مقاربة بايدن من الأزمة اليمنية...مناورة أم تحول في السياسة الأمريكية تجاه العدوان؟!
[عبد العزيز المكي]
منذ مجيئه إلى البيت¬الأبيض في 21/1/2021، بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الأخيرة، أقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن على إتخاذ عدة خطوات تجاه العدوان على الشعب اليمني، فقد بدأ بتعليق بيع الأسلحة للسعودية والامارات، ثم إعلان مراجعة تسمية أنصار الله منظمة إرهابية، واخيراً وليس آخراً، إعلان بايدن في خطابه الأول حول السياسة الخارجية الأمريكية، في 4/2/2021، وقف دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية الحربية في اليمن، في الوقت الذي أكد ان بلاده سوف تساعد السعودية في الدفاع عن نفسها..
البعض من المحللين والمتابعين من الغربيين والعرب سيما من اليمنيين اعتبر ان هذه المواقف تعبّر عن تغيّر في السياسة الأمريكية تجاه العدوان على الشعب اليمني،لأن الحرب هي حرب أمريكية على اليمن ولكن بأدوات سعودية، أُعلِنَ عن بدئها من واشنطن على لسان عادل الجبير في 26/3/2015، في عهد اوباما واستمرت في عهد ترامب حيث عارضت امريكا في عهده وقف العدوان، واليوم بايدن يريد وقف هذه الحرب وبقرار أمريكي، على حد ما جاء في تحليلات هؤلاء البعض من المحللين، أما البعض الآخر فقد ذهب الى ان هذه المواقف هي مناورة أمريكية لخداع الرأي العام بأن عهد بايدن يختلف عن العهد الترامبي، وان بايدن يضع مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الأولوية، واعتبر أيضاً هؤلاء المحللون ان بايدن يمضي على خطى ترامب في حلب البقرة السعودية وباقي البقرات الخليجية لكن على طريقته الخاصة.
أنا أرى ان خطوات بايدن المشار اليها، هي خليط من التحول والتطور الفعلي في الموقف الأمريكي من العدوان على الشعب اليمني ومن المناورة السياسية أيضاً، أما ما هي الأسباب التي دعت بايدن الى هذا سلوك هذا المنحى في الموقف الأمريكي من الحرب على اليمن؟ فهي أسباب كثيرة نذكر منها ما يلي:-
1- اقتناع الأميركان بأن قوى العدوان، أو بالأحرى أدوات العدوان السعودية والأمارات والمرتزقة اليمنيين والسودانيين وغيرهم، وصلوا الى طريق مسدود، وباتت الحرب وبالاً على هؤلاء الأدوات، اذ ليس لم يستطع هؤلاء من تحقيق نصر " بالحاق الهزيمة بأنصار الله والجيش اليمني، وحسب وإنما باتت الحرب تهدد الأمن القومي السعودي ونظيره الإماراتي، وحتى الأمن الصهيوني، ما استدعى تدخل الصهاينة علنيا في تلك الحرب الى جانب الأمريكان من خلال تكثيف تواجد الخبراء العسكريين الاميركان والصهاينة في جبهات القتال والاشراف على قيادة معارك جيوش الغزاة والمرتزقة بشكل مباشر مع أنصار الله والجيش اليمني، الى جانب زرع الجزر اليمنية المحتلة، والمناطق السعودية المطلة على البحر الأحمر بالعديد من القواعد العسكرية المستحدثة، والتي يتمركز فيها اليوم العسكريون الصهاينة والأميركان لحماية مصالحهم، كما أعلنت ذلك وزارة الدفاع الأمريكية وأعلن أيضاً المسؤولون الصهاينة، والذين قالوا ان أنصار الله باتوا يشكلون قوة تهديد للملاحة في البحر الأحمر، بالإضافة إلى تهديدهم للكيان الصهيوني، بعد ما نجحوا في تطوير صناعاتهم العسكرية رغم الحصار الخانق الأمريكي السعودي الصهيوني المفروض عليهم، سيما صناعاتهم الصاروخية، التي باتت مدياتها تطال المراكز الصهيونية في الأرض المحتلة ودقتها تقلق كل قوى العدوان...
الأميركان أدركوا ان تلك الحرب تحولت الى فرصة لأنصار الله والجيش اليمني لبروزهم كقوة متصاعدة، ورقم عسكري صعب في خريطة المنطقة العسكرية، وأدركوا، رغم ان هذه الحرب حققت الكثير من الأهداف الامريكية التكتيكية في استنزاف شعوب المنطقة وتحقيق الأرباح الطائلة من خلال عقود وصفقات السلاح مع السعودية والأمارات ومن خلال تكثيف الحضور العسكري الأمريكي والصهيوني في اليمن في المناطق المحتلة، وفي الدول العربية الخليجية.. وغير ذلك كثير.. أدركوا رغم كل ما حققوه من تلك الحرب، الّا انها باتت تشكل تهديداً استراتيجياً لهم ولحلفائهم الصهاينة كما أشرنا.. ولذلك فهم غاضبون من الأداء السعودي كما يقول الوزير في حكومة هادي صالح الجبواني في تصريحات له نقلتها المواقع اليمنية الالكترونية في 8/2/2021 ومما جاء فيها: " قال لنا باحث أمريكي في واشنطن: مَنْ هي الشخصية القادرة على قيادة بلدكم في اللحظة الراهنة اذا كانت قيادتكم الحالية لاتريد العودة لليمن؟" وأضاف الجبواني: "كان السؤال مفاجئاً ومحرجاً لم نتوقعه أبداً، الأمريكيون مستاؤون من الأداء السعودي ولا يتحدثون عن القيادة اليمنية الّا كجزء من العجز السعودي الشامل"!! وهذا التصريح يكشف أيضاً عمالة ما يسمى بالشرعية أي جماعة هادي والمرتزقة وكيف انهم مسلوبو القرار والارادة!! وأنهم يؤدون أجندات أمريكية وسعودية بعيدة كل البعد بل معادية لمصالح بلدهم!!
2- إلى جانب أن العدوان على اليمن أصبح وكذلك استمراره تهديداً استراتيجياً للمصالح الأمريكية ولأمن الكيان الصهيوني، فأنه أصبح أداة ضاغطة ومحرجه للإدارة الأمريكية، بل كان كذلك، حتى على إدارة ترامب، وما ضاعف من هذا الضغط هو حماقة ترامب بوقوفه إلى جانب العدوان وفضح الدور الأمريكي فيه بشكل فج، الأمر الذي أثار ليس حفيظة وغيض الشعب اليمني وحسب، بل وأثار بعض الاوساط السياسية الأمريكية والرأي العام الأمريكي، فهذا الأخير بات ينظر الى ادارته بأنها المسؤولة المباشرة عن مأساة الشعب اليمني اولاً بتزويد الاحمق السعودي بالأسلحة المتطورة والفتاكة، وثانياً بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لقوى العدوان ضد الشعب اليمني، وما زاد الطين بله، ان هذا الدعم اطلق العنان للنظامين السعودي والإماراتي بارتكاب المذابح والجرائم البشعة والوحشية بحق الشعب اليمني، والتي أثارت الرأي العام في كل انحاء العالم، ودفعت المنظمات الإنسانية إلى رفع أصواتها وتحميل قوى العدوان ومن وراءها الولايات المتحدة المسؤولية عن هذه الجرائم المروعة، ما ضاعف ذلك من ضغط أوساط في الكونغرس الأمريكي على الرئيس السابق ترامب بهدف وقف الحرب أو وقف الدعم العسكري للنظام السعودي ونظيره الإماراتي، لأن العدوان بعد هذه الفضائح أصبح معولاً ينخر في ما تبقى من " جدار اخلاقي " لأميركا، ونال من سمعتها داخلياً وعالمياً، ولعل تشبت ادارة بايدن بلافتة " حقوق الانسان" و" الديمقراطية" لتحسين وجه أمريكا الدموي البشع الذي كشف حقيقته ترامب بسياساته الصريحة والفجة.. لعل ذلك ضاعف من قلق بايدن وطاقمه من هذا العدوان ومن تداعياته الإنسانية على الشعب اليمني المظلوم، في هذا السياق نقلت المواقع الالكترونية العربية عن السفير الأمريكي السابق في الإمارات ديفيد ماك والخبير حالياً بالمجلس الأطلسي في واشنطن قوله: " أن قرار بايدن وقف الدعم العسكري للتحالف السعودي- يعد إستجابة طبيعية للتطورات التي شهدها الرأي العام الأمريكي ومواقف الكونغرس حيال هذا الملف" . مضيفاً في تصريحاته: " أن الشارع الأمريكي، السياسي والشعبي، يعرف ان هذه الحرب مستمرة منذ سنوات طويلة، وأنها تنطوي على معاناة إنسانية كبيرة للشعب اليمني، ويعرف أيضاً ان السعودية هي الطرف الخارجي الرئيسي في الصراع، والحكومة السعودية الحالية لديها صورة سيئة للغاية فيما يتعلق بالعديد من القضايا الأنسانية وعلى رأسها حرب اليمن". بمعنى أن هذه الحرب أفقدت أمريكا جزءاً كبيراً من منظومتها القيمية، هذا ما أراد السفير الأمريكي قوله، والذي اعتبر اي السفير ان هذا التآكل شكل دافعاً لبايدن وفريقه لاعادة البريق الى الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من بوابة الدبلوماسية، ورفع شعار الدفاع عن حقوق الانسان.
3- محاولة انقاذ النظام السعودي من مستنقع العدوان الذي توحّل فيه، لأن استمرار هذا العدوان بات يشكل كما أشرنا، استنزافاً للنظام السعودي وسيؤدي الى كارثة للملكة، سيما وان كلفة الحرب باتت تميل لصالح أنصارالله كما تشير الى ذلك معطيات الميدان في محافظة مأرب، هذا من جانب ومن جانب آخر ان النظام السعودي لا يمكنه التراجع والقبول بالتسوية مع أنصار الله لأن ذلك يشكل اعترافاً صريحاً بالهزيمة العسكرية والسياسية للعدوان في اليمن، والتي يمكن ان تترك انهيارات عسكرية مدوية في صفوف مرتزقة العدوان، وحتى على صعيد الوضعين الداخلي للسعودية والأمارات.. ولذلك فإن إعلان بايدن يشكل للسعوديين حبل إنقاذ وهو ما يفسر ترحيب نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان شقيق ولي العهد محمد بن سلمان، وتأكيده على دعم المملكة للجهود الدبلوماسية للتوصل الى حل سياسي وشامل لليمن، فالنظام السعودي ينتظر من ينقذه من تلك الورطة، ويخرجه أو يخلصه من الاستمرار في تلك الحرب دون أن يكون ذلك، هزيمة له وانتصاراً لأنصار الله.. وهذا ما أشارت اليه تحليلات الصحف الأمريكية بتأكيدها " أن متغيرات الواقع اليمني ضد المصالح الأمريكية وان التوجه الامريكي جزء منه إنقاذ للسعودية من ورطتها، حيث كان من المتوقع في واشنطن أن ينجح تحالف الشر والعدوان في كسر ارادة اليمنيين الأحرار خلال أشهر.." موقع 26 ستمبر في 6/2/2021. ليس هذا وحسب، وانما ادارة بايدن تحاول تجميد العمليات العسكرية عند حدود الوضع الحالي، لأن استمرارها ينذر بالمزيد من الزحف والقضم من جانب أنصارالله، للمناطق والمحافظات المحتلة من قبل قوى العدوان، بل وينذر بمزيد من قضم أراضي المملكة في نجران وعسير وجيزان، وبالتالي تفاقم الخطر الاستراتيجي على المملكة وعلى النظام السعودي بالذات فبين الحين والآخر يُعلن أنصار الله عن تحريرهم لمزيد من الأراضي والمدن اليمنية من براثن الاحتلال السعودي الأمريكي الإماراتي ومرتزقتهم الخونة.
على ان السؤال، هو هل القناعات الأمريكية المشار اليها، ستؤسس لإجراءات جادة لوقف الحرب على اليمن، وحل الأزمة اليمنية حلاً ينهي الصراع وينهي معه مأساة الشعب اليمني، في ضوء المواقف الأخيرة لبايدن ولوزير خارجيته بلينكن!؟
والإجابة على هذا السؤال، هي وبالرغم من قناعة الأمريكان الآنفة، فأن تلك المواقف لبايدن ما هي الّا مزيج من المناورات السياسية والضغط كما أشرنا في بداية الحديث، بهدف تحقيق مصالح أمريكية وصهيونية ولذلك نضع هذه المواقف في إطار المحاولات الأمريكية التالية:-
1- ان تجميد الدعم الامريكي لعمليات السعودية الهجومية في العدوان على اليمن لم يكن جادا، إنما هي خطوة رمزية وسياسية بامتياز تنسجم مع توجه الإدارة الأمريكية الديمقراطية، من أجل تسهيل عملية تسويق الوجه الجديد لهذه الإدارة التي شوهها ترامب إلى حد كبير بكشف تجاعيد هذه الوجه وتقاسيمه الدموية، ولذلك فان اجراءات بايدن تجاه الحرب لم تؤثر على العمليات الحربية السعودية مطلقاً، بل ستظل كما هي عليه في عهد ترامب، وبالتالي فإن إدارة بايدن ستواصل دعمها للعدوان السعودي على اليمن، وفقاً لما يراه السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فييرستين، والذي قال في رسالة عبر البريد الالكتروني" ان تأثير القرار في الحقيقة يتعلق بالموقف والإشارات الأمريكية اكثر مما يتعلق باعاقة القدرات السعودية في اليمن، وسيوضح الرئيس ان الولايات المتحدة ستؤكد على استراتيجية سياسية لإنهاء الصراع وهو يريد دعماً سعودياً لتحقيق ذلك". واضاف " من وجهة نظري، يدعم السعوديون أيضاً إنهاء الصراع، طالما ان القرار يعكس متطلباتهم الأمنية الأساسية".
