بين النُخب الكويتية والذباب السعودي
يمكننا الجزم بأن "السعودية" لم تُشهد العالم لها حالاً فيه شيء من الاعتدال. ليس على الصعيد السياسي الذي دائما ما كان منفذا للرؤية الاميركية أولا وأخيرا، وإنما على الصعيد الثقافي.
هي أنظمة فاقدة للشرعية قامت بداية على أرهب أنواع التشدد الديني حتى خرجت عن طَور الدين، هي اليوم وعلى حين غرّة، لا دون سابق إنذار، ترعى أعنف أوجه الإنحلال الأخلاقي الذي بات على مرئى من العالم، ودلائله كثيرة.
إلا أن السياستين وعلى اختلافهما الشاسع يصبّان كلاهما في الهدف عينه: في السابق كان هدف هذا التعصّب والكبت المُمارس ضد شعب الجزيرة العربية مردّه استخدام قوة تأثير الأحكام الدينية على وعي الشعوب، فكان لهذه الأنطمة أن تستخدمه وتُروّضه لصالحها في إخضاع هذا الوعي وتمييعه.
وللدوافع عينها، قام "نظام" اليوم؛ نظام ابن سلمان، في فرض قواعد ومبادئ مغايرة كُليّا لسابقاتها ولكن بما يضمن له مجددا إخضاع الوعي الجمعي وتركيعه أمام شهوات العصر.
ولتحصين رؤيته، ظهر على السطح وبشدة مع الصعود السياسي لمحمد بن سلمان، أدوات إلكترونية تُفقد المُطلّع السعودي بصيرته في تحكيم موازين الأمور.. الذباب الإلكتروني
حتى بات هذا الذباب بديلا عن منابر رجال "دين" آل سعود الذين لطالما ساهموا سابقا في لعب الدور عينه الذي يلعبه الذباب الإلكتروني اليوم.
دور الذباب بعد طوفان الأقصى:
أدوار عديدة أُنيطت بالذباب السعودي ما بعد طوفان الأقصى، كان آخرها حملة على أهل الكويت تستخدم أقبح أشكال المسّ بعشب بلدٍ ما. حيث غرّد من الذباب السعودي وحتى من المغردين أصحاب الهويات المعروفة، تغريدات تشكك في نسب أهل الكويت، ما دفعنا للتساؤل عن سبب هذا الهجوم الغير معلّل؟
يرى الناشط والباحث محمد العمري في قراءة هذا المستجدّ أنه "بعد طوفان الأقصى إشتدت الحملة السعودية على أهل الكويت" بسبب أجواء الحرية الموجودة في الكويت التي رفعت من قدر هذا البلد في نظر الكثير من الشعوب العربية". ويضيف العمري في حديثه لـ"مرآة الجزيرة"، "وبسبب أن الحكومة الكويتية تعتمد في سياستها الخارجية على قضيتين: القضية الأولى هي الإغاثة ومساعدة المحتاجين وثم تبني قضية فلسطين".
مُعتبراً أن هاتين الأداتين هما أدوات الحكومة الكويتية لاكتساب الشرعية والتفاخر في الكويت. وأنه "على عكس الواقع في السعودية، حيث يحاول حكامها منذ سنين عبر صفقة القرن وما تلاها من مساعي تطبيعية لدمج الكيان المحتل في المنطقة، إلى اكتساب الشرعية الخارجية لحكمها".
مشددا على أنّ التنافس جذري وعميق بين الكويت والسعودية، "ففي حين أن التضامن مع القضية الفلسطينية تشكل قضية مصيرية في الكويت، إلا أنها في السعودية تشكّل قضية ترفيّة" مُقتصرة على تقديم المساعدات بين كل فترة والاخرى وتصويرها.
ويستطرد فيشرح الاهتمام الكويتي بالقضية بأنه "يعود على وجه الخصوص إلى احتواء الكويت للكثير من الفلسطينيين الذين ساهموا في تطوير الميادين التعليمية والصحية والتجارية على مدى سنين سيما في الخمسينيات".
ويؤكد الباحث السعودي لـ"مرآة الجزيرة" إلى أن " ظهور الذباب السعودي الذي يهين أهل الكويت مشككا في أنساب أهل الكويت، أمر ارتدّ بالإيجاب إلى الحكومة الكويتية، حيث أعطاها فرصة للإقدام على خطوة العفو عن الكويتيين الذين كانت تحاكمهم بتهمة التوجه بالشتم إلى السعودية. في انكسار جديد لصورة وهيبة السعودية".
ويلفت العمري إلى أنه " بعد طوفان الأقصى نُزع آخر قناع عن وجه السعودية الحقيقي، وفقدت احترام من تبقى من العرب، واليوم نلحظ الأمر لدى الشعب الكويتي".
ويتابع بأن "العديد من الاكادميين الكويتيين، مخصوصا من يعملون في جامعات الكويت سيّما في التخصصات السياسية والتاريخية، بدأوا يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الوعي في قضية تاريخ فلسطين في تدمير للرويات الصهيونية والأخرى السعودية المؤاتية لها". ما أغضب "السعوديين" ودفعهم لشن حملة معاكسة عليهم.
ويستنتج الباحث السياسي بأنّ "بين الكويت والسعودية معركة على صعيد أكبر من الذباب، وهي معركة الوعي. فنلاحظ كيف أن هامش الحرية الموجود في الكويت الذي سمح لشخصيات النخب من المثقفين باستنهاض الوعي بحقائق عديدة تغيب عن التداول في السعودية، ما سمح لهذه النخب بسد الفراغ الفكري والتوعوي المُغيّب في السعودية، مقابل السماح للذباب وأشباهه بتمييع الوعي السعودي".
