قمة المنامة: إدانة للمقاومة وتجديد عهد لخذلان الشعوب
ما كان يُنتظر من القمة العربية بالخروج بأكثر من بيان ختامي يحتوي الكثير من المطالبات والدعوات وسواها من الشكليات. ما يطفو على السطح بعد كل قمة مشابهة هو تأكيد على بقاء الخلافات حاضرة بين أطرافها ليكون هو الأمر الوحيد الذي يخرج به المتابع العربي من رؤساء وملوك وأمراء البلاد.
القمة لم تأت سوى لتثبت أن في وطننا العربي، خاصة بعد السابع من أكتوبر، هناك ضفتين لا تمتّ أحدهما بصلة إلى الأخرى: ضفة الولاء العملي للقضية العربية؛ وضفة البيانات والخطابات ولكن تحت الطاولة ولاء لمصالح شخصية بما فيها من مصالح لأميركا.
البيان الختامي للقمة العربية الثالثة والثلاثين المقامة في المنامة، احتوى على ما يشبه مباركة للقضاء على حركة المقاومة الفلسطينية في غزة واستقدام قوى "دولية" وفقا لتعبير البيان لإدارة شؤون القطاع إلى أجل غير مسمّى. وتواري بعض الأنظمة العربية عن مقترح مشاركة قوى عربية بشكل مباشر في إدارة شؤون غزة بعد الحرب هو في إطار مقاربة أي مشاركة لقواتها العسكرية على أنها انضمام صريح إلى جانب كيان الاحتلال والتخوّف على إثر ذلك أن يتحول جنودهم وحتى مصالحهم إلى أهداف مشروعة للمقاومة الفلسطينية.
تسربت معلومات لمصادر إعلامية تفيد بمناوشات حصلت بين ما يُعرف بالسلطة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس والإمارات بما يتعلق بواحد من البنود للبيان، حيث سادت أجواء من التوتر والتراشق الإعلامي خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة بعد أن أفشلت الإمارات دعم موازنة السلطة الفلسطينية بالتحفظ على بندين لدعمها ماليا، لتُعدل القرارات النهائية للاجتماعات بما يتفق مع تحفظ الإمارات بشكل يفرغ قرارات القمة العربية المتعلقة بدعم السلطة من مضمونها بشكل كامل.
وتابعت المصادر الإعلامية التي نقلت هذه التسريبات، أنه بعد جدل ونقاش وتراشق طويل تم التوافق بين الوفود العربية على تعديل بند شبكة الأمان التي كانت بمائة مليون دولار، ليصبح النص الجديد يتضمن الاتفاق على عمل شبكة أمان جديدة بعد إجراء المفاوضات اللازمة عليها، وهو ما يعني أن شطب البندين الأول والخامس يقود إلى أن النص الصريح بدعم موازنة السلطة الفلسطينية لم يعد ملزما لأي دولة عربية وأصبح دفع المساهمات المالية للسلطة الفلسطينية اختيارياً للدول الراغبة وليس إلزامياً، أي أن هذا انقلاب كامل على قرارات القمة العربية "بيروت 2002" التي تضمنت بندا واضحا حول دعم الدول العربية للسلطة الفلسطينية عبر شبكة أمان مالية.
بما يتعلق بخطابات الحاضرين، كان لما قاله محمود عباس الصدى الأكبر لتجرئه وفي ظل الموت والدمار والجوع الذي يغزو أبناء غزة، أن يعيد ويكرر خطاب وضع اللوم على حركة المقاومة الإسلامية في غزة قائلا أن "العملية العسكرية التي نفذتها حماس بقرار منفرد في ذلك اليوم، في السابع من أكتوبر، وفرّت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة وتُمعِن فيه قتلا وتدميرا وتهجيرا".
أتى هذا الخطاب المشين من عباس، في ظل ما شهدته مؤخرا مناطق فلسطينية من المفترض أنها تقع تحت سيطرته في الضفة الغربية، من اعتداءات لقوات الاحتلال على أهاليها وتفجير مراكزها التجارية والمالية بما في ذلك العديد من محال الصيرفة، رغم أن السلطة التي تحكمها سبق أن قدمت نفسها في خدمة الاحتلال ووضعت نفسها على الضفة المقابلة لفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة.
وردت المقاومة الفلسطينية على تصريح عباس:
"نعرب عن أسفنا مما جاء في كلمة رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس أمام القمة العربية المنعقدة في المنامة، حول عملية طوفان الأقصى البطولية، ومسار المصالحة الداخلية، ونؤكّد أن العدو الصهيوني الذي يُعْمِل في شعبنا الأعزل قتلاً وإرهاباً وتنكيلاً، منذ أكثر من ستة وسبعين عاماً، في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل؛ لا ينتظر الذرائع لارتكاب جرائمه بحق شعبنا في جميع مراحل ومحطات النضال الوطني منذ العام "1948.
أكدت الحركة في التصريح الصحفيالصادر عنها: "لقد شكلت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، الحلقة الأهم في نضال شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الذي ينتهك حقوقنا ومقدّساتنا، وينكِّل بأسرانا، لتُعِيد وضع قضيتنا الفلسطينية من جديد، على رأس سلم الأولويات، وتُحَقِّق من المكاسب الاستراتيجية ما يسوء وجه هذا الكيان، ويقرّبنا أكثر من الحرية وتقرير المصير".
