دونالد ترامب يغازل ابن سلمان.. لِعلاقة الرجلين داوفع ومآلات
لطالما كانت طبيعة العلاقة بين دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق والمرشح للانتخابات الأميركية القادمة، وصهره جاريد كوشنر، مع محمد بن سلمان، محطّ تساؤلات، وفي أماكن عديدة، مكمنا للتشكيك في أبعاد وخلفيات ومآلات هذا التقارب. لعلّ هذا التقارب غير المُعتاد في علانيته وصراحته يقع في سياق غرابة طبيعة ترامب بحد ذاته. وما لم يعتد الرأي العام العالمي على سماعه من مرشح حالي لرئاسة البيت الأبيض، كسره دونالد ترامب.
ليس بعيدا عن سياق العلاقة المشبوهة بين الرجلين –ابن سلمان وترامب -، خرجت تصريحات حديثة من الأخير تحدّث فيها عن ما قدّمته له "البقر الحلوب" لكي يكسر العرف الأميركي القديم القاضي بأن تكون الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي المُنتخب وجهتها بريطانيا. في المقابل قام ترامب بزيارة "السعودية" كأولى زياراته كرئيس للولايات المتحدة، وكان المقابل هو مبلغ 450 مليار دولار أميركي!
ترامب وخلال مقابلة تلفزيونية له مع وكالة بلومبيرغ، تحدث عن طلب ابن سلمان منه أن يكون محطته الأولى، لكن موافقته كانت على الشكل التالي: " انظر، هذا ما سأفعله. سآتي. لكنني أريدك أن تمنح 450 مليار دولار للشركات الأمريكية". واصفا الحديث بالأمر العظيم، قال "على مدى ثلاث ساعات، وزعوا عقوداً بقيمة 450 مليار دولار، بما في ذلك أموال منحوها لشركات مختلفة في وول ستريت".
ولأن لغة ترامب هي المال والمصالح الأميركية المطلقة، عند سؤال الصحفي له عن كيف سيدير العلاقات الثنائية بين البلدين مع وجود طموح مشترك لكليهما في مجال الطاقة وهو الأمر الذي يخلق تنافسا بينهما، بدا جواب ترامب أنه ليس قلقا من أن زيادة إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة ستثير غضب السعودية أو محمد بن سلمان. ووضع الإجابة في إطار التفكير نفسه الذي سبق ودفعه ليصف "أمراء" آل سعود بـ"البقرة الحلوب" التي يستخرج منها المال متى شاء ومتى احتاج، معيداً التأكيد على أن "السعودية" كما محمد بن سلمان بحاجة دائمة للحماية التي سيوفّرها له ترامب، قائلا "أنا أحب هذا الرجل، وهو كذلك يحبّني".
لن يكون من الصعب التخمين أن ابن سلمان يفضّل عودة ترامب ثانيةً إلى البيت الأبيض، سيما أن الأخير يغض النظر كثيرا عن ملف حقوق الإنسان السيء للبلاد، وكان دفاعه عن ابن سلمان بُعيد نتائج التحقيق التي أظهرت أن ابن سلمان ضليع بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي. وهو الأمر الذي يعبّر فيه ترامب عن وجه أميركا الحقيقي بعيدا عن التزليف المُعتاد.
لكن علاقة الرجلين، إلى جانب صهر ترامب كوشنير، لم تتوقف عند خروج الجمهوريين من البيت الأبيض، لكن المصالح استمرت، سيما تلك الاقتصادية. فبعد أيام من مغادرة البيت الأبيض، أنشأ كوشنر صندوقا حوّله بعد أشهر إلى شركة أسهم خاصة باستثمار ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يديره ولي العهد محمد بن سلمان. وجرى تحويل المال بطريقة لم يكن فيها كوشنر مضطرا للكشف عن المصدر، بحسب تفاصيل من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، راجعتها “واشنطن بوست”.
واستخدمت شركته استراتيجية معروفة تلجأ إليها شركات الأسهم لتجنب الشفافية حول مصدر التمويل، كما يقول الخبراء. وبعد عام، باتت ملاعب ترامب للغولف تستقبل دوري LIV الذي يموله النظام السعودي. وبشكل منفصل، وقّعت شركة العائلة “منظمة ترامب” اتفاقا مع شركة عقارات سعودية لبناء فندق بكلفة 4 مليارات دولار وملعب غولف في عمان.
ومؤخرا اشترت شركة “أفينيتي بارتنرز”، المملوكة لجاريد كوشنر والمدعومة من “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي، حصَة بقيمة 128.5 مليون دولار في شركة الخدمات المالية الإسرائيلية “فينيكس هولدينغز”، في صفقة هي الثانية التي تبرمها إحدى الشركات المدعومة من الصندوق السعودي مع شركة إسرائيلية في أقل من عام.
وستشتري “أفينيتي بارتنرز”، التي تتَّخذ ميامي مقراً لها، حصّة تبلغ 4.95 في المئة في “فينيكس” من شركتَي “سنتربريدغ بارتنرز” و”غالاتين بوينت كابيتال”، وفقاً لبيان صدر اليوم الثلاثاء 16 تموز/يوليو 2024. ووافقت “أفينيتي” أيضاً على الاستحواذ على حصّة إضافية تبلغ 4.95 في المئة، لكنّها لا تزال رهن موافقة الهيئة التنظيمية الإسرائيلية.
وسبق لـ “أفينيتي” أنْ استثمرت في كيان الاحتلال الإسرائيلي بشرائها حصة في قسم السيارات والائتمان التابع لشركة “أس شلومو هولدينغز”، في أيلول/سبتمبر 2024.
الصلات المالية بين الطرفين لطالما أثارت مخاوف أميركية، فسبق وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريجون، ورئيس اللجنة المالية في مجلس الشيوخ رون وايدن، إن “الروابط المالية بين العائلة السعودية الحاكمة وعائلة ترامب تثير موضوعات خطيرة جدا”.
ليس فقط المال، فقد جعلت مبيعات الأسلحة الأميركية ترامب يمنح الضوء لبن سلمان لحصار قطر، رغم كونها تضم قاعدة أميركية كبيرة، وعدم التدخل عندما سجن ولي العهد السعودي مجموعة من كبار الشخصيات والأمراء ورجال الأعمال في فندق “ريتز كارلتون” بالرياض ومساومتهم على ثرواتهم.
الملف الأول والأهم اليوم في حال عودة ترامب للبيت الأبيض، يبقى أولا وأخيرا ملف التطبيع وأفق تمريره في الكونغرس الأميركي مع احتمال صعوبة جمع مواقفة أعضاء الكونغرس من الديموقراطيين وعوائق أخرى. وماذا قد يكسب ابن سلمان إضافي من ترامب وماذا قد يخسر في مقابل اعترافه بكيان الاحتلال مقابل ما كانت عليه بنود الاتفاقية في عهد بايدن.
ارسال التعليق