مطالب حقوقية بمحاسبة السعودية على جرائمها في اليمن
تتطلب الهدنة الجديدة السائدة في اليمن المساءلة بما في ذلك محاسبة السعودية على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في البلاد بحسب أوساط حقوقية دولية.
وقالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن المفاوضات من أجل هدنة جديدة في اليمن من قبل السلطات السعودية والحوثية تمثل فرصة لدمج آليات المساءلة والمراقبة الضرورية لحماية حقوق اليمنيين الأساسية. وفقا لتقارير إخبارية، يبدو أن المفاوضات تحرز تقدما.
لمعالجة مسألة حقوق اليمنيين بفعالية، ستتطلب أي هدنة جديدة بنودا لضمان مشاركة حقيقية من المجتمع المدني اليمني في الحوار المتعلق بالقضايا التي تؤثر على حقوقهم، والإفراج عن جميع المحتجزين تعسفا، ووضع خطة لإيجاد وإزالة جميع الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، والالتزام بالمساءلة والتعويض عن انتهاكات الحرب.
وبحسب المنظمة الدولية تقاعست أطراف النزاع والأمم المتحدة والدول القوية بشكل شامل عن محاسبة منتهكي الحقوق منذ بدء النزاع في 2014. عززت انتهاكاتهم المتواصلة الحاجة إلى آلية تحقيق دولية مستقلة لإنهاء الإفلات من العقاب.
قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي أن يكون المدنيون اليمنيون هم المستفيدون الحقيقيون من الهدنة، لا قادة أطراف النزاع، الذين لا يرغبون بتحمّل المسؤولية عن انتهاكاتهم الجسيمة للقانون الدولي. أُقصي المجتمع المدني اليمني والنشطاء فعليا من المفاوضات، فلم يبقَ أحد لتمثيل مصالح اليمنيين”.
في 2022، وافقت الأطراف المتحاربة على هدنة مدتها شهرين بمبادرة من الأمم المتحدة، والتي تضمنت اتفاقية لوقف جميع العمليات العسكرية الهجومية، والسماح بدخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة واستئناف الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء.
جدّد الطرفان الهدنة مرتين، لتنتهي في 2 أكتوبر/تشرين الأول. مع ذلك، استمرت الانتهاكات، ولم تشمل الهدنة البنود الضرورية لحماية المدنيين.
طوال فترة النزاع، وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى الانتهاكات المتفشية للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
دمّر التحالف بقيادة السعودية والإمارات، الذي يتدخل بالنيابة عن الحكومة، البنية التحتية المدنية، ومن ضمنها المنازل، والمرافق الطبية، والمدارس، والأسواق، ومصادر المياه والغذاء وبنيتهما التحتية من خلال حملاته الجوية، والتي قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب.
كما أطلق الحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة ومعظم أنحاء البلاد، قذائف الهاون والقذائف الصاروخية وغيرها من الصواريخ على مناطق مكتظة بالسكان في كل من اليمن والسعودية، ما يشكل جرائم حرب محتملة أخرى، وزرعوا ألغاما أرضية في مناطق مدنية في أنحاء البلاد.
رغم انخفاض عدد الضحايا المدنيين واستئناف الرحلات التجارية من مطار صنعاء، لم تتوقف الخسائر في صفوف المدنيين خلال الهدنة.
وفقا لبيانات من “مشروع مراقبة أثر الصراع على المدنيين”، سقط حوالي 938 مدنيا في أشهر الهدنة الستة.
سجّل موقع “مراقبة الهدنة في اليمن” التابع لـ “مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه” 2,208 حادثة قصف وقذائف مدفعية وهجمات صاروخية، أيّ أكثر بثمانية أضعاف عن الأشهر الستة السابقة للهدنة، و374 غارة جوية/بطائرة مسيّرة و369 اشتباكا مسلحا.
وجدت منظمة “إنقاذ الطفل” أن أطراف النزاع قتلت أو أصابت 38 طفلا في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز، وهو أعلى رقم مسجل منذ بداية 2020.
سجلت “مواطنة لحقوق الإنسان”، وهي منظمة مجتمع مدني يمنية، 14 هجوما بريا عشوائيا على الأقل طوال فترة الهدنة. في إحدى الهجمات، في 23 يوليو/تموز 2022، قصف الحوثيون حيا سكنيا في تعز، فقتلوا طفلا وأصابوا 11.
منذ حل “فريق الخبراء البارزين”، وهي هيئة المراقبة المفوضة من “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، في 2021، لم يعد هناك مراقبة دولية للانتهاكات الحقوقية في اليمن.
رغم أن مجموعات غير حكومية وهيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة سدت الفجوة جزئيا، إلا أن عملها لم يعوّض غياب هيئة تحقيق مستقلة ومدعومة من الأمم المتحدة تتمتع بالموارد الكافية.