مذكرة عباس بأن الحركة أكّدت مراراً حرصها على إتمام الوحدة الوطنية، وتحلّت بالمرونة المطلوبة في كل المحطات، في سبيل تمتين جبهتنا الداخلية، وتوحيد الصف الوطني في مواجهة المخاطر التي تعصِف بقضيتنا وشعبنا، وهو ما عبّرت عنه الحركة في اللقاءات الأخيرة التي جرت في موسكو وبيجين.
ابن سلمان لا تعجبه الإدانات العملية للإبادة:
أما بما يتعلق بكلمة ابن سلمان، فلم يبخل على محور الغرب بإدانة العمليات العسكرية اليمنية في وجه المصالح الإسرائيلية، قائلا: “ندعو إلى ضرورة التوقف عن أي نشاط يؤثر على أمن وسلامة الملاحة البحرية”، كما أكد التزام المملكة بالحفاظ على “أمن منطقة البحر الأحمر”، لافتًا إلى أن “حرية الملاحة فيه تعد مطلباً دولياً يتعلق بمصالح العالم أجمع"، مدينا بذلك ما يصدر من إدانات بما يفوق الكلام للإبادة الجماعية المستمرة منذ ثمانية أشهر على قطاع غزة.
ومستخدما لهجة فيها "تمنين" للأمة العربية بـ"الإنجازات" التي رعتها "السعودية" بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث أشار إلى أن السعودية أولت “اهتماماً بالغاً بالقضايا العربية وتطوير العمل العربي المشترك خلال رئاستها للدورة الثانية والثلاثين”، كما “حرصت على بلورة مواقف مشتركة تجاه القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث استضافت المملكة القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”. وأردف قائلًا: “صدر عنها قرار جماعي تضمن إدانة هذا العدوان ورفض تبريره تحت أي ذريعة وتشكلت إثر ذلك في تلك القمة لجنة عربية إسلامية مشتركة من وزراء الخارجية لبدء تحرك دولي فوري باسم جميع الدول الأعضاء لوقف الحرب على غزة”.
عربيا غاب عدد من رؤساء الدول العربية منها الإمارات والمغرب والجزائر والكويت الأمر الذي أشار صراحة إلى قيمة ووزن هذه القمم الحقيقية حتى عند رعاتها.
كيف للمطبّع أن يتفوّه بالوطنية:
مكان القمة كان له حصة من دواعي تسخفيها، انطلاقا من أن البحرين تقبع تحت حكم طاغ ظالم بحق شعبه حيث يقبع عشرات آلاف معتقلي الرأي في أسوء ظروف للاعتقال، إضافة إلى كونه من أكثر الأنظمة العربية التي ذهبت بعيدا في تطبيعها مع كيان الاحتلال وكونها باتت بسبب تواطؤ حكامها مجرد قاعدة عسكرية تخدم المصالح الأميركية في المنطقة.
كما ذكرت مصادر بحرانية أن عقد القمة تزامن مع محاصرة لعدد من المناطق لضبط أية تحركات منددة بسلوك الأنظمة العربية منذ السابع من أكتوبر واصطفافها إلى جانب الغرب على عكس التوجه الفعلي لشعوبها.
كانت "المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني"، التي تضم 26 جمعية سياسية ومؤسسات مجتمع مدني بحرينية، قد طالبت القمة العربية المنعقدة في المنامة بـ "إلغاء اتفاقات التطبيع كافة مع العدو الصهيوني، وإغلاق السفارات الصهيونية وطرد السفراء الصهاينة"، في إشارة إلى أبسط ما يمكن لهذه الأنظمة أن تقدمه لدعم ادعاءات اكتراثها بالقضية الفلسطينية، وذلك "تأكيداً على رفضنا للتواطؤ مع جرائمه ومجازره وسياساته المستعمرة وانتهاكاته في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ودعت المبادرة، في بيان مشترك يوم الثلاثاء 14 مايو/أيار 2024، القمة إلى أنْ "تتخذ موقفاً قوياً ومؤثِّراً لدعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أراضي فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس الشريف، والتنديد بالمجازر الصهيونية في غزة والضفة والعمل على وقفها بالسبل كافة، بما في ذلك استخدام سلاح النفط والغاز والمصالح الاقتصادية مع الدول الداعمة للعدوان".
ودعت القمة إلى "تكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية وتعزيز موقف الدول العربية المشترك في المحافل الدولية لدعم الشعب الفلسطيني ووقف العدوان الصهيوني". مطالبة اياها بـ "الدعم الثابت والمستمر للشعب الفلسطيني وإعلان الالتزام بالدفاع عن حقوقه لوطنية ورفض تهجيره إلى دول الجوار".
وحثّتها على "العمل بالتعاون مع الدول الإسلامية والصديقة المؤيِّدة للحق الفلسطيني على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية المتعلّقة بوقف العدوان وكسر الحصار وفتح المعابر، لتوصيل المساعدات الإغاثية والعلاجية إلى قطاع غزة"، داعية إياها إلى "تخصيص ميزانية كبيرة لتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى غزة وإعادة الإعمار".
ارسال التعليق