عملية " إعصار اليمن الثالثة"... كرست حقائق ومعادلات وتداعيات جديدة.
[عبد العزيز المكي]
في عمليتي " إعصار اليمن الأولى والثانية " زعمت السلطات الإماراتية أنها فوجئت بهذه العمليات ولم تكن قد اتخذت الاستعدادات لمواجهتها، أي أن منظوماتها المضادة للصواريخ والطائرات المسيرة مثل باتريوت وثاد، ونظيراتها غير الأمريكية البريطانية والكوورية الجنوبية لم تكن عاملة أي مشغّلة!! وإنْ لم يقتنع الخبراء والعسكريين بهذه المزاعم، لكن لنفترض جزافاً، أن ذلك صحيح... ما يعني ذلك، أن القيادة الإماراتية بعد تلكما العمليتين اتخذت كامل الجهوزية لمواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة لأنصار الله سيما وان اليمنيين هددوا بإطلاقها إذا لم تتراجع الأمارات عن عدوانها وتنسحب من اليمن بل أكثر من ذلك، أن الأنصار حددوا حتى الأهداف التي سيقصفونها بصواريخهم ومسيّراتهم، ومنها معرض أكسبو في دبي العاصمة الاقتصادية للأمارات، ولذلك فان عملية الإعصار الثالثة تتميز من هذه الناحية، أي جهوزية الأمارات واتخاذ الاحتياطات الكاملة لمواجهة صواريخ ومسيرات الأنصار، تتميز عن العمليتين السابقتين من ناحية التأثيرات والتداعيات التي ستتركها، فبحسب المنطق الإماراتي يفترض أن تكون تأثيراتها محدودة في ضوء هذا الاستعداد والجهوزية مقارنة بالعمليتين السابقتين! أضف إلى ذلك، أن هذه الجهوزية كما يعرف الخبراء بل والقاصي والداني، أنها فاقت حد المعقول نظراً لزيارة رئيس الكيان الصهيوني بتسحاق هرتسوغ إلى الأمارات وذلك لحمايته من القصف اليمني، بل أجزم أن العدو الصهيوني ساهم مساهمة فعالة في رفع مستوى الجهوزية الإماراتية، وفي تزويد الأمارات بمنظومات استشعارات متطورة التي تكشف مواقع الصواريخ والمسيرات التي تنطلق منها في اليمن، ما يعني ذلك تميّز آخر للعملية الثالثة يعزز من أهميتها وقوتها وقدرات القوة التي تقف خلفها، لأن العملية تمت وأصابت أهدافها بدقة متناهية فرغم التعتيم الإماراتي المقصود على العملية إلا أن النشطاء والمتابعين من الإماراتيين وغيرهم نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وثقت الاصابات الدقيقة والحرائق التي التهمت الأهداف، والأماكن التي استهدفها القصف، ومنها معرض اكسبو في دبي، فهذه العملية ألحقت بالعدو الإماراتي خسائر فادحة على الصعد العسكرية والنفسية والاقتصادية وكشفت حقائق كثيرة حول الواقع الإماراتي، في الوقت الذي تركت فيه تداعيات كثيرة... نشير إلى بعض من الحقائق والتداعيات التي كشفتها وتركتها هذه العملية بما يلي:-
1-عملية إعصار اليمن الثالثة كرست حقيقة هي أن لا العدو الصهيوني ولا الولايات المتحدة قادرة على حماية الأمارات من ضربات الأنصار في العمق الإماراتي، فكما قلنا قبل قليل المؤكد أن العدو كان قد زود الأمارات بمنظومات الاستشعار المبكرة، وبمنظومات الحماية الأخرى خوفاً وحرصاً على سلامة رئيسه هرتسوغ غير أن صواريخ ومسيرات أنصار الله أصابت أهدافها بدقة، وما إعلان الإمارات عن إسقاط صاروخ إلا للتخلص من الحرج، وما يعلنه المسؤولون الصهاينة عن تزويد الأمارات بمنظومات مضادة للصواريخ وأجهزة استشعار، مجرد تهويل إعلامي وحرب نفسية ومحاولة إيهام القيادة الإماراتية، وإلا كان من باب أولى استخدام العدو لهذه المنظومات لحماية نفسه من صواريخ المقاومة الفلسطينية في عملية سيف القدس التي استمرت 11يوماً، حيث هرع نتنياهو إلى الرئيس الأمريكي والطلب منه التدخل لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتدخل لدى حماس والجهاد الإسلامي لإيقاف الحرب، لان إطلاق الصواريخ شلّ الحياة تماماً لدى الكيان الغاصب، وباتت نذر الانهيار تلوح في أفق هذا الكيان، وما يعزز حقيقة عجز العدو عن حماية الأمارات، هو القلق المتزايد لدى الأوساط الصهيونية الإعلامية والسياسية من ضربات الأنصار للإمارات خوفاً على أنفسهم وليس خوفاً على الإمارات، فهناك إجماع لديهم بأن الضربات القادمة ستطال الكيان الغاصب. وفي هذا السياق اعتبرت بعض وسائل الإعلام الصهيونية أن عملية الإعصار الثالثة كانت من الحوثيين إلى الصهاينة، وفي هذا الإطار قال المراسل العسكري في القناة العبرية (13)، أور هيلر.." أن توقيت الهجوم الأخير الذي نفذته القوات المسلحة في اليمن ضد العاصمة الأماراتية أبوظبي، لا يحمل فقط رسالة إلى الإماراتيين بل رسالة إلى " الإسرائيليين أيضاً."
2- لم تكن عمليات الأنصار ضد العمق الإماراتي رسالة تحدي للكيان الصهيوني وان الضربات القادمة سوف تطال عمقه، وحسب، وإنما العمليات كشفت كيف أن هذا النظام الغاصب يوظف نكبات الآخرين لإنقاذ نفسه، فهو في الوقت الذي عجز عن حماية الأمارات جاء رئيسه ليجعل أو ليوظف نكبة الأمارات، لدفعها وآخرين لإقامة حلف في المنطقة معه، ليس لإنقاذ أو لحماية الإمارات من أنصار الله أو من محور المقاومة كما يروج الصهاينة، وإنما لحماية الكيان نفسه، لأن أمريكا باتت عاجزة عن استمرار تقديم الدعم والحماية في ضوء التراجع العسكري والاقتصادي الذي تعاني منه، وفي ضوء ما يشهده الكيان نفسه من تداعي وتفكك بات يخيف الخبراء والمهتمين الصهاينة أنفسهم كما يعكس ذلك التقارير المتواترة لهؤلاء الخبراء عما ينتظر الكيان من كوارث، ولذلك فأن الصهاينة فقدوا الثقة بالجيش الصهيوني وبحمايته، وبات أكثر من 40% منهم يفكرون بالعودة إلى أماكن أجدادهم في أوروبا وفي أمريكا...طبقاً لما كشفت عنه نتائج استطلاع للرأي بين الصهاينة مؤخراً، وحسب دراسة صادرة عن مركز تراث " بيغن" فأن59% من اليهود في الكيان الغاصب توجهوا أو يفكرون بالتوجه الى سفارات أجنبية للاستفسار وتقديم طلبات للحصول على جنسيات أجنبية، بينما أبدت 78% من العائلات اليهودية دعم أبنائها الشباب للسفر الى الخارج، وذلك طبقاً لما نقلته صحيفة رأي اليوم في عددها ليوم3/1/2022.و في مقال نشرته صحيفة هاآرتيس الصهيونية، أكد الجنرال في الاحتياط شاؤولآرئيلي المستشرق الصهيوني والمختص بالصراع العربي- الصهيوني: " أن الكيان الذي إعتمد عدداً من الاستراتيجيات قد فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيوني على أرض فلسطين " المحتلة " وهي تواصل المسير في الطريق نحو فقدان هذا الحل".
إذن العدو في حالة انحدار نحو الهاوية والتلاشي، واليوم يحاول لإنقاذ نفسه بتوظيف إمكانات دول الخليج المالية والاقتصادية والعسكرية، وجعلها خطاً دفاعياً وهجومياً متقدماً لحماية نفسه، ولا يستبعد كما يروج قادة العدو ليل نهار توريط الأمارات والسعودية في حرب أخرى مع دول أخرى مجاورة قد تكون نتائجها كارثية على هاتين الدولتين كما يؤكد الخبراء والعسكريون ذلك.
3- وبالإضافة إلى ما كشفته عملية إعصار اليمن الثالثة من توظيف صهيوني لتوريط الإمارات في الحرب على الشعب اليمني المظلوم، فأنها كشفت أيضا عملية التوظيف الأمريكي لمأساة الشعب اليمني المروعة ولورطة الإمارات والسعودية في اليمن، لإقامة الحلف الشبيه بحلف الناتو، والذي كان مجرد فكرة أطلقها المسؤولون الأمريكيون في الإدارة السابقة(ترامب)، وظل الصهاينة يروجون لها طيلة الفترة الماضية، فأمريكا هي التي دفعت الإمارات إلى التصعيد ضد أنصار الله، مما استتبع ذلك قصف واستهداف الأنصار لعمقها ووضعهم اقتصادها على حافة الانهيار، وذلك لتوظيف أجواء التصعيد في إقامة والترويج لهذا الحلف الذي يتشكل من مصر والأردن ودول الخليج بالإضافة إلى الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ولعل الإعلان عن قيام مناورات في البحر الأحمر تضم قوى من بينها هذه الدول، يشكل مرتكز انطلاق لهذا الحلف لتحقيق أمرين حماية المصالح الأمريكية غير المشروعة في المنطقة وحماية الكيان الصهيوني.
4- لأن عملية الإعصار اليمني الثالثة جاءت أقوى وأكثر إيلاما للإمارات من سابقاتها، فأنها تركت تداعيات مدمرة على الاقتصاد الإماراتي، أولا، لأنها كرست الانطباع عند المستثمرين والتجار وما إليهم، أن هذه العمليات سوف تتواصل، مادامت الإمارات متورطة في الحرب على الشعب اليمني، وثانياً نجاح هذه العملية في تحقيق أهدافها رغم الجهوزية الإماراتية والدعم الصهيوني والأمريكي للإمارات استعداداً لإفشال مثل تلك الهجمات، وما تنقله التقارير عن الوضع في الإمارات على صعيد الجدل حول مستقبل السياحة والاستثمارات الخارجية بات يقلق الإماراتيين وينذر بانهيار الدولة الإماراتية أن استمرت هذه الهجمات ولم تستفد القيادة الإماراتية من نصائح أنصار الله وآخرين، بالخروج من تلك الحرب. وهذا ما يؤكدهُ الخبراء الاقتصاديون، ففي هذا السياق قالت الباحثة الأمريكية الدكتورة الكساندرا ستارك المتخرجة من جامعة جورج تاون.." إن ضربات الحوثيين خلفت معضلة صعبة للأمارات لأنها عّرضت نموذج الأمارات الاقتصادي للخطر" وأوضحت ستارك قائلة: " إن النموذج الاقتصادي لدولة الأمارات العربية المتحدة يعتمد على جذب الاستثمار الأجنبي والسياحة، وفي حين، أنه من غير المحتمل أن تتسبب ضربات الحوثيين في إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية المدنية داخل الأمارات، فإن التهديد بالضربات يكفي لتعطيل الخطط الاقتصادية لدولة الأمارات". ولفتت تلك الباحثة إلى " أن المسؤولين الإماراتيين يدركون أنه لا يمكنهم الاستمرار في الوضع الحالي دون تداعيات اقتصادية خطيرة..".
من جهته كشف الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد جانباً من تداعيات عمليات إعصار اليمن الثلاث على الاقتصاد الإماراتي، مؤكداً أنها وخيمة ولكن القيادة الإماراتية تحاول إخفائها.. وذكر الحداد طبقاً لما نقلته عنه بعض المواقع الالكترونية اليمنية.." أن محاولات التطبيع التي تقوم بها أبو ظبي من آثار استهدافها يكشف كمية الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإماراتي خلال الأسابيع الماضية"..مشيراً إلى.." إن المؤشرات اليومية للأسواق المالية الإماراتية تكشف تراجع كلي في مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية، وتراجع ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالاسثمار في الأمارات التي أصبحت دولة غير آمنة، وفق تقارير صحف عالمية". وقال الحداد.." إن الإمارات تكابر اليوم على مصالحها الاستراتيجية وتحاول إخفاء الوجع بالتعتيم ألأعلامي عن الأضرار التي طالتها نتيجة عمليات إعصار اليمن لثلاث بترهيب الناشطين والهواة ومنعهم من نشر آثار العمليات الهجومية اليمنية. وقدر الحداد الخسائر الأولية للاقتصاد الإماراتي جراء الهجمات اليمنية بعشرة مليارات دولار لحد الآن، متوقعاً ارتفاع هذه الخسائر على المدى المتوسط والبعيد إلى أكثر من 50 مليار دولار، وقد تكون الخسائر إذا استمرت الهجمات تفوق كل التوقعات.
5- كشفت العملية خواء وهشاشة الأمارات وعدم قدرتها على تحمّل ضربات أنصار الله، والدليل على ذلك مسارعتها الى الاستعانة بالولايات المتحدة التي هي بدورها سارعت لإنجادها بالطائرات المقاتلة والقطع العسكرية البحرية، وأيضاً طلب الإمارات النجدة من الكيان الصهيوني الذي قال وأكد انه مد الأمارات بمنظومات وأجهزة استشعار لاطلاق الصواريخ والمسيرات ولكن بشروط لعلّ أقلها مصادرة سيادة الأمارات ان كانت ثمة سيادة!! على ان هذه النجدة الصهيونية والامريكية السريعة تبقى مجرد مسكنات وغير مجدية، لأنه حتى لو نجحت المضادات الأمريكية والصهيونية في التقليل من خسائر الضربات الصاروخية والجوية لانصار الله، فإن مجرد وجود كابوس التهديد بضرب المواقع الحيوية الاقتصادية والعسكرية، بحد ذاته يكون كافياً لتدمير الاقتصاد الأماراتي ولتدمير نفسية الإماراتي التي اعتادت الرفاه والاستقرار الأمني، فانعدام هذا الاستقرار يعني تهشيم ركائز الاقتصاد الإماراتي، التي من أهمها، الأمن والسياحة.. وهذا ما تؤكده حتى بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية، فعلى سبيل المثال كشف موقع " ذا انترسبت" الأمريكي، ان عمليات إعصار اليمن التي استهدفت الأمارات أظهرت أنها فقاعة بالفعل وهشة. وقال الموقع: " إن الهجمات الصاروخية التي استهدفت أهدافاً حيوية وحساسة في أبو ظبي ودبي تظهر ان الأمارات فقاعة بالفعل، وهشة للغاية" واضاف الموقع.." ان الهجومين الأخيرين على ابوظبي يؤكدان ان الحرب العبثية على اليمن، بعد سبعة أعوام، أصبحت اكثر خطورة على دول الخليج..". في السياق ذاته كتب المستشار الامريكي الاستخباري بروس ريدل الباحث والمستشار في كل من فورين بوليس ومركز سياسات الشرق الأوسط الأمريكي، ومدير مشروع المخابرات في مركز الأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا بواشنطن، مقالاً تحليلياً عن الحرب في اليمن، نشره مركز بروكينج الأمريكي، تحت عنوان " الحوثيون انتصروا في اليمن وماذا بعد؟".. جاء فيه.." إنتصر الحوثيون في حرب اليمن، وهزموا خصومهم في الحرب الأهلية، سواء السعوديون الذين تدخلوا ضدهم عام 2015، أو الولايات المتحدة التي دعمت السعوديين. إنه إنجاز رائع " لميليشيا " بلاقوة جوية أو بحرية. كما إنها تشبه بشكل لافت للنظر قصة نجاح حزب الله في لبنان".
وما يعزز رأي هذا الخبير وباقي الخبراء الذين يذهبون إلى هذا الرأي هو التدخل الأمريكي المباشر والتدخل الغربي أيضاً خصوصاً فرنسا، بالإضافة إلى التدخل الصهيوني، لكن التجارب التاريخية والنواميس المعاصرة أكدت بمالا يقبل الشك أن الهزيمة ستكون استحقاق تاريخي لتلك القوة المتدخلة، وليس ببعيد عنا هزيمة أمريكا في أفغانستان، وهزيمتها في العراق قبل ذلك، وهزيمة العدو الصهيوني، بل هزائمه المتتالية في 2006 وفي 2000 وفي 2014، وفي 2020 أمام حزب الله في جنوب لبنان، والمقاومة الفلسطينية في غزة ... والأمثلة كثيرة على أن خواتيم العدوان ستكون هزيمة مدوية للقوى المعتدية. والله غالب على أمره.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق