على رأس الدبلوماسية السعودية.." صقر من صقور أل سعود.." ماذا يعني ذلك !؟
[عبد العزيز المكي]
بالتأكيد، أيها الأخوة القراء، أنكم مثلي، تابعتم وقرأتم مضامين الأوامر الملكية السعودية، التي أصدرها سلمان بن عبد العزيز يوم 23/10/2019، والتي عيّن فيها وزيراً للخارجية السعودية هو فيصل بن فرحان آل سعود، بديلاً عن ابراهيم العساف، من الحرس القديم، والذي لم يكمل عاماً واحداً، حيث تسلم العساف منصبه في 27 كانون الأول 2018، بعد إعفاء عادل الجبير من المنصب وتعيينه وزير دولة للشؤون الخارجية وعضوا بمجلس الوزراء.. وقد تناول البعض من الكتاب الغربيين والعرب هذا التعيين تحليلاً وتفسيراً، لكن هذه التحليلات وان انطوي البعض منها على جانب كبير من الصحة، الّا انه يعالج جانباً من جوانب المشهد المتعددة، المشهد السعودي نقصد، بينما تتطلب الرؤية المقاربة لحقيقة هذا المشهد، الإلمام بكل جوانبه، ولذلك أرى ضرورة قراءة هذه التطورات في إطار بعدين، داخلي و خارجي، متداخلات و لا يمكن الفصل بينهما.
البعد الداخلي:
أتفق مع بعض المحللين الذين ذهبوا الى ان هذا التغيير يعتبر مؤشراً على محاولات تربيت النظام السعودي، بيت النظام السلماني تحديداً، أي أن ما جرى جاء في إطار محاولات بن سلمان، ولي العهد و الحاكم الفعلي للمملكة، الآتية :-
إحكام قبضته على مفاصل السلطة الأساسية، فكان قد أناط وزارة الدفاع بالنيابة لأخيه من أمه و أبيه خالد، و أناط وزارة الطاقة وادارة شركة ارامكو الى أخيه من أبيه عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، و اختار فريقاً من المقربين منه ليكونوا سفراء له في أمريكا و في بريطانيا، و حتى في المانيا من مثل السفيرة السعودية الحالية في واشنطن ريما بنت بندر بن سلمان و أخيها خالد بن بندر بن سلطان في لندن، أي سفيرا للملكة الى هناك، وفيصل بن فرحان، الذي أصبح وزيراً للخارجية سفيراً للمملكة في برلين و هكذا، فبهذه التشكيلة، أحكم بن سلمان قبضته على السلطة، وبالتالي قطع الطريق على أي محاولة من جانب الامراء الباقين من بقية فروع العائلة، لمنافستة أو للصعود الى مواقع حساسة في السلطة، قد يراها بن سلمان مصدر تهديد له ولطموحاته في الوصول الى العرش.. واللافت ان هذا الطاقم الذي يحاول بن سلمان إكمال دائرته حوله لديه علاقات متميزة مع الغربيين والصهاينة ومع الاميركان والانجليز ، ما يعني بذلك سعى بن سلمان ضمان أو حتى تعبيد الطريق لوصوله الى العرش، لأنه مازالت هناك بعض الدوائر في المؤسسات الحكومية أو في بعضها في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، وحتى بعض الدول الغربية، ممن يعترض على وصول بن سلمان الى العرش في المملكة لأن الأخير اثبت لهذه الدوائر من خلال سياساته، انه رجل أحمق متهور لا يفهم في فنون السياسية أي شيء.
هذا من جانب و من جانب آخر، فأن بن سلمان يعتقد أن ابراهيم العساف وقبله عادل الجبير أخفقا في تلميع صورته أمام الغرب، وفي إزاحة ركام التشوه الذي لحق بها نتيجة تورطه في الجريمة المروعة، بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول التركية العام الماضي، لكن المفارقة ان وزير الخارجية الجديد، فيصل بن فرحان، هو من المتورطين في قتل خاشقجي لانه كان مستشاراً للسفير السعودي في واشنطن يومذاك، وهو شقيق ولي العهد، خالد بن سلمان، قبل انتقاله الى الرياض ليصبح نائباً لوزير الدفاع، ما يعني ذلك، ان المجئ ببن فرحان على رأس الوزارة له أبعاد أخرى تتجاوز مسألة تلميع صورة بن سلمان الملطخة بدماء خاشقجي ودماء الأبرياء من الأطفال والنساء، وكبار السن العزل، من أبناء الشعب اليمني الذين تفتك بهم طائرات وصواريخ بن سلمان ليل نهار في هذه الحرب التي فرضها على هذا الشعب ظلماً و عدواناً...