التشويه طال المقاومة:
منذ طوفان ااقصى، شرعت حملة تحريض "سعودية" ممنهجة ضد المقاومة الفلسطينية تضمنت أوجه تضليل عديدة، منها التوهين من صورة المتحدث الإعلامي باسم كتائب القسام أبو عبيدة. وتداول أفلام مصوّرة مضللة عن المقاومة الفلسطينية.
حيث اتّهم الذباب المقاومة بقتل سائحة ألمانية والتمثيل بها بعد اغتصابها في رواية كانت كاذبة من الأساس وروّجت لها المواقع الإسرائيلية بداية الأحداث، فالشابة تحمل الجواز الإسرائيلي ولم تُقتل أصلًا أو يُتعرّض لها بسوء
ومع التفاف أهالي غزة حول المقاومة ورجالها، لجأ الذباب مرة أخرى للكذب والتزوير، فتناقلوا مقطعا كاذبا عن تعامل رجال المقاومة الفظ مع سكان غزة وضربهم لهم.
بينما أظهرت التحقيقات أن المقطع يعود لتعامل رجال السلطة الفلسطينية مع أهالي الضفة الغربية.
ولم يُوفّروا استقدام الرواية عينها التي تشيطن كل حركات المقاومة من منطلق أنها تلقى الدعم من إيران. حيث اتّهم الذباب المقاومة بالارتماء في حضن إيران وأذرعها، بينما المقاومة استفادت من إيران وتقنياتها العسكرية حين خذلها العرب.
ومع تكرار ظهور أبو عبيدة وتأثيره الواسع في الإعلام والجيل العربي، لجؤوا لحملة تشويه مكثّفة ضده شخصيًا فحاولو نزع صفة الرجولة والشجاعة عنه ووصفوه بـ "المنقبة"، وحاولوا تشبيهه بالفأر المختبئ بعد أن أصبح أيقونة عربية إسلامية.
وامتدت حربهم على أبو عبيدة إلى "شماغه"، فشنّوا حملة عليه بأنه يحاول انتحال الشماغ العربي الأصيل ليستقطب الناس حوله ما يؤكد أن غباء الذباب وضحالة تفكيره أضرّ بـ"السعودية" أكثر مما أفادها.
وفي الإطار كشف تحقيق لمنصة "إيكاد" المتخصصة في استخبارات المصادر المفتوحة، بأن حسابات عديدة غير معروفة الهوية قامت منذ الأيام الأولى التي تلت طوفان الأقصى بتداول "روايات وسردية متطابقة تمامًا، مُرددة الجمل والعبارات ذاتها بكثافة بعد ساعات فقط من بدء عملية طوفان الأقصى"، مثل حسابات حمد العتيق وسلمان بن حثليين وعبدالله الطويلعي.
وقالت المنصة إن هذه الحسابات وغيرها ركزت على ترويج مزاعم حول استهداف المقاومة للمدنيين الإسرائيليين ومعاملتهم بوحشية وأسرهم.
وكشفت المنصة، أنه من خلال تحليل الحسابات التي رددت العبارات ذاتها وروّجت لسردية معادية للمقاومة، تم ملاحظة أنها مجرد لجان إلكترونية ممنهجة ومترابطة ومتفاعلة مع بعضها بشكل واضح، تتفاعل وتغرد مع الحسابات المركزية السعودية وتردد العبارات نفسها.
القمع الإلكتروني السعودي:
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها للعام 2023، إنَّ "السلطات السعودية" صعّدت خلال العام الماضي من حملتها القمعية الوحشية ضد الأفراد الذين يستخدمون مساحات على الإنترنت للتعبير عن آرائهم.
ووثقت المنظمة حالات 15 شخص حُكم عليهم في 2022 بالسجن لمدد تتراوح بين 10 و45 عامًا لمجرد ممارستهم أنشطة سلمية على الإنترنت، بما في ذلك فترة عقوبة يُعتقد أنها الفترة الأطول التي صدرت بحق امرأة سعودية على خلفية التعبير السلمي على الإنترنت.
كما أفاد التقرير بأن "السعودية" اخترقت شركة تواصل اجتماعي واحدة على الأقل للحصول بشكل غير قانوني على معلومات عن المعارضين والسيطرة على المعلومات التي تُنشر عن المملكة على الإنترنت.
وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “لدى السعودية سجل طويل وسيئ السمعة في ما يتعلق بقمع المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وأعضاء المجتمع المدني، وتشمل أهدافها الآن أفرادًا ‘عاديين’ من الشعب يمارسون حقهم في حرية التعبير على الإنترنت بشكل سلمي. إنَّ هذه الأحكام الصادمة هي بمثابة تذكير مخيف لجميع المواطنين السعوديين والمقيمين في السعودية بأنه لن يتم التسامح مع أي شخص معارض".
وأضاف لوثر أن " السعودية تحاول اختراق منصات التواصل الاجتماعي على الانترنت للسيطرة على المعلومات التي يتم نشرها حول المملكة وقادتها. وتكشف هكذا أساليب قمعية نفاق السعودية في تنظيم الأحداث العالمية التي تدّعي أنها تدعم التدفق الحر للمعلومات عبر الإنترنت".
ارسال التعليق