لتطبيع العلاقات مع الرياض، معتبراً أن “السلام مع “السعودية” يستهدف وقف العدوان الإيراني، وسيفتح إمكانيات اقتصادية للدولة اليهودية وللمنطقة ككل”.
وزعم في كلمة ألقاها في القدس أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، أن “العالم العربي يعترف بأولوية وقف التهديد الإيراني، الأمر الذي يساعد في التقارب مع إسرائيل”.
ولفت نتنياهو إلى أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تطبيع العلاقات مع النظام السعودية، قائلاً إن مثل هذه الخطوة “تحدث تغييراً تاريخياً في موقف “إسرائيل” في الشرق الأوسط”، مشدداً على أن “هذا الهدف نعمل عليه بالتوازي مع هدف وقف التهديد الإيراني، فالهدفان مترابطان”.
سلام إقتصادي:
وبشأن أفق التعاون الاقتصادي بعد “السلام الإسرائيلي السعودي” المرتقب، قال نتنياهو إن “أحد الاحتمالات الاقتصادية هو ربط شبه الجزيرة العربية بميناء حيفا عبر خط سكة حديد يمر عبر الأردن”.
وأشار رئيس الوزراء الصهيوني إلى أن الخطة سترتكز على “خطوط السكك الحديدية العثمانية القديمة التي أقيمت أجزاء منها بين حيفا وبيت شون”.
وقال إنه “بالمثل، يمكن أن يكون هناك خط أنابيب نفطي يمتد من شبه الجزيرة العربية إلى موانئنا في البحر المتوسط ما يوفر سبعة أيام من السفر عبر البحر”.
وفيما يتعلق بالنتائج السياسية من التطبيع السعودي الإسرائيلي، قال نتنياهو إن “إسرائيل لن تكن دولة معزولة في شرق البحر المتوسط محاطة بدول ليست حليفة، بل دولة تعيش في سلام في تحالف جيوسياسي فعال مع دول عربية رئيسية في واحدة من أكثر المناطق تعقيداً في العالم، وهذا قد ينهي نزاعنا مع الفلسطينيين في نهاية المطاف”.
محادثات عسكرية واستخباراتية:
وكانت وكالة “بلومبرغ” الأميركية قد ذكرت مؤخراً، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة نتنياهو، كثفت محادثاتها مع النظام السعودي بهدف تطوير علاقات عسكرية واستخباراتية، أوثق في ضوء المخاوف المتزايدة بشأن إيران.
ونقلت الوكالة عن 6 أشخاص مطلعين على المناقشات، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، لأن المحادثات كانت خاصة، أن مسؤولين من البلدين عقدوا اجتماعات استكشافية قبل اجتماع مجموعة عمل مجلس التعاون الأميركي الخليجي الأخير حول الدفاع والأمن الذي انعقد في الرياض.
وقال 3 أشخاص إن من المتوقع إجراء مزيد من المحادثات في براغ عاصمة التشيك، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، الذي بدأ الجمعة الفائت.
وذكرت الوكالة أن المحادثات بين النظام السعودي والكيان الصهيوني تأتي بدعم من الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزارة الخارجية امتنعتا عن التعليق على تقرير “بلومبرغ”، وكذلك فعلت وزارة خارجية النظام السعودي.
وطلب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الرجوع إلى حكومتي النظام السعودي والكياان الصهيوني للحصول على معلومات حول محادثاتهما الأخيرة، لكنه أوضح أن واشنطن تدعم “بناء الروابط بين الشركاء الإقليميين باعتبارها ضرورية لازدهار المنطقة وسلامها واستقرارها”.
وحول السعي السعودي للحصول على التزامات أمنية وعسكرية جديدة من الولايات المتحدة كثمن للتطبيع مع كيان الاحتلال، قال المتحدث إن واشنطن “تعمل مع الشركاء السعوديين لتعزيز الأولويات المشتركة في علاقة تعزز استقرار وازدهار وتكامل الشرق الأوسط”.
ومنذ توقيع اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والبحرين، يبذل نتنياهو جهوداً مكثّة للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع النظام السعودي، قبل أن يعرب عن تفائله للتوصّل إلى اتفاق مع المملكة قريباً.
في المقابل، تزايدت التقارير والمؤشرات حول استعداد النظام السعودي للدخول إلى حظيرة التطبيع مع دولة الاحتلال، حيث أشارت تقارير إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان لا يمانع من التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن يربط الأمر باعتلائه عرش المملكة خلفاً لوالده.
ارسال التعليق