محاولة بن سلمان إعادة الهيبة الى النظام السعودي بعد الانتكاسات المتلاحقة التي تعرض لها مؤخراً، و أظهرت بن سلمان، بعد تهديداته وتبجحاته السابقة، " عنترياته " أيضاً ضعيفاً مهزوماً مكسوراً، تراجعت مكانه المملكة على اثر هذا الواقع الى الحضيض، فقد تلقى صفعات مؤلمة من قبل أنصار الله باستهداف منشآت آرامكو في الشيبة وفي بقيق و خريص، بالصواريخ و الطائرات المسيرة والتي أدت الى وقف نصف الانتاج البترولي للسعودية، ثم تخلي ترامب وحتى الكيان الصهيوني عن الدفاع عن السعودية في الوقت الذي طالب فيه بن سلمان حلفائه الأمريكان والصهاينة بالثأر من ايران، حيث قال ترامب صراحة نحن نبيع السلاح للسعودية ونقبض مقابله الأثمان، لكن لا يعني ذلك اننا يجب أن ندافع عنهم، اننا نبيعهم السلاح وهم يدافعون عن أنفسهم.. والقصة معروفة، كما تعرض بن سلمان الى هزيمة عسكرية ساحقة في محور نجران بإبادة وسقوط ثلاثة الوية مدرعة من المرتزقة و من الجيش السعودي في ذلك المحور، وتحرير اكثر من 500 كم في العمق السعودي.. وازاء هذه الهزائم والانكسارات وغيرها ممن لم نذكر أصبحت حديثاً للسخرية من نظام بن سلمان ومدعاة لاستهزاء المعلقين والخبراء الاميركان والبريطانيين والصهاينة، لدرجة ان بعض الاوساط الأمريكية التي كانت معارضة لصعود بن سلمان كثفت من تحركاتها ومن نشاطها للضغط على ترامب من أجل حمله واقناعه بالتخلي عن هذا الشاب الاحمق والمتهور..
أمام هذه الانتكاسات المتلاحقة أراد بن سلمان أن يمنح طاقمه زخماً جديداً و مقبولية اكثر عند الغربيين والصهاينة، بالتخلي عن ابراهيم العساف والمجيء بفصيل بن فرحان، من أجل كسب ود الاوساط المذكورة و ثقتها، ومن أجل الظهور بمظهر النظام المقتدر، بحكم أن بن فرحان من " صقور آل سعود" و معاد بشكل شديد لايران ولمحور المقاومة، وصديق مخلص للغربيين وللصهاينة أيضاً، وما يرجح هذا الأمر، هو أنني لاحظت ان التغطية الخبرية لتعيين بن فرحان وزيراً للخارجية السعودية، ركزت على الجانب " الصقري" اذا جاز التعبير من شخصية بن فرحان، وبشكل لافت، فمرة يبرزّون في شخصيته العداء الشديد لإيران وتهديداته لها بالرد عليها، و مرة يقولون انه سيساهم في تقوية السعودية عسكرياً، وأخرى يؤكدون على قراراته الحاسمة والسريعة و هكذا !! اكثر من ذلك إعتبر بعض المحللين ان تعيين فيصل بن فرحان وزيراً للخارجية السعودية " مؤشر على دخول السعودية مرحلة جديدة " !! واليكم نموذجاً من هذه الاطلالات الخبرية والتحليلية على شخصيته وزير الخارجية الجديد.." واللافت أن فيصل بن فرحان، 45 عاماً، هو أمير سعودي ولد في المانيا، وعيّن مستشاراَ في وزارة الخارجية بمرتبة ممتازة منذ العام 2017. إضافة الى كونه من المستشارين لدى الديوان الملكي، ويعدُّ فيصل بن فرحان، أحد الأمراء الذين لهم علاقة من الجوانب العسكرية، حيث كان عضواً في مجلس ادارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، إضافة الى ترأسه مجلس إدارة شركة السلام لصناعة الطائرات ".
في السياق ذاته " أعرب أندرياس كريغ، الباحث والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط في( كينغز كولدج) في لندن، عن أن هذا التعيين جزء من تغيير الأجيال، الأمر الذي قد يخلق طبقة جديدة من القادة في السعودية مستقلة عن محركي السلطة التقليديين، ويساعد ولي العهد على ترسيخ نفوذه من دون الحاجة للاعتماد على الحرس القديم ".
شينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الاوربي للعلاقات الخارجية، هي الأخرى تقول " ان الوزير الجديد يتمتع بعلاقات قوية مع الغرب، مضيقة أنه يعتبر شخصية ديناميكية تعمل من منظور استباقي " !!
و من ناحيته علق الباحث في مؤسسة " تشاتام هاوس"، البحثية البريطانية " نيل كويليام" و قال: أنظر الى الفريق السعودي الذي يجري تشكلية في واشنطن ولندن، والآن وزير الخارجية الجديد.. الترسيخ يزداد و يتولى المهمة الآن طاقم له علاقة بالغرب".
اذن هذه نماذج من تعليقات الغربيين حول هذه الشخصية، وهي أي التعليقات تنسخ ما تروج له الصحف و وسائل الاعلام السعودية نفسها، في السياق الذي أشرنا اليه، اذ لقبته صحيفة عكاظ السعودية، عقب تعيينه وزيراً للخارجية، بسياسي الظروف الصعبة !! ما يعني ذلك ان النظام السعودي دفع لهؤلاء المحللين الغربيين و كذلك للسياسيين من أجل الترويج لهذا التعيين وللشخص نفسه بهدف إعادة الهيبة كما قلنا، وللايحاء للغربيين بأن ثمة تغيير أساسي يجريه ولي العهد، لمغادرة الأخفاقات، ومالحق بالمملكة السعودية من إنتكاسات وتشوهات بسبب تلك الاخفاقات !!
البعد الخارجي:
نعتقد ان البعد الخارجي هو الأهم في تحليل وتفسير هذا التغيير الذي طال رأس الدبلوماسية السعودية، لأن أي تغييرات تحصل في البيت السعودي الحاكم لا تتم الّا بالتنسيق مع السيدين الامريكي والصهيوني و حتى السيد البريطاني في بعض الأحيان، فلا يمكن للملك سلمان ولابنه اجراء التغييرات في هيكلية النظام أو في تركيبته الّا باشارة من هذين السيدين، أو بالتنسيق معهما. و كذا الأمر بالنسبة لهذا التغيير الأخير، هذا اولاً، وثانياً، ان مثل هذه التغييرات غالباً ما تكون إنعكاس لتغييرات او لتوجهات جديدة لواشنطن ولتل أبيب، فيما يخص وضع المنطقة، أو ما يخص الوضع الداخلي للعائلة الحاكمة، الذي يرتبط بمقتضيات المصلحتين الأمريكية والصهيونية، تجاه السعودية نفسها وتجاه المنطقة، ومن هذه الزاوية يمكن القول، ان العساف جرى تغييره من قبل الدوائر الصهيونية والأمريكيية لاسباب عديدة نذكر منها ما يلي:
ان العساف هو من الحرس القديم، وسياسات الحرس القديم غالباً ما تتسم بما يسمونه " التعقل أو الحكمة" فيبتعدون عن الصدام والعنتريات " وما الى ذلك، ويحاولون على الأقل ظاهرياً و اعلامياً، بأنهم ثقل المنطقة الذي يسعى الى إطفاء الحرائق وحل الأزمات، ولذلك هم اعترضوا على سياسات بن سلمان والجبير في توتير الأجواء مع ايران وفي شن الحرب على اليمن وفي توريط السعودية بازمات و مشاكل كانت بعيدة وفي غنى عنها، ولذلك إتسمت فترة تولي ابراهيم العساف رأس الدبلوماسية بالهدوء واختفاء أو تراجع لغة التصعيد في الخطابين الاعلامي والسياسي، لكن ذلك ما يتعارض مع سياسات بن سلمان نفسه وسياسات أسياده، فبن سلمان ومن أجل أن يُرضي اسياده الأميركان والصهاينة على عبوره الى عرش المملكة، قام بهذا الاندفاع نحو التصعيد في المنطقة ونحو الهرولة نحو التطبيع مع العدو، الذي يطمح لأن يستمر هذا التصعيد لا ان يعود الى التراجع و يتواصل من وراء الكواليس.
بعكس ما حاولت وسائل الاعلام الغربية والسعودية الايحاء الى ان فترة العساف كانت فترة جمود وترهل للدبلوماسية السعودية، كان الرجل يتحرك بهدوء من أجل انقاذ النظام السعودي، فشهدنا الوساطة الباكستانية في عهده بين ايران والسعودية والتي أعلن عنها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، و أيضاً تراجعاً في الخطاب التصعيدي الاعلامي والسياسي ضد ايران، وايضاً شهدنا الوساطة العراقية و الوساطة العمانية وحتى الوساطة الروسية، و كل ذلك ذلك كان مؤشراً بالنسبة للصهاينة تحديداً ان الأمور سائرة بهذا الاتجاه، وان ذلك سيكون انتصاراً لمحور المقاومة واخفاقاً مدوياً للمحور الآخر، وبالتالي مضاعفة الخطر على الوجود الصهيوني، وهذا ما صرح به كبار المحللين و الخبراء الصهاينة عياناً في تصريحاتهم وفي صحفهم و قنواتهم التلفزيونية، وهناك مصاديق كثيرة، لدرجة انهم طالبوا بتغيير بن سلمان، واعتبروا ان السعودية نمر من ورق، وانها فشلت في حرب اليمن، و كثير من التعليقات المماثلة التي بالتأكيد تابعتموها اعزائي القراء خلال الفترة الماضية، والتي كلها، أي تلك التعليقات تؤشر الى القلق الصهيوني المتزايد من التوجه السعودي الجديد، لأنه كما أشرنا قبل قليل، ان هذا التوجه يتنافى والخطط الصهيونية إزاء ايران والمنطقة، والتي تقوم على أساس قواعد منها:
*استمرار النظام السعودي بحمل لواء التصعيد مع ايران ومحور المقاومة وعدم ترك أي فرصة للمهادنة والتراجع، حتى لو تطلب الأمر نشوب الحرب بين السعودية وايران!
*استمرار التصعيد من شأنه أن يعزز ظروف اعلان التطبيع السعودي مع العدو، وبالتالي إمكانية قيام النظام السعودي بحكم ثقل بلاده الاسلامي والعربي، تسويق العدو الصهيوني ودمجه في نسيج المنطقة.
*استمرار التصعيد من شأنه توفير الظروف المواءمة لاقامة الاحلاف العسكرية والأمنية مع السعودية و مع دول الخليج، وقد تحدث وزير الخارجية الصهيوني مؤخراً بأنه طرح مبادرة هذا الحلف على أحد وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعات أو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة.
* كما ان استمرار التصعيد بين السعودية وايران يوفر للعدو فرصة زج النظام السعودي في حرب مع ايران، توظف فيها كل امكانات السعودية من أموال ومن أرض وسماء، وبالتالي استنزاف الأمة والمنطقة، لأن العدو ومسؤوليه يعتقدون انه بغير حرق المنطقة واستنزافها لايمكن التخلص من الاخطار الجمة التي بات يشعر انها تحيط به من كل جانب، ولايهمه ان تحولت السعودية الى محرقة، أو رجعت مئات السنين الى الوراء، انما المهم بالنسبة لهذا العدو كما قلنا استنزاف المنطقة و حرقها..
وعلى خلفية ما تقدم لا نستعبد ان يكون التغيير جاء باوامر صهيونية وامريكية مباشرة استعداداً لمرحلة جديدة، من التصعيد ومن المواجهة مع محور المقاومة، مؤشرات هذه المرحلة كما بدأت تتكشف للعيان، هي جلب المزيد من القوات الأمريكية والطائرات والاسلحة المتطورة للسعودية، هذا اولاً، وثانياً: الزيارة السرية التي قام بها نتنياهو بحسب ترجيح بعض وسائل الاعلام الصهيونية للرياض وعقده اجتماع ثلاثي مع وزير الدفاع الأمريكي أسبر، ومع مسؤول سعودي قد يكون بن سلمان أو شقيقه في الأيام القليلة الماضية، وثالثاً: تفجير الساحتين العراقية واللبنانية، حيث اثبتت الوثائق المحصل عليها دور امريكا والسعودية في تأجيجهما بالاضافة الى الدور الاماراتي تمويلاً وتدخلاً سافراً.. و رابعاً الاتفاق الذي توصلت اليه السعودية بين حكومة هادي و المجلس الانتقالي الجنوبي المحسوب على الامارات بهدف توحيد جبهة العدوان التي كانت مفككة استعداداً لجولات جديدة من الحرب، أو من التفرغ لادوار جديدة في المنطقة، ولكن من المشكوك فيه ان يحقق الاميركان والصهاينة وعملاؤهم أية نتيجة من وراء هذا التحشيد الجديد، فكما هُزموا في الجولات السابقة فسيهزمون في هذه الجولة و يولون الدبر باذن الله، والله غالب على امره.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق