أمريكا المأزومة في البحر الأحمر.. تخرب عملية السلام بين أنصار الله والسعودية !!
[عبد العزيز المكي]
يبدو أن أزمة الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر، نتيجة تورطها في مواجهة أنصار الله لحماية السفن الصهيونية وتلك المبحرة نحو الموانئ "الإسرائيلية" تزداد تأزما بل وتتفاقم يوماً بعد آخر، لأن واشنطن ليس لم تفك الحصار البحري الذي فرضه أنصار الله على العدو وحسب، بل أصبحت السفن التجارية، والسفن العسكرية والمدمرات والأساطيل الأمريكية عرضة للاستهداف من قبل نيران أسلحة أنصار الله، هذا ما تعكسه تصريحات وتبرمات بعض المسؤولين والقادة العسكريين الأمريكيين التي باتت متواترة ومتكررة، ففي هذا السياق، صرح المستشار السابق لدى وزارة الدفاع الأمريكية دوغلاس ماكغريغور، بأن أمريكا الآن ليس باستطاعتها الفوز بأي حرب تشارك فيها وكتب على منصة اكس ((X)) تويتر سابقاً "إذا كان عليك القتال، فإنك تذهب إلى الحرب عندما تكون مستعداً، وعند ما تكون لديك فرصة جيدة للفوز" وأضاف "إن أمريكا غير قادرة حالياً على القيام بذلك؟.
وإلى ذلك كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن استقالة مسؤول أمريكي في البنتاغون بسبب هذا التخبط والارتباك في البحر الأحمر، وهو ما لم تقله الصحيفة الصهيونية كما کشفت أن هذا المسؤول كتب في استقالته من منصبه قائلاً "نحن نعلم أن الحوثيين يحتفظون بترسانة كبيرة، إنهم قادرون جداً، لديهم أسلحة متطورة".. وهذا ما أكده قائد القوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال أليكسوس غرينكويتش حيث أشار في تصريحات له إلى أن المسؤولين الأمريكيين لم يكن لديهم تقييم استخباراتي مفصل للقدرات في اليمن قبل بدء الهجمات، وسبق أن أقرت قيادة القوات الأمريكية بامتلاك اليمن أسلحة استراتيجية وعلى رأسها الصواريخ والطائرات المسيرة.. من جهته أمر النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأمريكي مايكل ميلروي بفشل الغارات الجوية والقصف البحري الأمريكي والبريطاني في إيقاف عمليات قوات صنعاء في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.
وقال ميلروي "إن خطر هجمات صنعاء مازال قائماً حتى الآن" مشيرا إلى "أن عمليات صنعاء البحرية لا تزال مستمرة.. مؤكداً.. أن "صنعاء لا تزال قادرة على شن هجمات كبيرة على سفن (حارس الازدهار) والسفن التجارية"..
وكانت صحيفة تايم اوف إسرائيل قد أكدت في تقرير لها أن واشنطن فشلت
في ما أسمته الصحيفة (ردع الحوثيين) عن فرضهم الحصار البحري على الكيان المحتل.. وقالت: على الرغم من بذل قصارى جهدها، فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في منع الحوثيين من تعطيل تدفق الشحن التجاري في البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاماً في العالم".. وأضافت الصحيفة العبرية قائلة: "قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بضرب أهداف للحوثيين مراراً وتكراراً، ولكن دون جدوى.. وأشارت الصحيفة إلى ما يلاحظه المحللون حول العالم من أن "الحملة الأمريكية لتقويض القدرات العسكرية للحوثين ليست باهظة الثمن فحسب، بل ربما تكون غير عملية، حيث أنها تتطلب صواريخ بملايين الدولارات لتدمير الطائرات بدون