عودة السلطات السعودية إلى لبنان
ما كان مألوفا بالأمس البعيد في الحضور السعودي في لبنان، ما عاد كذلك اليوم. بعد قطيعة سعودية –مالية بالدرجة الأولى- دامت لسنوات، عاد بداية الشهر الجاري السفير السعودي في بيروت وليد البخاري محمّلاً بمؤشرات تغييرية في سياسة بلده تجاه الحكومة اللبناينة بمختلف فصائلها السياسية بعد أن كان قد حصرها بالمكوّن المسيحي القواتي! حتى ظن الأخير أنه بات الوكيل الحصري للمصالح والأموال السعودية في لبنان.
لا يمكن قراءة المبلغ المالي الذي "تنازل" المكون السعودي ووضعه بيد الحكومة اللبنانية، كمؤشر قوي وحاسم لتبدّل النظرة السعودية لما يجب أن تكون عليه علاقته مع لبنان، لكن وعلى هزالة المبلغ المحوّل عبر "مركز الملك سلمان للإغاثة"، الذي بلغ 10 ملايين دولار موزّعة على 28 مشروعا محددا بالمناطق، إلا أنه دلّ على تبدّل ما بالحد الأدنى لا يمكن فصله عن الظروف الإقليمية المحيطة والحرب القائمة في الجنوب.
بدت المكونات اللبنانية "السنيّة" كالغريق الذي وجد قشة يتعلّق بها. بدا هذا واضحا بتصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي خلال لقائه البخاري. وجد ميقات ياللقاء فرصة للتأكيد على ثوابته القائمة على أن "التفاهمات الإقليمية التي عقدتها السعودية سوف تساهم في إرساء الاستقرار في المنطقة وتدفع قدماً بعملية النهوض والتطور"،
وقال رئيس الحكومة في كلمته خلال رعايته حفلاً أقيم في السرايا الحكومي، بدعوة من سفير السعودية في لبنان وليد بخاري، لمناسبة توقيع مذكرة تعاون مشترك بين"مركز الملك سلمان للاغاثة والاعمال الانسانية" و"الهيئة العليا للاغاثة"، بلكنة تملّق "من استطاع نقل السعودية وشبابها الى المواقع القيادية والريادية التي وصلوا إليها وتحويل السعودية الى بلد منتج بكل ما للكلمة من معنى في فترة قصيرة ليس صعباً عليه أن يكون العضد لأشقائه في لبنان".
وفي تصريح لقناة "الجديد" اللبنانية حول المساهمة المالية السعودية بقيمة 10 ملايين دولار من خلال مركز الملك سلمان في لبنان، كشف ميقاتي أن "السفير السعودي أكد لي أن هذه الهبة المقدمة هي بداية مساعدات، ولكن بالطبع سيكون هناك مشاريع أخرى".
فيما يُقرأ بالدرجة الأولى أن عودة السعودية للبنان -إن اكتملت-، سوف تكون من بوابة تقديم الخدمات الاجتماعية والانسانية، فهو وهو باب واسع لكسب التأييد والولاء الشعبي بالدرجو الأولى، خاصة بعد القطيعة الطويلة نسبيا مع المكونات السنية اللبنانية وحصرها بحزب القوات المسيحي. حتى بدا كأنه خطوة ضمن مسار محاولة إعادة لم شمل الشارع السني بعد أن تمزّق جراء انهيار قيادته على يد "السعودية"، بعد اختطاف واحتجاز ومن ثم إقصاء رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري.
ولو أنه لم يجري التراجع عن تصريحات الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي بما يخص التأكيد على أن حزب الله ليس منظمة إرهابية، لكان المشهد قد بدا مكتملا في سياق عودة سعودية إلى حكومة حزب الله، كمثلما أتم عودته إلى سوريا مدشّنا إياها بافتتاح سفارته في دمشق مؤخرا.
وفي التفاصيل، فقد شكّل إلتقاء المسؤول في الجامعة العربية زكي مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، إلى جانب التصريحات التي رافقت الزيارة، منعطفا في النظرة التي افتعلتها الجامعة العربية مع هذا المكون اللبناني منذ تصنيفه منظمة إرهابية.
ما قاله زكي علنا أن "الجامعة العربية لا توجد فيها قوائم تصنيف لمنظمات إرهابية وأن حزب الله لم يُعد مصنّفاً جهة إرهابية"، تم نكره لاحقا على لسان زكي نفسه حين خرج علنا مرة أخرى مبررا ما قاله بأنه تصريحات "فُسّرت في غير سياقها الصحيح، وهي لا تعني زوال التحفظات على سلوك الحزب وسياسته وأفعاله ليس فقط في الداخل وإنما على صعيد المنطقة". لكن تسريبات إعلامية تحدثت عن ما جرى من حوارات بين زكي ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد التي بدت كغزل عربي بالدور اللبناني –دور المقاومة اللبناينة- في مساندة جبهة غزة، حتى اعتبر أن "المقاومة في لبنان تدافع عن كل الشعوب العربية وليس عن شعب غزة فقط".
وإذا كان غزل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بـ"السعودية الناهضة" يعدّ وبراحة ضمير تملّقا، لا يمكن أن يُنظر لكلام الموفد العربي تجاه الحزب كذلك أبدا، خاصة أن لا مصالح عربية لللتملق لحزب مُصنّف أميركيا كتنظيم إرهابي بسبب الدور الكبير الذي يلعبه في تهديد الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ارسال التعليق