السعودية: أين هو الوطن في اليوم الوطني
[ادارة الموقع]
بقلم: علي آل غراش
تحتفل الرياض باليوم الوطني ومرور 88 سنة على نشأة دولة السعودية (باسم العائلة الحاكمة)، ذلك البلد الكبير حيث تقدر مساحته بنحو مليوني وربع كلم، ويملك ثروة هائلة جدا في ظل عدد قليل من السكان نحو 20 مليونا من المواطنين، وتقع فيه أقدس المواقع الدينية للديانة الإسلامية، المسجد الحرام في مكة المكرمة والحرم النبوي في المدينة المنورة.
ومع استلام الملك سلمان للحكم في سنة 2015 وصل جيل جديد من شباب العائلة الحاكمة بل من أبناء الملك الحاكم إلى مناصب عالية ولاية العهد لأول مرة في تاريخ الدولة وهو الأمير بن سلمان صاحب مشروع رؤية المملكة 2030 الرؤية التي طرحت عبر حملات إعلامية عالمية والترويج لسعودية أكثر انفتاحا عبر تخصيص برامج ترفيهية مميزة للشعب وفتح دور سينما وجلب فرق فنية واستعراضية لأول مرة!.
نظام شمولي قمعي
ولكن رغم كل ذلك فالبلد مازال يحتل المراتب الأخيرة في تصنيف الدول الحضارية الحديثة في عالم اليوم – حيث أصبح العالم كالقرية الصغيرة-، فالسعودية لا تزال دولة تحكم لغاية اليوم بنظام ملكي مطلق شمولي، حسب مزاج الحاكم فلا يوجد لغاية اليوم دستور للبلد يمثل الإرادة الشعبية عبر صناديق الانتخاب، فالقرارات تتخذ وتصدر بمزاج الحاكم فالشعب ليس له أي مشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية للبلد فهو مهمش، يوجد مجلس شورى أعضاؤه معينون من قبل الحاكم كموظفين له، الشعب لم يخترهم ولم يصوت لأي فرد منهم ليمثلوه لأنه لا توجد انتخابات، أعضاء المجلس المعينون لا يملكون أي سلطة.
الحاكم وعائلته يتعاملون أن الأرض ومافيها وما عليها ملك لهم، والشعب مجرد عبيد لهم عليهم تقديم الطاعة العمياء للحاكم باسم أنه ولي الأمر، ومن لا يخضع للحاكم أو ينتقده أو يتظاهر ضده فمصيره الاعتقال والتعذيب الوحشي والقتل، وقد شهد في عهد الملك سلمان الذي يصف نفسه بالانفتاح إعدام عدد كبير من المعتقلين بسبب التعبير عن الرأي رغم أنهم لم يعتدوا على أحد، كما ازدادت حملات الاعتقال التعسفي في هذا العهد الذي يسمى بالحزم السلماني حيث يوجد الآلاف من المواطنين المخلصين لوطنهم – ومنهم نساء- في السجون بسبب المطالبة بالإصلاح وحق المشاركة في بناء وطن حضاري متقدم، وانتقادهم لسياسة الاستبداد والفساد المنتشر في أرجاء الوطن.
أرقام قياسية ولكن؟
للسعودية في عهد الملك سلمان أن تفتخر أنها آخر دولة في العالم الحديث رفعت قرار حظر ومنع المرأة من قيادة السيارة، ولديها الفرصة لتحقيق أرقام عالمية قياسية مماثلة دون منافس على مستوى العالم في ظل تمسكها بسياستها الشمولية والقمعية فهي ماتزال دولة لا يوجد فيها دستور يمثل إرادة الشعب عبر صناديق الانتخاب، ودولة تمنع إجراء انتخابات حرة لاختيار مجلس الشورى بصلاحيات يحددها الدستور وفصل السلطات وقانون المحاسبة من أين لك هذا لكل مسؤول.
كما أنها مازالت تمنع وجود نقابات وهيئات ومنظمات مدنية أو أحزاب أو إجراء انتخابات في البلد، كما أنها لا تعترف بالحرية والتعددية على أرض الواقع، فهي تفرض فكرا أحاديا سياسيا و كذلك فكرا دينيا متشددا تكفيريا على جميع المواطنين عبر مؤسسات الدولة منها الدينية والإعلامية وكذلك التعليمية حيث يدرس المواطن مناهج تصفه بالكافر!.
وربما سيحقق العهد السعودي الجديد استباقية بإعدام أول امرأة بسبب التعبير عن الرأي والمشاركة في المظاهرات السلمية بعد مطالبة النيابة بإعدام الناشطة إسراء الغمغام!.
هدر المال العام
العهد الجديد في السعودية له الحق بالفخر بإدارة وطن فيه نسبة عدد الذين لا يملكون منزلا تقدر بنحو 80 في المائة رغم الثروة الهائلة ومساحة الأراضي الشاسعة للبلد التي تحولت إلى أملاك خاصة لأفراد العائلة الحاكمة، ونسبة البطالة أعلى من 13 بالمئة (ومع النساء فالنسبة تكون عالية جدا)،.. وكل ذلك بسبب سياسة السلطة التي أهدرت الثروة الوطنية على مصاريف العائلة الحاكمة الكبيرة العدد والتبذير والإسراف بطريقة جنونية وماجنة، وصرف الأموال على إرضاء والحصول على دعم وحماية دول كالولايات الأمريكية حيث دفعت السعودية نحو 500 مليار دولار لحكومة ترامب بعد تهديده أنه لا توجد حماية بالمجان.
شراء الأسلحة وشن الحروب
السعودية في عهد الملك سلمان قامت بشراء أسلحة بمئات المليارات وخلال هذه الفترة شهد سوق الأسلحة العالمي انتعاشا بسبب الطلب السعودي، فهي تشتري الأسلحة من كل مكان في العالم لدعم الحروب في الدول الأخرى وفي الحرب العبثية الاستنزافية التي شنتها على اليمن حيث هذه الحرب تكلف البلد نحو 200 مليون دولار في الشهر الواحد أي 72 مليار دولار في السنة، فهذه الحرب المدمرة لاتزال منذ ثلاث سنوات ولغاية اليوم مستمرة مما أدى إلى وصول حكومة الرياض لدرجة الإفلاس، ولجوء الحكومة لفرض الضرائب على المواطنين المحرومين من أبسط الحقوق الوطنية والإنسانية كالحصول والاستفادة من الثروة الوطنية بعدالة، ومن حق التعبير عن آرائهم عما يحدث أو انتقاد سياسة الحكومة أو رؤية 2030 بسبب الخوف من تعامل السلطة بالقبضة الأمنية الوحشية والاعتقال والتخوين والسجن والقتل لكل من يخالف رؤيتها السعودية2030 مما جعل البلد كالسجن الكبير للجميع فالكل في حالة خوف، وهذا جعل حياة أغلب المواطنين في غاية الصعوبة مع تفاقم المشاكل الداخلية الاقتصادية والسياسية.
تساؤلات وطنية
ما سبب اهتمام حكومة الملك سلمان وابنه محمد بإقامة برامج احتفالية ضخمة بمناسبة العيد الوطني التي كانت قبل أعوام محرمة وممنوعة، وتخصيص برامج عروض ترفيهية لتسلية الشعب رغم الوضع الاقتصادي المتردي وصعوبة الحياة الاقتصادية للمواطنين نتيجة فرض الضرائب، والاحتقان والغضب بسبب اعتقال عشرات الآلاف من المواطنين؟.
هل كل ذلك الاهتمام من أجل أن يثبت المواطن المحروم المهمش وطنيته عبر الرقص والتطبيل لتمجيد العائلة الحاكمة على أنغام الوطنية المتنوعة والمتقلبة حسب مصلحة الحاكم في ظل غياب الوطن؟.
لماذا على المواطن في اليوم الوطني أن يثبت وطنيته وأن يضحي بكل شيء للمحافظة على الوطنية المقدسة ولو على حساب كرامته وسوء حالته بسبب الفقر والعوز والحرمان من حقوقه، وأن لا يسأل عن الوطن وعن خيراته المسلوبة وعن حقوقه المهمشة، بينما الوطن وشؤونه وإدارته وخيراته الهائلة بيد الحاكم وعائلته وحاشيته الذين يزدادون غنى؟.
أين هو الوطن، ومن اختطفه وجعله لفئة محددة تتحكم به وتسرق خيراته دون محاسبة، بينما الشعب مغيب ومهمش مشغول بالتطبيل والرقص للسلطة لإثبات وطنيته خوفا من التشكيك بولائه ثم وصفه بالخائن، حيث إن السجون مليئة بسجناء الرأي من المواطنين المخلصين لوطنهم نتيجة رفضهم الفساد الذي ينخر في عظام الوطن ويهدد حياة المواطنين؟.
المواطنون يشعرون بالقلق الشديد في ظل غياب وطن للجميع اسمه محل اتفاق وفخر له جذور من آلاف السنين، وليس وطن اسمه يمثل العائلة الحاكمة عمره مجرد عقود من الزمن، وكأنه ملك لتلك العائلة ومن يدور في مدارها.
المواطنون يريدون وطنا يحصل فيه المواطن على حقوقه الوطنية كاملة، وطن يشيد ويدار بمشاركة الجميع دون تهميش وحرمان واعتقال وتعذيب وتخوين وقتل لأحد.
وفي الأخير؛ في ظل هذه الاحتفالات باسم العيد الوطني أين هو الوطن الذي يحمل هموم وتطلعات وآمال المواطنين، و يصون حقوقهم وكرامتهم، وطن العدالة والحرية والأمان والسلام والتعددية؟.
ارسال التعليق