طيار والصواريخ الحوثية الرخيصة الصنع، وبعد أن نجوا من الهجوم الأمريكي، اكتسب الحوثيون الجرأة لشن المزيد من الهجمات الاستفزازية" على حد قول الصحيفة.. هذه الاعترافات.. وسيل الاعترافات التي سبقتها لكبار ضباط البحرية الأمريكية، والتي أكدت أن الأخيرة تواجه أكبر تحد لها منذ الحرب العالمية الثانية، من حيث كثافة العمليات وأنها تواجه هجمات لم يسبق أن حدث مثلها في التاريخ.. نقول إن هذه الاعترافات كرست صورة الفشل الأمريكي في مواجهة الحوثيين، بل أيقن الأميركان أن لا حل عسكري لمشكلة فرض الحوثيين الحصار البحري على العدو، هذا ما أكده تيم ليدركينغ المبعوث الأمريكي إلى اليمن في مداخلاته الأخيرة على خلفية تحركاته في اليمن وفي المنطقة، حيث قال: "لا يوجد حل عسكري، وانه يأمل أن يتم التوصل إلى حل دبلوماسي" وذلك اعتراف واضح وجلي بوصول حملة العدوان الأمريكية على اليمن إلى طريق مسدود: ثم أن الذي عقد المشهد على أمريكا في البحر الأحمر، ليس فشلها العسكري في مواجهة أنصار الله وحسب، وإنما دخول الروس على خط الأزمة الأمريكية ميدانيا وبعد أن كان التخوف الأمريكي لا يتجاوز الظنون ومحاولات التوظيف البعيدة، اتخذت الأمور أيضاً مسارات مختلفة إذ جاء الروس بأساطيلهم ومعهم الصين أيضا ودخلوا البحر الأحمر والمنطقة وباتوا على دراية تامة بالإخفاقات العسكرية الأمريكية في المواجهة و الاشتباك مع أنصار الله انعكس هذا الحضور الروسي في ثلاثة تطورات بارزة ومهمة في المنطقة وهي ما يلي:
الانتشاء الروسي بانكشاف الضعف الأمريكي أمام أنصار الله، وباستنزافهم ثم بكشف حقيقة القوة الأمريكية، إذ اتضح للروس، أن قوة صغيرة صاعدة مثل أنصار الله يمكن أن تلحق هزيمة مدوية بالأساطيل والمدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية، بمجرد امتلاك أنصار الله صواريخ ومسيرات متطورة، وهو ما يحصل الآن فعلاً، ولذلك منذ عدة أسابيع بدأ الإعلام الروسي يشيد ويثني على أنصار الله ويصفهم بالشجعان، بل إن بعض الإعلاميين الروس دعا إلى إعطاء السلاح الروسي المتطور إلى الحوثيين، ثم إن الفيلسوف الروسي الشهير الكسندر دوغين مستشار الرئيس الروسي بوتين قال في كلمة له خلال مؤتمر "فلسطين قضية الأمة المركزية" الذي نظمته صنعاء مؤخرًا، "إن اليمن أنقذ كرامة العالم الإسلامي وغير الوضع الجيوسياسي من خلال موقفه المساند لغزة" وأضاف دوغين الذي يعمل كمستشار سياسي وعسكري للكرملين إلى جانب عمله بأستاذ في علم الاجتماع في جامعة موسكو ومؤرخ وكاتب وفيلسوف.. أضاف قائلا "نحن نعيش فترة انتقال من فترة هيمنة القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، والصهيونية هي جزء من الهيمنة القطبية الأمريكية" وربط بين معركة روسيا في أوكرانيا والمعركة في فلسطين وقال: "نحن نشارك في الوقت نفسه في محاربة الغرب وانتم في اليمن وفي فلسطين وفي لبنان وجميع ممثلي قوى في الشرق الأوسط، تقاتلون العدو نفسه وللهدف نفسه".. وأفصح هذا المفكر الروسي عن طموحات الروس قائلاً: "إنها حرب التعددية القطبية ضد الآحادية القطبية التي لا تريد أن تسمح لنا بأن نسلك طريقنا الخاص" واستطرد قائلا "نحن بحاجة إلى وضع الغرب في نطاقه الخاص، والشرق الأوسط ليس الغرب، إنه مجال مستقل ويجب