يصعب تقييم ما إذا كانت الأضرار التي لحقت بالمدنيين خلال الهدنة تنتهك القانون الدولي. لكن عدد الضحايا المدنيين الكبير قد يُظهر أن الأطراف المتحاربة لم تتخذ تدابير احترازية كافية، في وقت وجب عليهم فيه وقف القتال أصلا.
رفض الحوثيون أيضا خطط مبعوث الأمم المتحدة الخاص بشأن بند في الهدنة يدعو لإعادة فتح الطرق في تعز وغيرها. أغلق الحوثيون الطرق الرئيسية من تعز وإليها منذ 2015، ما يقيّد بشدة حرية تنقل المدنيين والمساعدات الإنسانية الحيوية.
واصلت أطراف النزاع، والحوثيون تحديدا، تقييد وصول المساعدات الإنسانية.
سجّل “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) حوالي 1,205 حادثة عرقلة أو تدخل في وصول المساعدات الإنسانية خلال الهدنة، منها ارتكاب العنف ضد العاملين في مجال الإغاثة.
في الأشهر الثلاثة التي أعقبت بدء الهدنة، ازداد العنف ضد العاملين في مجال الإغاثة ومنشآتهم بـ 40% مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة.
وأكدت المنظمة الدولية أنه من أجل إدامة هدنة جديدة لتعزيز حقوق اليمنيين، من الضروري إشراك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني بشكل هادف في القضايا الرئيسية، ومنها حقوق المرأة والأقليات.
وشددت على أنه ينبغي لأطراف النزاع أيضا الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيا والكشف عن مصير الذين اختفوا، ومنهم نشطاء حقوقيون وصحفيون.
دمرت أطراف النزاع البنية التحتية الحيوية لليمن، ما أضر بشدة بحقوق اليمنيين، مثل الصحة، والمياه، والصرف الصحي، والتعليم.
للتعافي من آثار النزاع، ينبغي لأطراف النزاع الالتزام بإيجاد الكميات الكبيرة من الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب المنتشرة في جميع أنحاء البلاد وإزالتها وتقديم المساعدة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنه ينبغي محاسبة الأطراف على انتهاكاتهم الجسيمة أثناء النزاع، وإنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الحرب المحتملة أو المشرفين عليها.
لم يُدعَ المجتمع المدني رسميا للمشاركة في مناقشات الهدنة أو في أي مفاوضات أشمل بقيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
وثقّت هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى وقوع التعذيب، والإخفاء القسري، والاحتجاز التعسفي على يد قوات التحالف، خاصة القوات السعودية، والإماراتية، والقوات اليمنية المدعومة من الإمارات.
بينما كان التبادل الأخير لحوالي 900 محتجز خطوة مهمة من كلا الجانبين، لا يزال الكثيرون محتجزين تعسفا ومختفين على يد جميع الأطراف المتحاربة. ينبغي أن تضمن الهدنة إطلاق سراحهم.
لا تزال الألغام الأرضية، ومنها الألغام الأرضية المضادة للأفراد المحظورة دوليا، والمتفجرات من مخلفات الحرب منتشرة في جميع أنحاء البلاد. خلال الهدنة، كانت المتفجرات من المخلفات المتسبب الأول في سقوط الضحايا المدنيين، حيث أودت بحياة حوالي 300 ضحية خلال ستة أشهر.
كما أن الأطفال والنساء مهددون بشكل خاص، وأدى انتشار الألغام الأرضية إلى التهجير وفقدان سبل العيش. جهود إزالة الألغام الحالية محدودة وقليلة الموارد، ولا تزال هناك حاجة لإزالة مئات الآلاف من الألغام الأرضية.
أخيرا، لم تُحاسب الأطراف المتحاربة على أفعالها خلال النزاع، ومنها انتهاك الهدنة. تسبب أطراف النزاع بمقتل 20 ألف مدني على الأقل، ويحتاج أكثر من 21 مليون يمني للمساعدات الإنسانية.
تعرّض أكثر من 4.5 مليون شخص للتهجير، وأدى النزاع إلى تدمير أو الإضرار بلبنية التحتية الحيوية، ومن ضمنها المرافق الطبية والبنية التحتية للمياه والغذاء، في جميع أنحاء البلاد.
بموجب القانون الدولي، تلتزم الأطراف المتحاربة بتقديم تعويضات عن انتهاك القانون. لكن وفقا لمواطنة و”عيادة لوونستين الدولية لحقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة ييل”، لم تُقدّم الأطراف المتحاربة تعويضات حقيقية.
أظهر بحث هيومن رايتس ووتش أن المحاكمات العادلة، والتعويضات، وإعادة الإعمار، وأشكال التنمية الأخرى ضرورية “لتقدّم المجتمع بطريقة مستدامة”.
قالت جعفرنيا: “حلّ فريق الخبراء البارزين تسبب بفجوة هائلة في قدرة المدنيين اليمنيين على تحقيق المساءلة والانتصاف. ينبغي للهدنة الجديدة معالجة هذه الفجوة بإنشاء آلية تحقيق دولية، وهي الخطوة الأولى لتحقيق المساءلة”.
ارسال التعليق