حدث وتحليل
قرارات ابن سلمان العشوائية.. والخسائر الفادحة بمصالح البلاد
[ادارة الموقع]
شكل قرار النظام إلغاء طرح 5 بالمئة من أسهم شركة آرامكو النفطية للاكتتاب العام، دليلا جديدا على التخبط الذي يجري في رأس السلطة في مملكة آل سعود لادارة شؤون البلاد والعباد التي يتحكم بها بشكل كبير ولي العهد محمد بن سلمان، ولا يخفف من وطأة ما يجري القول إن قرار إلغاء طرح اسهم ارامكو للاكتتاب قد تم بشكل مباشر من الملك سلمان وان لا علاقة لولي العهد بذلك، بل يتم الترويج انه رغما عنه ولا يتحمل مسؤوليته.
كل ذلك يؤكد ان القرارات التي تتخذ في رأس السلطة السعودية هي قرارات عشوائية بناء على عنتريات محمد بن سلمان وبعض مستشاريه الذين اثبتت التجارب انهم يدفعون به وبمملكة آل سعود الى الهاوية، فكل ما يقوم به الرجل لا يتم التخطيط له بشكل موضوعي وعلى اساس ما يتوافق مع الواقع العملي وما تحتاجه البلاد وبما يتلاءم مع الظروف المختلفة وبحسب حاجات الناس اليومية والمعيشية، ولعل فشل التسويق الجيد وإقناع مختلف الجهات للاكتتاب بأسهم ارامكو يؤكد ان خطوة ابن سلمان بعرض الأسهم على البيع هي خطوة غير مدروسة بل ومتهورة وتعبر بشكل كبير عن التوقعات لما قد تحققه خطط ابن سلمان من نجاحات لا سيما رؤية 2030 ومشروع نيوم وغيرها من المشاريع الاستثمارية الحالمة التي يريد تطبيقها ابن سلمان من دون اي اسس واقعية ما يؤكد انه يعيش بانعزال تام عن الواقع ولا يفهم ما يجري على الارض.
قرارات متهورة.. والنتائج واضحة!!
والحقيقة ان مختلف القرارات الكبيرة والهامة التي اتخذها ابن سلمان منذ وصوله لسدة القرار في الرياض هي قرارات غير مدروسة شبيهة بقرار طرح ارامكو ومن ثم قرار التراجع عنه، ومنها القرار الارتجالي والمتهور باعلان الحرب على اليمن وتشكيل تحالف كبير للعدوان عليه، قبل ان يتبين ان ابن سلمان قرر ادخال العديد من الدول في التحالف قبل أخذ رأيها بالموضوع، ومع مرور الايام تبين ان قرار العدوان على اليمن لم يحقق الا الخسائر والانتكاسات للسعودية ولابن سلمان ومن خلفه مرشده ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد، وبات فشل العدوان يضع مستقبلهما السياسي على المحك.
بالاضافة الى ذلك، يمكن الاشارة الى القرار المتسرع لابن سلمان بمقاطعة قطر ومحاصرتها والتهديد بالعدوان عليها، ليظهر ان الاساس الذي اتخذ القرار بناء عليه هو امر مزيف ومخترع من قبل جهة ما للايقاع بين الرياض والدوحة، ومع ذلك لم يتعلم ابن سلمان او يتواضع ليحاول اصلاح ما حصل وانما واصل مخططه ليتبين مع الوقت فشله لان قطر صمدت الى حد كبير بوجه الدول المقاطعة(السعودية، الامارات والبحرين ومعها مصر)، وان قرار ابن سلمان المتسرع قد سمح للادارة الاميركية بابتزاز كل هذه الدول لسحب الاموال منها بحجة انها تحميها وتمنع الاعتداء عليها، بحسب ما روج له الرئيس الاميركي دونالد ترامب وإدارته التي استغلت الازمة الخليجية لرفع مستوى صفقات الاسلحة مع مختلف دول ما كان يسمى سابقا "مجلس التعاون الخليجي" الذي فككته عمليا سياسات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.
نفاق آل سعود.. وهروب رؤوس الاموال
ومن ابرز الامثلة على القرارات الارتجالية لابن سلمان التي تؤدي الى أضرار كبيرة بمصالح السعودية، هو الاسلوب "العنتري" المتهور بالرد على الانتقادات الكندية للانتهاكات التي ترتكبها سلطات آل سعود بحق الحريات والحقوق في الداخل، فتصرفات ابن سلمان أدت الى خلق أزمة سياسية جديدة مع دولة غربية كبيرة وفتحت الباب امام سيل من الانتقادات لمملكة آل سعود لما تقوم به من سحق للحريات والحقوق وقمعها كل من يحاول رفع الصوت للمطالبة بحقه او انتقاد السلطة السعودية عن الجرائم والاخطاء التي ترتكبها في الداخل او الخارج.
وبالسياق، اكدت المصادر ان "الخلاف السعودي الكندي المستجد يؤثر بشكل كبير على تدفق رؤوس الاموال الاجنبية الى السعودية وسيؤدي الى عرقلة ما كان يحلم به ابن سلمان من تمويل لمشاريعه الحالمة"، ولفتت الى ان "الانتقادات الغربية المتصارعة والمتزايدة أظهرت هشاشة ما يروج له ولي العهد السعودي من انه يريد نقل البلاد من مملكة للقمع والاضطهاد الى واحة من الحريات والانفتاح"، واشارت الى ان "ما يجري من تطورات يوما بعد يوم يظهر ان كل ما يتم بثه هو مجرد فقاعات اعلامية لا تؤثر في تغيير صورة آل سعود ومملكتهم"، وتابعت ان "ذلك يزيد من تشويه صورتهم لان يؤكد نفاقهم وكذبهم امام الرأي العام الدولي".
الاكيد انه من الصعب جدا محاولة تعداد او إحصاء القرارات الفاشلة والمدمرة التي اتخذها ابن سلمان منذ وصوله الى سدة الحكم والقرار في مملكة آل سعود، إلا ان الاكيد ان بعض هذه الاخطاء القاتلة التي يقف خلفها الحالم بكرسي الملك بالسعودية كافية لعزله ومحاكمته وسجنه نتيجة كل ما تسبب به من خسائر وهزائم للدولة وخزينتها وللناس ومصالحهم.
الازمة مع كندا ومحاولات التراجع.. أين المصلحة السعودية؟!
تتواصل التحليلات السياسية والاعلامية لخلفيات وتداعيات الازمة التي استجدت بين السعودية وكندا، والرد السعودي العنيف جدا على الموقف الكندي المنتقد للممارسات السلطوية ضد النشطاء وأصحاب الرأي في عموم مملكة آل سعود والمطالبة بالافراج عنهم، وقد تنوعت الردود السعودية بين الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية، في اعتقاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ان ذلك سيشكل ردعا لكندا ولاي دولة اخرى قد تقدم على انتقاد جديد للانتهاكات التي يرتكبها نظام آل سعود.
هذا التصعيد غير المسبوق بين البلدين على خلفية اعتبار النظام السعودي ان كندا تتدخل بشؤونه الداخلية لانها طالبت بوقف الاعتقالات للنشطاء وإطلاق سراح معتقلي الرأي، ما دفع السلطات السعودية الى الإدعاء ان الزج بالسجون يتم بناء على أحكام قضائية لان هناك مخالفات للقانون يرتكبها هؤلاء وليس نتيجة لانتهاك للحريات والحق بالرأي والتعبير، وقد أثارت هذه الردود السعودية غير المتوازنة انتقادات كبيرة محليا ودوليا لانها أظهرت ان نظام آل سعود غير جاهز لتقبل أي انتقاد ولا يسمح حتى بإبداء ملاحظات على جرائمه وانتهاكاته، قبل ان تتسرب بعض المعلومات ان ابن سلمان يريد التراجع عن قراره بشكل غير معلن عبر السماح للأطباء والطلاب إكمال تدريبهم ودراستهم، وذلك بناء لوجود قناعة من قبل ولي العهد بفشل الخطوة التي اتخذها تجاه كندا وانها سترتد عليه في الداخل وعلى مملكة آل سعود امام الرأي العام الدولي.
الازمة مع كندا.. ومشروعية النظام السعودي
كل ذلك يطرح تساؤلات جديدة قديمة واسعة عن مدى شرعية النظام القائم في السعودية، باعتبار ان هذا النظام لم يقم على أسس قانونية وشعبية او بناءا للانتخابات وانتقال شرعي للسلطة، ما يفتح الباب عن مدى صدقية الترويج للنظام ولولي العهد السعودي محمد بن سلمان بانه يريد دولة القانون والمؤسسات؟ كما يفتح الباب امام الغطاء الغربي الاميركي البريطاني لكل الانتهاكات المرتكبة في داخل البلاد من قبل النظام الحاكم، هل الازمة الدبلوماسية بين السعودية وكندا ستسلط الضوء على الممارسات القمعية للنظام الحاكم في الرياض وعن سوء أداء القيادات التي تصل بالوراثة من آل سعود والتي تجثم على صدور المواطنين منذ عشرات السنين وحتى اليوم؟
وبالواقع فإن حدة الرد تجاه دولة ذات سيادة تظهر مدى القهر والقسوة التي تتبع من قبل النظام السعودي بحق من هم اضعف بكثير من الدولة الكندية، وهذا هو الحال بمواجهة الافراد في الداخل حيث القمع وكم الافواه والزج بالسجون والاعدامات وقطع الرؤوس من دون ان يقبل الملك سلمان وولي عهده المدلل وحكومته أي انتقاد ولو كان سياسيا او دبلوماسيا، فكيف إن كان هذا الامر من قبل نشطاء يكتبون على وسائل التواصل الاجتماعي او يتجرأون للنزول الى الشارع لرفع لافتة او ترديد شعارات مناهضة للحكم البوليسي والدموي، ويكفي الاشارة الى ما جرى العام الماضي في منطقة العوامية بالمنطقة الشرقية من مسح كامل لاحياء بأكملها ولبيوت عن بكرة أبيها لندرك الاجرام العنيف الذي يستخدم في الداخل السعودي.
الانتهاكات المتواصلة.. وإمكانية الملاحقة القضائية
وبالحقيقة ان الاعتقالات التي تحدثت عنها وزارة الخارجية الكندية والمطالبة باطلاق سراح بعض النشطاء هو غيض من فيض الانتهاكات التي ترتكب في مملكة آل سعود، وإن كانت الاعتقالات التي تمت خلال الفترة الماضية كان لها ما يميزها عن بقية الانتهاكات لانها شملت فئات جديدة طالما كانت بعيدة عن القمع العام في مملكة آل سعود، فالاعتقالات مؤخرا شملت أفرادا من العائلة السعودية ومن المؤسسة الدينية الوهابية ومن رجال الاعمال ومن المطالبين بحقوق المرأة، بينما في الماضي كانت تستهدف فئات معينة في مناطق محددة لا سيما في المنطقة الشرقية على خلفية مذهبية وطائفية مقيتة طالما روج لها آل سعود.
وهذا الكم من الجرائم في الداخل السعودي لا يمكنها ان تنسي الرأي العام الدولي جرائم العدوان السعودي الاميركي الاماراتي في اليمن، حيث تتواصل هذه الجرائم منذ ما يزيد عن الـ3 سنوات والكثير منها يرتقي لحد جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وإبادة، ما يفتح الباب امام امكانية السير اليوم بملاحقات قانونية وقضائية شاملة بحق المسؤولين السعوديين عن جرائمهم هناك.
يبقى الإشارة ان السعودية لم تتجرأ قبلا على التهجم والرد العنيف على دولة غربية بالشكل الذي تم مع كندا ففي السابق كانت تكتفي بتقديم ورقة احتجاج على أي انتقاد يوجه، بينما اليوم اتخذت سلسلة من الخطوات التصعيدية ضد كندا، بما يوحي أن هناك ضوءا اخضر من قبل الادارة الاميركية للتجرؤ على كندا، وكأن هناك مخططات اميركية لاستهداف جارتها لتحقيق مكاسب سياسية معينة خدمة لمصالح الرئيس دونالد ترامب الذي يريد الهيمنة على قارة اميركا الشمالية سواء شمالا باتجاه كندا او جنوبا باتجاه المكسيك، لكن يبقى السؤال حتى متى سيكون النظام السعودي آداة طيعة يتلاعب بها ترامب وإدارته لتحقيق مصالحهم؟
ارسال التعليق