فلو كان بايدن جاداً في إيقاف العمليات الحربية لقوى العدوان، أو على الأقل التأثير عليها، لأمر النظامين السعودي والإماراتي بإيقاف هذه العمليات والبدء بإجراء مفاوضات ومباحثات سياسية بين أطراف النزاع أو على الأقل القيام بإجراءات من شأنها خلق أجواء ومناخات سياسية وأمنية لبدء مثل هذا الحوار لحل الأزمة حلاً سياسياً، وما يعزز هذا الرأي هو تأكيد بايدن ووزير خارجيته على استمرار الدعم الأمريكي للنظام السعودي وحمايته من الاعتداءات الخارجية بحسب تسمية بايدن وبلينكن! فهذا الأخير قال في تصريحات له في 7/2/2021، " ان واشنطن ستركز على قضية حقوق الانسان في إطار العلاقات مع السعودية" وأضاف: " السعودية تمثل شريكاً مهماً في مجال الأمن..و سنواصل عملنا المشترك للدفاع عن المملكة من التهديدات الخارجية، مع ان تكثيفنا في الوقت ذاته الدبلوماسية لإنهاء النزاع في اليمن ورفعنا قضايا حقوق الإنسان في إطار العلاقات بيننا".
2- محاولة توظيف الأزمة اليمنية ومعاناة الشعب اليمني في اطار المناورة السياسية الأمريكية مع ايران، على خلفية ملفها النووي، وما تسببه من توتر في المنطقة وبين أمريكا وإيران، بعد انسحاب ترامب منه، وفرض عقوبات على ايران، فالكثير من المحللين اعتبر اجراءات بايدن " مجرد مغازلة" لطهران من أجل الدخول في مفاوضات جديدة حول ملفها النووي، لكني أرى ان هذه المناورة لا تستهدف سلب اليمنيين حقهم من تقرير مصيرهم وحسب، وانما تستهدف وضع الملف النووي في اطار رزمة إقليمية متكاملة، ما يعني أقلمة الملف اذا جاز التعبير مثلما يريد الصهاينة والنظام السعودي أيضاً، في حين أن الطريق واضح للعودة الى الملف النووي والى الالتزامات لكل الأطراف التي نص عليها وكما وضحت طهران ومازالت وهو رفع العقوبات، ومن ثم إعلان الطرفين ايران وامريكا الالتزام مجدداً بما نص عليه الاتفاق النووي لعام2015.. ولذلك جاء الرد الايراني واضحاً ودون لبس على لسان قائد الثورة ، وجاء الرد الايراني ايضاً فيما يخص الأزمة اليمنية ورداً أيضاً على ما جاء به المندوب الاممي البريطاني في الأزمة اليمنية غريفيث خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الإيرانية، بأن ايران لا تقرر نيابة عن صنعاء، وان قرار حل الازمة اليمنية هو في صنعاء وليس في طهران، حيث ذكرت الأوساط الإعلامية أن غريفيث نقل للمسؤولين الايرانيين طرحاً أمريكيا بوقف الدعم الأمريكي للسعودية مقابل وقف الدعم الايراني لانصارالله، فأبلغت طهران غريفيث ان دورها لا يزيد عن امكان ان تلعب دور الوسيط وان قرار أنصار الله في صنعاء وليس في طهران. وقالت الأوساط الإعلامية أن إيران أبلغت المندوب الأممي، أنها لن تتوسط لدى صنعاء ما لم يتوقف القتال ويرفع الحصار.
3- و في ضوء ما تقدم فإن إجراءات بايدن الأخيرة، إنما تدخل في إطار المناورة وقلنا، مع التوجه الجديد للإدارة الديمقراطية ومحاولة إعادة مساحيق التجميل لتغطية التجاعيد البشعة لوجه أمريكا الدموي الحقيقي الذي كشفه ترامب، ذلك من جانب، ومن جانب آخر، أن الإدارة الجديدة تحاول أيضاً توظيف الأزمة في إطار مواصلة حلب وابتزاز النظام السعودي.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق