واشنطن متخوفة من تنامي النفوذ الصيني وتغيير هيكل السعودية
لا يزال الإعلام الغربي يتناول نواحي التطبيع الرسمي بين السعودية وإسرائيل، حتى بات إثارة الموضوع يقترب من الملل والتكرار. تعترف الصحف الغربية بأن آل سعود تحت حكم محمد بن سلمان باتوا أكثر وضوحا في موقفهم الحقيقي من القضية الإسلامية في الدرجة الأولى والعربية في الدرجة الثانية. بات جليّا أن السعودية لا تهتم بالقضية ولم تعد تكترث للدور التي كان من المفترض أن تكمل به، لكن يبدو أنها تعبت من تمثيل دور الحامي للمقدسات الإسلامية كما المصالح الإسلامية.
التطبيع: نحو سعودية نيوليبرالية:
تشير الفورين آفيريز إلى أنه "بالنظر إلى مدى شعبية القضية الفلسطينية بين المواطنين السعوديين، يجب على محمد بن سلمان الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي على أنهم ضحايا العدوان والاحتلال الإسرائيلي. تريد الحكومة السعودية تعزيز أمنها، وتأمل أنه من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يمكنها إنشاء تحالف أمني مع الولايات المتحدة وحلفاء واشنطن الإقليميين."
وتقرأ الصحيفة هذا الاندفاع السعودي لإتمام الصفقة، على أنه خطوة في مسار السعودية تحويل شكل بلاد الحرمين الشريفين إلى نموذج حكم نيوليبرالي له مصالحه القومية التي يعمل عليها بعيدا عن أي محددات دينية. وأتى في الصحيفة "لم يكن التطبيع، هو السبيل الوحيد أمام أسرة آل سعود لتعزيز قبضتها. ويستطيع النظام أيضاً أن يحمي نفسه ومصالحه من خلال بناء اقتصاد أكثر قوة وتغيير الأيديولوجية الداخلية للبلاد. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل بنشاط على تطوير قطاعات جديدة غير مرتبطة بالنفط، مثل السياحة والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والتكنولوجيا والتمويل والنقل".
مشيرة إلى أنه "وعلى نحو متزايد، يسعى النظام الملكي إلى إضفاء الشرعية على حكمه من خلال تقديم نفسه على أنه حامي الشعب السعودي وتعزيز الشعور القومي القوي الذي يضع المصالح السعودية في المقام الأول، بدلا من المسار السابق الذي كان يعتمد على "الوهابية" كداعمة أساسية لحكمه".
وتلفت الصحيفة إلى أن "الرياض ترفض عمدا المطالبات والالتزامات الأيديولوجية العابرة للحدود الوطنية. وعلى النقيض من إيران، لم تعد السعودية مهتمة بالدفاع عن القضايا الإسلاميةوعندما تستحضر الرياض قضية فلسطين فهي قضية قومية وليست قضية إسلامية."
مع الإشارة إلى ان هدف محمد بن سلمان هو جعل السعودية، على حد تعبيره، "طبيعية". وهو يعني بذلك مجتمعاً منفتحاً اجتماعياً وديناميكياً اقتصادياً، على الرغم من أنه سيظل في قبضته الاستبدادية.
ويعتقد ابن سلمان أن هذا التخفيف من الأعراف الدينية والاجتماعية من شأنه أن يسمح للبلاد بالتنافس اقتصاديًا مع الدول الأخرى، وجذب الاستثمارات والمواهب الأجنبية، وتقليل اعتمادها في النهاية على عائدات الوقود الأحفوري.
على سبيل المثال فقد أنشأت حكومته، عطلات غير دينية، مثل يوم التأسيس، والتي يتم الآن الاحتفال بها والترويج لها على نطاق واسع. وتحت رعاية برنامج يسمى رؤية 2030، أكد النظام على التراث الثقافي ما قبل الإسلام في البلاد، وجمالها الطبيعي، والفنون والثقافة السعودية المعاصرة. فقد سلطت الضوء، على سبيل المثال، على مدينة العلا، وهي واحة سعودية مذهلة ومنطقة صحراوية تضم مقابر قديمة مذهلة. وتقوم الدولة بإعادة كتابة التاريخ السعودي بطريقة يتم إيلاء اهتمام أقل لدور الإحياء الديني في تكوين البلاد وتاريخها.
ولفتت فورين آفيريز إلى إمكانية "أن تساعد مبادرات محمد بن سلمان في تعزيز ازدهار المملكة العربية السعودية، وبالتالي شعبية نظامه. ولكن لكي ينجحوا، يجب أن يسود السلام. وقد توصل محمد بن سلمان إلى هذا الإدراك بعد عدة سنوات من اتباع سياسات خارجية عدوانية، مثل تدخله المكلف في الحرب في اليمن، ومقاطعة قطر، والموقف العدائي تجاه إيران ـ بما في ذلك تشبيهه للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بهتلر. أدت هذه الإجراءات إلى عدم الاستقرار في المملكة وعرضت أهداف محمد بن سلمان للخطر".
ورأى برنارد هيكل، وهو أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون، أن السعوديون يشعرون بأنهم مجبرون على الانضمام إلى بقية دول العالم العربي الذي يدين إسرائيل.
مستذكرا بعض التصريحات السعودية التي تضمنت انتقادات للعدوان الإسرائيلي والتي "كانت أخف من الانتقادات الموجهة من دول إقليمية أخرى". حيث أصدر وزير الخارجية السعودي وأمراء آخرين بيانات تدين تصرفات إسرائيل باعتبارها جرائم حرب. وقد دعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار. وفي أواخر يناير/كانون الثاني، أيدت الحكومة السعودية اتهام جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
ويتابع الكاتب أنه رغم هذه التصريحات لا يزال "أمل السعوديون في استئناف حملة التطبيع قريبا".
التطبيع: لضبط المارد الصيني:
ومن جانبها، قالت مجلة ناشونال إنترست الأميركية، إن الإدارة الأميركية تضغط لإعلان تطبيع السعودية مع الكيان الإسرائيلي على أمل أن يساهم ذلك في الحد من نفوذ الصين. رابطة هذا الدفع نحو تعزيز العلاقات بين السعودية وإسرائيل بـ"لعبة أوسع على رقعة الشطرنج الكبرى للسياسة الدولية، ولا يتعلق فقط بالاستقرار الإقليمي"، وأن "نفوذ بكين المتزايد باستمرار في المنطقة يدفع إلى ليالٍ بلا نوم في واشنطن" بحسب تعبير المجلة.
ورغم التباينات الظاهرية بين "النظامين"، تشير المجلة إلى أن "كِلا البلدين يظهران علامات خفية على العلاقة المتنامية، إذا خدشت تحت السطح، فسوف تجد نسيجًا من العلاقات المعقدة والمصالح المتبادلة".
وفي إضاءة على التخوف الأميركي من مزاعم تنامي نفوذ الصين في المنطقة، قالت "ناشونال إنترست" أن "تحقق الصين تقدمًا كبيرًا في المنطقة، حيث تتعاون بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية في مشاريع مختلفة. وشدد الجنرال مايكل إريك كوريلا، وهو شخصية رئيسية في القيادة المركزية الأمريكية، على الضرورة الملحة لأن تسابق الولايات المتحدة الزمن لتشكيل الروايات المستقبلية لواحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا واستراتيجية من خلال تعزيز شراكاتها الإقليمية قبل أن تزرع الصين جذورها".
"ومن خلال دمج المملكة العربية السعودية في اتفاقيات إبراهيم، تهدف واشنطن إلى بناء إطار من المصالح المشتركة والشراكات التجارية والتحالفات الدفاعية للحد من نفوذ الصين المزدهر في المنطقة"، تتابع المجلة الأميركية، وتشير إلى خط القطار البري المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يربط الخليج الفارسي (العربي) بأوروبا وآسيا، كواحد من أبرز الخطوات في هذا المسار الذي "يمكن أن يكون بمثابة بديل لمبادرة طريق الحزام الصينية."
المشترك في قراءة الصحف الاجنبية لمسار التطبيع، هو التعامل بجدية مع التصريحات السعودية التي تقول بأن إقامة دولة فلسطينية هو واحدا من شروطها لإتمام الصفقة، وهو إما إعلاء منهم لها وإما جهلاً من كتّابها.
وعلى الطرف المقابل، كان قد أفاد مصدرين إقليميين لوكالة “رويترز” إن “السعودية تحرص بشكل متزايد على تعزيز أمنها ودرء التهديدات من إيران حتى تتمكن المملكة من المضي قدما في خطتها الطموحة لتحويل اقتصادها وجذب استثمارات أجنبية ضخمة.”
وأفادت المصادر بأنه “من أجل خلق مساحة للمناورة في المحادثات حول الاعتراف بإسرائيل وإعادة الاتفاق الأمريكي إلى المسار الصحيح، أبلغ المسؤولون السعوديون نظراءهم الأمريكيين أن الرياض لن تصر على أن تتخذ إسرائيل خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية، وستقبل بدلا من ذلك التزاما سياسيا بحل الدولتين.”
وقال أحد المصادر الإقليمية إن المسؤولين السعوديين حثوا واشنطن سرا على الضغط على إسرائيل لإنهاء حرب غزة والالتزام “بأفق سياسي” للدولة الفلسطينية، قائلين إن الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزة.
واعتبرت “رويترز” أن مثل هذه الصفقة الإقليمية الكبرى، والتي ينظر إليها على نطاق واسع باعتبارها بعيدة المنال حتى قبل الحرب بين إسرائيل وحماس، سوف تظل تواجه العديد من العقبات السياسية والدبلوماسية، وخاصة عدم اليقين بشأن الكيفية التي قد تنتهي إليها الحرب بين إسرائيل وحماس.
يُذكر أن السعودية في آخر مسرحياتها، كانت أن ابتعدت مصطلح "مسار السلام العربي الإسرائيلي" في توصيف التطبيع الرسمي بينها والكيان. إذ صرّحت وزارة الخارجية أنه “فيما يتعلق بالمناقشات الجارية بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية بخصوص مسار السلام العربي الإسرائيلي، وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بهذا الشأن، فإن وزارة الخارجية تؤكد أن موقف المملكة كان ولا يزال ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية وضرورة حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة”. وقُرأ البيان في سياق سعي آل سعود ركوب موجة وقف إطلاق النار في غزة، وتقديم تبرير واهٍ لمضيّها في مسار التطبيع الرسمي مع “إسرائيل”.
وكان قد لفت المحامي الفلسطيني صالح أبو عزة في سلسلة تغريدات له حول الموضوع، إلى أنه “لا يوجد إشارة سعودية واضحة أن التطبيع سيكون بعد تمام إقامة الدولة الفلسطينية، بل إشارة حول الاعتراف بالدولة. وهذا يعني أنّ التطبيع قد يحصل بمجرد البدء بمسار سياسي، وكأنه إعادة لإنتاج ملهاة أوسلو التي كانت مساراً أيضاً”.
ارسال التعليق