فلسطين وآل سعود
مفاوضات مباشرة بين السلطات السعودية وتل ابيب
كشفت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية عن اتصالات مكثفة تقودها الولايات المتحدة لبدء مفاوضات مباشرة بين السعودية وإسرائيل تمهيدًا لإرساء أسس التطبيع بين الجانبين، في خطوة وصفتها مصادر أميركية بأنها “الأكثر تقدّمًا منذ توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020”.
وبحسب الصحيفة فإنه يُنتظر أن تُعلن واشنطن عن هذه المفاوضات خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة المقررة بعد نحو أسبوعين.
وتأتي هذه التحركات في ظل جهود حثيثة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادة تفعيل “صفقة التطبيع الكبرى” التي تعطلت بسبب الحرب الأخيرة في المنطقة.
وتقول مصادر الصحيفة إن جاريد كوشنر، مستشار الرئيس وصهره، يقود جانبًا من هذه الاتصالات إلى جانب الوزير الإسرائيلي رون ديرمر وسفيرة السعودية في واشنطن ريما بنت بندر آل سعود.
وتؤكد التسريبات أن إدارة ترامب تسعى إلى الإعلان عن “اتفاق مبدئي” يضع إطارًا رسميًا للتقارب، بينما يتم العمل على تسوية الخلافات حول القضايا النووية والأمنية.
قبل اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية الأخيرة على غزة، كانت السعودية على وشك توقيع اتفاق رسمي مع إسرائيل، إلا أن العمليات العسكرية في غزة والضغوط الشعبية العربية دفعت الرياض إلى تجميد الخطوة مؤقتًا، مع إعادة طرح شروط أكثر صرامة، أبرزها التزام إسرائيل بخطة “ترامب للسلام” التي تتضمن مسارًا نحو إقامة دولة فلسطينية.
لكن وفق الصحيفة، فإن الموقف السعودي الحالي لا يُبدي رفضًا مبدئيًا للتطبيع، بل يركّز على “تحسين الشروط السياسية والأمنية” قبل توقيع الاتفاق النهائي، وهو ما تعتبره أوساط إسرائيلية “دليلًا على أن التطبيع لم يُدفن بل تأجّل فقط”.
والقضية الأكثر تعقيدًا في المفاوضات هي الطلب السعودي بإنشاء مفاعل نووي على أراضي المملكة لتوليد الطاقة، مع منحها حق تخصيب اليورانيوم داخليًا. وتبرر الرياض هذا المطلب بتهديدات إيران المتزايدة وإصرارها على تطوير برنامجها النووي.
ويقترح الأميركيون حلًا وسطًا يقضي بإنشاء مفاعل أميركي في السعودية، يعمل فيه خبراء أميركيون وتخضع منشآته لإشراف أمني أميركي مباشر. إلا أن إسرائيل لم تُبدِ حتى الآن موقفًا واضحًا من هذا الخيار، رغم أنها خففت سابقًا من معارضتها له من حيث المبدأ.
ويرى محللون أن تل أبيب تخشى أن يتحوّل هذا البرنامج إلى سابقة تشجع دولًا عربية أخرى على المطالبة بحق التخصيب، ما يهدد بتغيير ميزان القوى الإقليمي.
بحسب إسرائيل هيوم، فإن الهدف الأساسي من زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن لا يقتصر على التطبيع، بل يشمل توقيع اتفاق دفاعي شامل مع الولايات المتحدة، يشبه الاتفاق الموقّع مؤخرًا مع قطر، إضافة إلى صفقات تسليح ضخمة تشمل شراء مقاتلات F-35 الأميركية المتطورة.
ويُعدّ السماح ببيع هذه الطائرات إلى السعودية مؤشرًا على استعداد واشنطن لمكافأة الرياض سياسيًا وأمنيًا مقابل موافقتها على التطبيع مع إسرائيل. فحتى الآن، تبقى إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك هذه الطائرة، التي تُعدّ رمزًا لتفوّقها العسكري النوعي في المنطقة.
ويرى مراقبون أن منح السعودية حق امتلاكها سيشكّل تغييرًا جذريًا في المعادلة الأمنية، لكنه في الوقت نفسه يربط الرياض بشكل أوثق بالمظلة الدفاعية الأميركية والإسرائيلية.
يبدو أن التطبيع لن يقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، إذ يتعمّق منذ سنوات التنسيق الأمني غير المعلن بين الرياض وتل أبيب تحت إشراف القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).
وخلال الحرب مع إيران في يونيو الماضي، ذكرت الصحيفة أن مروحيات سعودية اعترضت طائرات مسيّرة إيرانية كانت في طريقها إلى إسرائيل، ما يعكس مستوى متقدّمًا من التعاون الميداني في مواجهة العدو المشترك.
وتسعى واشنطن الآن إلى توسيع هذا التعاون ليشمل الدفاع الصاروخي المشترك ومبادرات أمن البحر الأحمر والخليج العربي، في إطار ما تصفه مصادر أميركية بـ”نظام الأمن الإقليمي الجديد”.
تتضمّن المطالب السعودية إشراك السلطة الفلسطينية في إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب، لكن بشروط تتوافق مع الموقف الإسرائيلي الداعي إلى نزع سلاح حركة حماس، وهو ما يتماشى مع خطة ترامب للمنطقة.
وبحسب مصادر الصحيفة، فإن السعودية مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار المناطق التي تقع تحت “السيطرة الأمنية الإسرائيلية” من القطاع، ما يعكس تحوّلًا في مقاربة الرياض للقضية الفلسطينية من مركزية سياسية إلى ملف إنساني وتنموي ضمن ترتيبات إقليمية أوسع.
ورغم الزخم السياسي والإعلامي، تستبعد مصادر دبلوماسية أن يؤدي هذا المسار إلى تطبيع كامل في المدى القريب، مشيرةً إلى أن الاتفاقات المرتقبة ستكون اقتصادية وتجارية بالدرجة الأولى، تمهيدًا لإقامة علاقات رسمية لاحقًا عندما تتغيّر الحكومة الإسرائيلية أو تهدأ الأوضاع في غزة.
وقال دبلوماسي خليجي للصحيفة: “هناك تقدم حقيقي، لكن لا يُتوقع إعلان مفاوضات رسمية الآن. السعوديون يفضلون خطوات اقتصادية رمزية أولًا لتليين الموقف الشعبي”.
ويؤكد محللون أن المفاوضات الجارية تُظهر حرص السعودية على إعادة التموضع الإقليمي بعد الحرب، عبر بناء تحالفات مدروسة مع واشنطن وتل أبيب، بما يضمن لها دورًا محوريًا في صياغة الترتيبات الأمنية لما بعد غزة وإيران.
ورغم الانتقادات التي يثيرها هذا التقارب في العالم العربي، يبدو أن الرياض ماضية في مسار التطبيع التدريجي، وفق معادلة توازن بين الحفاظ على صورتها الإسلامية وبين تأمين مصالحها الاستراتيجية والنووية والعسكرية.
ارسال التعليق