أيها العرب.. ان سكتم على استباحة سوريا.. فسيأتي دوركم
[عبد العزيز المكي]
إن نفسر لا مبالاة الأنظمة العربية بما كان يقوم به العدو الصهيوني من اعتداءات وتطاول على سوريا وعلى مراكزها الاستراتيجية، في عهد الأسد، بعداء هذه الأنظمة لنظام الأسد، سيما وإن رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني اعترف صراحة ولأكثر من مرة بأن بلاده والسلطات السعودية قامتا بدور أساسي في إعداد القطعان التكفيرية وتجميعها والزج بها في سوريا بعد تدريبها وتسليحها لإسقاط النظام السوري، وتمويلها على طول الخط، وكل ذلك كان بأوامر أمريكية!! فأمريكا طبقاً لما قاله ابن جاسم أعطت القيادة لهذه القطعان لقطر، ومن ثم تنحت قطر لتسلم بعد فشلها في تحقيق المهمة الأمريكية، مقود القيادة الى السعودية!!
نقول إذا كان البعض يفسر سكوت وتخاذل تلك الأنظمة عما كانت تقوم به العصابة الصهيونية في تل أبيب من اعتداءات واستهدافات، لأن هذه الأنظمة ترى في تلك الاعتداءات جهداً إضافياً يدعم جهدها الرامي الى أضعاف نظام الأسد والى إسقاطه!! أما الآن فأن الذي يقود هذه القطعان هم الاتراك والأمريكان ومن ورائهما الصهاينة، وباتت دمشق في قبضة (الفاتحين) الجدد المدعومين من تركيا وأمريكا، وهم ذات القطعان الذين كانت تدعمهم قطر والسعودية، ولذلك فأن سكوت هذه الأنظمة على استباحة العدو لسوريا لا يفسر إلا بالخيانة والتواطئ، فهذه الاستباحة لا تعني كما يروج العدو الصهيوني والطابور الخامس العربي... إن العدو يريد من هذه الاستباحة تدمير القوة العسكرية لإحدى دول المحاذية له فحسب، إنما ما يقوم به هذا العدو في سوريا من اعتداءات طالت كل معالم القوة العسكرية لهذا البلد من طائرات ومضادات جوية ومدافع ومراكز أبحاث عسكرية، وبنى تحتية ومراكز قوة اقتصادية وبشرية وكل شيء يرمز الى القوة، كل ذلك يعتبر حلقة في إطار مشروع أمريكي غربي صهيوني يستهدف المنطقة برمتها، بالطبع بالتعاون مع الشريك التركي الذي لبس (طربوش) السلطان العثماني!!
وهذا ما اعترف به رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو صراحة وأكثر من مرة، فهو بشرّ بولادة شرق أوسط جديد، ثم أوضح وزير المالية الصهيوني سموريتش بأن الكيان الصهيوني سيحقق حلمه التوراتي بالتوسع والهيمنة، من الفرات إلى النيل بحيث يضم لبنان وسوريا والجزء الجنوبي من تركيا والعراق حتى بغداد ومصر حتى القاهرة والسعودية حتى مكة والمدينة المنورة!!
ما يعني ما يقوم به العدو في سوريا، المعطيات التالية:
1ـ هو إن العدو كما أشرنا لا يعترف لا بسيادة الدول ولا بالمواثيق والأعراف الدولية، إنما هدفه الأساسي التوسع وضم أراضي الغير متى ما سنحت له الفرصة الملائمة، ولذلك وصف نتنياهو ما يقوم به في سوريا بالفرصة التاريخية التي لم يكن العقل الصهيوني يتصورها حتى في عالم الأحلام، ولذلك راح يسابق الزمن في التمدد في الاستيلاء على الأراضي السورية وفي تدمير البنية التحتية بكل أنواعها العسكرية والصناعية والحياتية وما إليها.. تماماً مثلما سبق وأن حصل في العراق، في ليبيا وأفغانستان ودول أخرى، فالمشهد السوري اليوم هو استنساخ كامل للمشهد العراقي بالأمس، والفاعل واحد، وهو مشهد نرى فيه أن التدمير الصهيوني لا يقتصر على البنية التحتية وعلى القوة العسكرية وحسب، وإنما يطال البنية العقلية والفكرية لهذا البلد، والبنى الثقافية، تماماً حصل في العراق بأن الغزو الأمريكي لهذا البلد، حيث تشير التقارير الى أن قطعان الموساد الصهيوني دخلت سوريا زرافات زرافات، وبمساعدة وتدليل قطعان الجولاني العملاء والخونة، للبحث وتصفية كل العقول السورية في المجالات العلمية والعسكرية والاجتماعية، وفي فترة قصيرة تقول التقارير أن العدو نجح في تصفية المئات من العلماء السوريين ومن الباحثين في الميادين العسكرية والعلمية للأسف، ولذلك لجأ حزب البعث السوري الى اصدار بيان وتحذير، لكل العلماء والأساتذة بالذهاب والهروب الى لبنان أو العراق أو الى أماكن أخرى حفاظاً على حياتهم من عمليات التصفية الصهيونية الجارية على قدم وساق.. ذلك لأن العدو يعتبر أي بلد عربي أو إسلامي بحسب المنطق التوراتي والتلمودي، عدواً حتى لو كان ضعيفاً، حتى لو كان مطبعاً! حتى لو سيطر عليه عملاء (إسرائيل) كما هو الحال في سوريا حيث دافع الجولاني عن التدمير المتسارع للعدو للقوة العسكرية السورية، بالقول إننا لا نحارب إسرائيل ولا نريد الحرب معها بينما يتوعد جلاوزته بفتح المدينة المنورة ومكة المكرمة!! دون أن يذكروا القدس!! لأن العدو يعلم جيداً إن شعوب هذه الدول حتى ولو غلبت ما دامت تمتلك القرآن وتدين بالإسلام وتمتلك بل تختزن الفكر الاستنهاضي بحكم انتمائها الإسلامي، ستظل تشكل خطراً على وجوده، ولذلك فهو يسعى الى تدمير هذه الشعوب فكرياً وثقافياً بعيد تدمير بنيتها التحتية والعسكرية، ولاحظنا مثل هذه النماذج في العراق ومصر والأردن وليبيا وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية.
2ـ من أهم مرتكزات مشروع التوسع والهيمنة الصهيونية هي تمزيق المنطقة وتجزئة الدول وخلق كانتونات داخل الدولة الواحدة على أسس مذهبية أو أثنية متصارعة متطاحنة فيما بينها، ولاحظنا كيف بذل جهداً ضخماً وبمساعدة أمريكا في العراق لتقسيمه الى دويلات طائفية!! وكيف حاول إثارة فتنة مذهبية بين شرائح المجتمع بمساعدة الأموال الخليجية السعودية والقطرية خصوصاً، حيث جلبوا قطعان التكفيريين من كل أصقاع الدنيا، وجلبوا معهم فتاوى "دعاة" الوهابية السعوديين، التي تسوغ لهم قتل الشيعة وأبنائهم وسبي نسائهم ومصادرة ممتلكاتهم!! ولعل الكل يتذكر انتشار السيارات المفخخة والقتل على الهوية في ربوع المناطق الشيعية فحتى بغداد قسمت الى أحياء سنية وأخرى شيعية، والى الآن العراق وشعبه يعانيان من تبعات تلك الفتن التي جلبها معه الاحتلال الأمريكي الصهيوني لهذا البلد، ولذلك فهم سوف يستنسخون تجربتهم في العراق ولبنان في سوريا حتماً. وذلك ما يؤكده حتى الخبراء الصهاينة أنفسهم فضلاً عن عدد من المحللين والمتابعين، ففي هذا السياق يقول "المستشرق الإسرائيلي" ميخائيل ميلشتاين، في مقال له نشره بصحيفة يدعوت احرنوت ونقلته "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" للعربية أنه "لا يوجد في سورية أي شيء يمكن أن نستمد منه الأمل بعد الأسد. يدور الحديث عن مجموعات تم دمجها معاً: لديها حسابات مفتوحة ودامية (يمكن أن تندفع بحدة، وخصوصاً ضد العلويين)، وفي الخلفية لا توجد أي ممارسة سياسية ليبرالية، أو مجتمع مدني، أو دولة قومية متماسكة"!! علاوة على ذلك شدد هذا المستشرق على أن "سورية متعددة المركبات والتناقضات على صعد كثيرة، وهي الآن تشبه الى حد بعيد جداً، العراق ما بعد سنة 2003، لكنها تفتقد الى الصمغ الأمريكي الذي حافظ على تماسك الدولة، حتى لو كان بشكل متقطع، ليس هذا فقط، فالمتمردون لا يشكلون معسكراً واحداً فقط، بل مجموعات لديها مصالح متناقضة وأفكار (بعضها جهادية) تعيش في واقع يشهد كثيراً من التدخلات الأجنبية"! بالطبع على رأس هؤلاء المتدخلين أمريكا وكيان العدو نفسه، ولكن هذا المستشرق يحاول تبرئة العدو من هذا التدخل السافر برمي الاتهام نحو إيران!! على أي حال ينتهي هذا المستشرق الى القول: "وفي هذا الحال، لن يكون المبالغ فيه القول ان سورية ستقسم الى كيانات منفصلة او بشكل أكثر دقة ستتم مأسسة الوضع المفكك الذي ميزها على مدار أكثر من عقد" على حد قوله!!
ولعل ما ذكره هذا المستشرق يشكل توطئة وتمهيد لما يقوم به الكيان الصهيوني مستقبلاً في هذا البلد ـ سوريا ـ وما يعزز هذه الرؤية، الوصايا التي ختم بها هذا المستشرق مقاله، ومنها الدعوة او دعوته القيادة الصهيونية دعم بعض الفصائل المسلحة في سوريا دون غيرها ثم التأكيد على دراسة وفهم المميزات الثقافية، والفكرية للمجتمعات في المنطقة والعمل على أساس هذا الفهم!! في ذات السياق يرى السياسي المصري زهري الشامي أنه إذا لم يحدث مسار سياسي ديموقراطي فالتخوف الكبير هو دخول سورية في مسار تنازعات طائفية وصولاً للتقسيم وهو أمر لو حدث سيكون كارثياً وأخطر مما حدث في ليبيا!!
3ـ أن الدول المحيطة بالعدو والقريبة منه ليست بمنأى عما حصل في سوريا، فسقوط النظام فيها واستباحتها من قبل العدو الصهيوني وأمريكا والأتراك سوف يشجع هؤلاء على تكرار النموذج السوري، في دول أخرى، سيما وأن أمريكا تحتفظ الآن بـ 11 ألف داعشي تواصل تدريبهم وإعدادهم في شرق الفرات منذ خمس سنوات أو أكثر، وهناك إشارات كثيرة حول احتمالات استخدام هؤلاء مرة أخرى لغزو الموصل، كما ان تركيا لديها قوات تركية مرابطة في منطقة بعشيقة العراقية، مع جيش من المرتزقة، يمكن أن يكون رديفاً بجيش الدواعش تحت الرعاية الأمريكية!!
يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي الدكتور محمد توفيق علاوي في مقالته المنشورة على موقع (رأي اليوم) بتاريخ 9/11/2024 حول الخطوة الإسرائيلية الثانية بعد القضاء على سوريا.. "هناك ثمان دول عربية محيطة "بإسرائيل" من غير سوريا وتخطط لها "إسرائيل" في مشروع الشرق الأوسط الجديد وهي مصر والسعودية والأردن ولبنان وليبيا واليمن والعراق وما تبقى من فلسطين، أي غزة والضفة الغربية، وأخطر المخططات هي بحق السعودية والعراق"!! وتوقع الكاتب إن السعودية سوف يكون نصيبها الأوفر من التمزيق والتقزيم بحيث لا يشفع لها التطبيع مع العدو!، ولذلك فأن سكوت هذه الأنظمة على ما يقوم به العدو من تدمير للبنى التحتية والثقافية والعلمية في سوريا سوف يشجعه على تكرار النموذج كما قلنا في السعودية ومصر من أجل إقامة المرتكزات الأساسية لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، الأمر الذي يتطلب من السعودية ومن غير السعودية التحرك بجدية وبشكل جماعي عبر الجامعة العربية ومجلس التعاون والمؤتمر الإسلامي لمواجهة العدو ومشروعه الخطير، أما الاستمرار في السكوت والاكتفاء ببيانات الشجب والتنديد والطلب من الجهات الدولية التحرك لإيقاف العدو، فأن هذا الأخير سوف يزداد تحدياً وصلافة لأن المجتمع الدولي الذي يشكل عماده أمريكا والدول الغربية هم الذين يدعمون العدو ويمدونه بالأسلحة الفتاكة ويغطون على جرائمه، وبالتالي لا طائل من مطالبة هذا المجتمع التحرك نيابة عن الدول العربية، وهذه الأخيرة تمتلك كل مقومات الردع والمواجهة العسكرية وغير العسكرية حتى مع القوى الغربية التي تسند هذا العدو وتمده بمستلزمات القوة..
نقول مرة أخرى اذا استمر سكوت الدول العربية، فأن العدو سوف يكرر نموذج سوريا، مع الدول العربية الواحدة بعد الأخرى من أجل تحقيق أحلامه التوراتية بإقامة "إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات" وبدون شك إن تصريحات دونالد ترامب الانتخابية، بأن "إسرائيل" صغيرة ولا بد أن تتوسع لم تأت شعاراً انتخابياً أو من باب استهواء اليهود والصهاينة، ولم تأتِ من فراغ ابداً، إنما هناك مشروع يجري تحقيقه فهل يعي هؤلاء العرب، خصوصاً السعودية هذه الأخطار أم سيواصلون حفر قبورهم بأيديهم؟!
ارسال التعليق