على سكانه أن يقرروا مصيرهم" وتلك دعوة روسية واضحة إلى مواجهة الغرب وتأييد ضمني روسي لعمليات أنصار الله ضد أمريكا والدول الغربية التي تقف إلى جانبها.. على أن دوغين في آخر كلمته بدا صريحا في التعبير عن الدعم الروسي لعمليات أنصار الله ضد أمريكا وبريطانيا في البحر الأحمر عندما قال "أنتم اليمنيون، الحوثيون وجميع اليمينيين، قد أنقذتم كرامة المجتمع الإسلامي وغيرتم النظام الجيوسياسي من خلال ما فعلتموه في البحر الأحمر" وهنا يحث الأمة الإسلامية باحتذاء الحوثيين، كقدوة في مقاومة الغرب وأمريكا.. وأثنى مرة أخرى على أنصار الله حاثاً إياهم على البقاء على هذا التحدي قائلا: "ابقوا أقوياء أيها الأعزاء، أنا معجب بحكومتكم وشجاعتكم، وأعتقد أنكم تنقذون ما تبقى من الشموخ وكرامة جميع المسلمين والعالم، وأعتقد أنكم الآن رواد وقادة لقوى المقاومة في الشرق الأوسط".. وأضاف .. "إن حكم الغرب العالمي انتهى وأنتم أيها اليمينيون من أوائل من أظهر الشجاعة وأثبت مدى ضعف عدونا".. واختتم حديثة، أي المفكر الروسي بإعلان اصطفاف روسيا إلى جانب اليمن قائلاً: "ننتظر كم في البريكس روسيا واليمن قوتان تقاتلان الوحش العالمي، وندعو الجميع إلى الانضمام إلى هذه المعركة وحتى لو يبقى هذا الكلام في أطار الشعار الإعلامي فإن الولايات تعتبره تطوراً خطيراً، ومركزاً لفكرة سوف تتطور في المستقبل وتتحرك إلى واقع ميداني!انعكس الحضور الروسي أيضاً في المناورات العسكرية البحرية المشتركة مع اريتيريا ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد علق أنصار الله على تلك المناورات بالإيجاب ونوهوا إلى أن الروس ينوون تعزيز حضورهم البحري والعسكري في البحر الأحمر لمنافسة القوة الأمريكية المتراجعة.. لكن هذا الحضور بنفس الوقت أقلق الأميركان حيث أفادت الاستخبارات الأمريكية بأن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تیم لیندركینغ أبلغ السعوديين في جولاته الأخيرة قلق بلاده من تنامي الدور الروسي في البحر الأحمر مؤكدا أن بلاده تخشى أن يمثل الحضور الروسي في البحر الأحمر توسيعا لرقعة الصراع في المنطقة معتبراً عودة الحرب في اليمن أنها ستخدم الأجندة الروسية الهادفة إلى رفع أسعار النفط بشكل كبير وبما ينهي الحصار المفروض عليها...التحرك السياسي الروسي وحتى الصيني الرامي إلى تعزيز الحضور الروسي العسكري والبحري في المنطقة، ومحاولات الإدارة الروسية توطيد علاقاتها مع السعودية ومع إيران واليمن ودول المنطقة الأخرى غير خافية على المتابعين والمحللين السياسيين..وفي ظل تعقد المشهد أصبحت الخيارات أمام الولايات المتحدة للخروج من ورطة البحر الأحمر محدودة جداً، وحتى تلك المحدودة فهي محفوفة بالمخاطر ولذلك نرى الإدارة الأمريكية في حالة إرباك تام، فهي لا تستطيع التراجع لأن ذلك يشكل هزيمة مدوية لها ولا تستطيع التصعيد وإعلان الحرب خوفاً من توسعها من ناحية، ومن ناحية ثانية غير مضمونة النتائج، ويمكن أن تكرر هزيمتي فيتنام وأفغانستان بسبب وعورة الأراضي اليمنية وبسالة وشجاعة وتمرس اليمنيين في الحرب، أما البقاء على هذه الحالة فيعني خسائر فادحة واستنزاف مستمر وهذا ما يعلن عنه الضباط الأمريكيون باستمرار.. يضاف إلى ذلك الخوف من التوظيف الروسي والصيني لأي حرب تشنها أمريكا واسعة النطاق على أنصار الله.. وأمام معضلة محدودية الخيارات، تبنت أمريكا بدلاً من الذهاب إلى الطريق الصحيح وهو وقف العدوان الصهيوني على غزة ووضع حد لمجازر العدو بحق أهلها في ما يتعارض ذلك مع استراتيجيتها واستراتيجية العدو !!.. بدلا من ذلك ذهبت إلى الخيارات التالية وهي أو منها:
