التطبيع السعودي- الإسرائيلي.. ملف لا تغيبه تحولات المنطقة
مع زحمة المتسجدات الإقليمية التي لم تتوقف عند حدّ العدوان المتواصل على غزة ولا عند الحرب على لبنان، وما تبعهم من سقوط النظام السوري السابق فحلول الفصائل الإرهابية محلّه تزامناً مع توغّل جيش الاحتلال الإسرائيلي في أراضٍ سورية لم يكن يحلم الوصول إليها، أضحى الحديث عن مسألة التطبيع بين النظام السعودي وكيان الاحتلال الإسرائيلي ترفاً. لكنه ترف لا تنتفي أهميته في تحديد وجه المنطقة المُقبل.
آخر ما ثَبُت عن "نظام" آل سعود هو متاجرتهم بالقضية الفلسطينية واستخدامها كورقة ضغط للحصول على مكاسب خاصة، أهمها إنشاء مفاعل نووي والحصول على "ضمانات" أمنية أميركية لتمديد فترة حكمهم وتوثيق جذورها في شبه الجزيرة العربية، سيّما مع تنامي تخوّفهم من المقاومة اليمنية التي تشكّلت على حدودها الجنوبية، وهو ما يراه آل سعود تهديدا لحكمهم وأمنهم، وهو ما يؤثر على مشاريعها الاقتصادية الكبرى.
ورغم الخطاب السعودي الرسمي المتكرر منذ أكثر من عام الذي يزعم سعي البلاد لتأمين "حق الفلسطينيين في دولة مستقلة" مقابل إقدامها على تطبيع العلاقات بينها وبين الاحتلال، إلا أن كل المؤشرات على الأرض تنفي إمكانية حصول هكذا خيار.
الواقع في داخل فلسطين نفسه يعارض ادعاءات الساسة السعوديين، فالتوسع والتمدد الإسرائيلي المستمر داخل الضفة وغزة يعني أن موقف الاحتلال بات أكثر تطرّفا في مسألة استحالة قبول الحكومة الحالية الذهاب في مسار الاعتراف بدولة لفلسطين حتى لو كانت حدودها قائمة على بضعة أمتار: تظهر نوايا الاحتلال التثبت في محوري فيلاديلفيا ونتساريم، وقد كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية مؤخرا عن معارضة جيش الاحتلال الانسحاب من محور نتساريم الإستراتيجي داخل القطاع كونه يفتح شمال القطاع على جنوبه، وهو ما يرفضه الجانب الفلسطيني ويطالب بانسحاب كامل للاحتلال وإعادة إعمار القطاع.
إلى جانب ما تنقله القناة 14 الإسرائيلية عن مسؤول أمني إسرائيلي إن "كل شيء قد ينهار في الضفة، ويجب أن نستعد للسيطرة على المنطقة بسرعة"، في ظل تصعيد العمليات العسكرية والاشتباكات المتجددة مع المقاومين الفلسطينيين.
ويأتي هذا في حين قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي الأحد الماضي إن الجيش بدأ مؤخرا التزود بمنظومات تكنولوجية لنشرها بالضفة، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال سينشر العشرات من المنظومات على مداخل المستوطنات ونقاط التماس لمنع التسلل.
كما أن التصريحات الصهيونية التي تدعو لضم الضفة وتوسيع الاستيطان فيها، كثُرت في الآونة الأخيرة، في ظل تصاعد عمليات المقاومة بالضفة ردا على تلك الاعتداءات، وإسنادا لقطاع غزة.
وحول آخر ما صدر عن الإعلام العبري حول الموضوع، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن "إسرائيل" و"السعودية" توصّلتا إلى اختراق في المحادثات حول تطبيع العلاقات، مضيفة أن التطبيع قد يكون مرتبطا باتفاق وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن ينهي حرب الاحتلال على غزة.
وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لصحيفة "هآرتس" إنه بدلاً من موافقة "إسرائيل" على مطلب "السعودية" بالاعتراف بدولة فلسطينية، اتفق الجانبان على أن تقدم "إسرائيل" التزاماً غامضاً بشأن "المسار نحو إقامة الدولة الفلسطينية".
ومقابل ما يقوله ابن سلمان في العلن، لا سيّما في وصفه سلوك "إسرائيل" في غزة بأنها إبادة جماعية، وادعاءه أنه لن يكون هناك تطبيع سعودي مع الاحتلال دون الاعتراف بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن مصادر مقربة من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قالت لصحيفة هآرتس إن بن سلمان "ليس لديه مصلحة شخصية في الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، ولا يتطلب سوى إحراز تقدم في هذه القضية لضمان الدعم السياسي والديني المحلي للصفقة".
وأمام هذا التقرير الذي تحدّثت عنه الصحيفة، وبدلاً من الاعتراف الصريح بدولة فلسطينية، تعهد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعدم السماح بإقامتها، رافضا التقارير التي تفيد بأن كيانه وافق على هذا المسار كجزء من الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات مع "السعودية".
وتتوافق تقارير هآرتس مع تقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتيك" والذي جاء فيه أن محمد بن سلمان أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنه لا يهتم شخصيا بما أشار إليه بـ"القضية الفلسطينية".
وتابع لبلينكن أن "سبعين في المائة من سكان بلادي أصغر مني سنا، بالنسبة لغالبية هؤلاء، لم يعرفوا الكثير عن القضية الفلسطينية. ولهذا السبب فإنهم يتعرفون عليها للمرة الأولى من خلال هذا الصراع. إنها مشكلة ضخمة. هل أهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ أنا لا أهتم، ولكن شعبي يهتم، لذا فأنا بحاجة إلى التأكد من أن هذا الأمر له معنى".
ارسال التعليق