الخيار الدبلوماسي، فبعد التصعيد العسكري طرحت أمريكيا عبر الوساطة العمانية ومبعوثها تيم ليدركينغ مشروع إخراج الحوثيين من قائمة الإرهاب مقابل وقف هجماتهم البحرية واستهداف السفن الصهيونية وهو طرح يكشف سذاجة وتخبط المسؤولين الأمريكيين حقاً لدرجة أن صحيفة بلومبرغ الأمريكية سخرت من هذا الخيار وأشارت إلى أن واشنطن لجأت إليه لبحث إيقاف هجمات أنصار الله على سفن الملاحة الإسرائيلية بعد فشل واشنطن عسكريا في حملة قصف دامت ثلاثة أشهر حتى الآن في إيقاف هذه الهجمات.. أما أنصار الله فقد اعتبروا أن الأمريكي يتخبط وبات مضيعا للبوصلة!!إجبار النظام السعودي على ربط انجاز عملية السلام بينه وأنصار الله بوقف هجمات الأنصار على الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، ما شكل ذلك ابتزازاً سافراً للنظام السعودي نفسه وتعويقاً لعملية السلام، التي كانت تتقدم بسرعة بحسب تصريحات المسؤولين السعوديين والمسؤولين في صنعاء، إذ كان يعوزها الإعلان والتوقيع فحسب طبقاً لتلك التصريحات.. وهذا ما أكده مسؤول العلاقات العامة والإعلام لدى مركز واشنطن للدراسات اليمنية سيف المثنى الذي أشار إلى اعتراض أمريكا على توقيع خارطة الطريق لإيقاف الحرب في اليمن.. وقال في تغريدة على موقع اكس أن: "أهم بنود خارطة الطريق التي يحاول المبعوث الأممي تنفيذها هي: قبول السعودية بالحكم المطلق للحوثي في المناطق التي يسيطر عليها، وإعطاء الحوثي ما لم يكسبه في الحرب!، تتحول السعودية إلى وسيط بين الحوثي والمجلس الرئاسي" على حد قوله مضيفاً: "الاعتراضات من قبل واشنطن على توقيت خارطة الطريق، وأن يمن ما قبل البحر الأحمر ليس كما بعده، مما دفع واشنطن في توجيه مسار المفاوضات والأحداث!" على حد أقواله.. ويبدو لي أن أمريكا حاليا وأمام رفض أنصار الله للطروحات المشار إليها، تدفع باتجاه حرب في اليمن بالنيابة، تنضم إليها السعودية حيت تضغط أمريكا بقوة حالياً في هذا الاتجاه، وتدفع إليها مرتزقة السعودية والإمارات اليمنيين، الذين ابدوا استعدادهم لهذه المهمة القذرة، فهي توفر لأمريكا أي تملك الحرب غير المباشرة، فرصة عدم التورط المباشر، ثم يمكن تطويقها واحتوائها إذا لاح تدخل أطراف إقليمية ودولية فيها مثل روسيا، ولكن حتى ولو أن التحركات الأمريكية تجري بهذا الاتجاه فهي تظل محفوفة بالمخاطر لأنها أي تلك الحرب المسيطر عليها، غير مضمونة من احتمال التوسع ومشاركة أطراف جديدة فيها، فضلاً من أنه يمكن أن تتحول إلى هزيمة مدوية لمرتزقة السعودية والإمارات في اليمن، ولذلك ستظل أداة ضغط أو تهديد، تمارسه الإدارة الأمريكية على أنصار الله من أجل حملهم على القبول بوقف هجماتهم على الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر، وهو أمر بعيد المنال في الوقت الحاضر على الأقل.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق